الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

سوريا بين “الليرة الجديدة” ورفع العقوبات الأمريكية: إصلاح نقدي أم مناورة سياسية؟

الاقتصاد العربي | بقش

تعيش سوريا مرحلة اقتصادية دقيقة تتقاطع فيها إصلاحات نقدية داخلية مع تحولات دولية كبيرة. ففي الوقت الذي أعلن فيه مصرف سورية المركزي عن إصدار “الليرة الجديدة” وحذف صفرين من العملة الحالية في ديسمبر المقبل، جاء قرار الإدارة الأمريكية رفع العقوبات وإعادة ربط البنوك السورية بشبكة “سويفت” ليضيف طبقة جديدة من التعقيد والآمال في آن واحد.

أكد حاكم المصرف عبد القادر الحصرية أن إصدار العملة الجديدة يهدف إلى تسهيل المعاملات وإعادة الثقة بالعملة الوطنية، مع بقاء العملتين القديمة والجديدة جنباً إلى جنب لعام كامل وفق اطلاع بقش. إلا أن تجارب دولية سابقة تشير إلى أن حذف الأصفار ليس سوى إجراء تجميلي إذا لم يترافق مع سياسات صارمة لضبط التضخم وعجز الموازنة. الليرة فقدت أكثر من 99% من قيمتها منذ 2011، ومع ذلك تراهن الحكومة على أن الطرح الجديد سيساعد في استعادة الثقة ولو جزئياً.

التحدي الأبرز يظل في توحيد القبول بالعملة داخل سوريا الممزقة، حيث تعتمد مناطق واسعة في الشمال الغربي على الليرة التركية. كما أن تضارب الأنباء حول مكان الطباعة بين روسيا وألمانيا والإمارات يفتح باباً للتساؤلات حول السيادة النقدية والاعتمادية على الخارج.

رفع العقوبات الأمريكية: انفتاح حذر

قرار واشنطن بإلغاء الإطار القانوني للعقوبات منذ 2004 وإعادة مصرف سورية المركزي إلى نظام “سويفت” شكّل منعطفاً غير مسبوق. إذ أُزيل أكثر من 500 كيان وشخص من لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، ما يسمح بعودة التعاملات البنكية والتحويلات بالدولار.

انعكس القرار سريعاً على سعر صرف الليرة التي ارتفعت بنحو 30%، وسط تفاؤل بإمكانية جذب استثمارات أجنبية بعد إعلان الحكومة أن البلاد جذبت 28 مليار دولار منذ سقوط النظام السابق. لكن هذا الانفتاح يظل محدوداً، إذ تبقى سوريا مدرجة كـ”دولة راعية للإرهاب” منذ 1979، ما يعني استمرار قيود على المساعدات العسكرية والصادرات الحساسة.

يقرأ خبراء القرار الأمريكي في سياق “المراوغة”. فواشنطن لم ترفع العقوبات بشكل كامل، بل أبقت على أدوات ضغط تمكنها من التحكم بمسار الاقتصاد السوري. الأهم أن أي تسهيلات اقتصادية باتت تُربط بشكل غير معلن بمسار التطبيع مع إسرائيل.

ففي الفترة الأخيرة، التقى وزير الخارجية السوري الجديد وفداً إسرائيلياً في باريس حسب متابعات بقش، بينما استقبل الرئيس السوري وفداً أمريكياً رفيعاً في دمشق. هذه التحركات تعكس مساعي لإرساء ترتيبات سياسية واقتصادية تضمن لإسرائيل تعزيز نفوذها على الأراضي السورية، خاصة في المناطق التي توسعت سيطرتها فيها قرب دمشق خلال العام الماضي.

الإصلاح النقدي بين الشكل والجوهر

يبقى جوهر التحدي هو ما إذا كانت الإصلاحات النقدية ستُترجم إلى تحسين فعلي في معيشة المواطنين. حذف الأصفار وتغيير الأوراق وفق تحليلات بقش لا يوقف التضخم إذا لم يقترن بضبط السيولة وإعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي.

تصريحات الخبراء تؤكد أن النجاح سيُقاس بقدرة المصرف المركزي على الدفاع عن العملة وتوفير الدولار عبر قنوات رسمية، لا بمجرد تصميم الورقة النقدية.

سوريا تقف اليوم أمام مفترق طرق. داخلياً، تراهن على “الليرة الجديدة” كرمز للقطيعة مع الماضي، وخارجياً، تحاول الاستفادة من نافذة رفع العقوبات الجزئية. لكن الربط الأمريكي لأي انفتاح اقتصادي بمسار التطبيع مع إسرائيل يجعل مستقبل هذه التحولات رهناً بالسياسة أكثر من الاقتصاد.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش