سوريا على مفترق طرق: احتجاجات تشعل الشوارع واختبار مصيري للإدارة الجديدة

في ظلّ أزمة اقتصادية تُوصف بـ”الأسوأ منذ عقود”، تشهد سوريا موجة احتجاجات عارمة تطالب بتحسين الظروف المعيشية، وسط تساؤلات حول قدرة الإدارة الجديدة على إدارة الملف الاقتصادي المتشابك، الذي يُعدّ التحدي الأبرز منذ إسقاط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024.
جذور الأزمة: بين الرواتب المتعثرة وإصلاحات مُثيرة للجدل
تتصدر مطالب المتظاهرين في محافظات متفرقة إعادة صرف رواتب المتقاعدين المدنيين والعسكريين المتوقفة منذ أشهر، وإعادة العشرات من العمال المفصولين من قطاعات حكومية شبه متوقفة بسبب الحرب والعقوبات الدولية.
في المقابل، تبرر الحكومة إجراءاتها الأخيرة، التي شملت فصل آلاف الموظفين ووضع آخرين في “إجازات تقييمية”، بالحاجة إلى تقليص ما تسميه بـ “الوظائف الشبحية” وتخفيف النفقات في مؤسسات تعاني من “الترهل الإداري”.
وزير المالية السوري المعين من إدارة “الشرع”، محمد أبا زيد، قال أن هناك 400 ألف موظف “شبح” في سجلات الدولة، مؤكداً أن إزالتهم ستوفر مليارات الليرات السورية.
كما أعلن عن نية إغلاق شركات حكومية وصفها بـ”أدوات لنهب المال العام”. من جهته، أعلن وزير الاقتصاد “باسل عبد العزيز” عن خطة لتحويل الاقتصاد إلى “نموذج سوق حرة”، بينما أكد وزير التنمية الإدارية “فادي القاسم” أن احتياجات الدولة الفعلية من العمالة لا تتجاوز 600 ألف موظف، أي نصف العدد الحالي.
صراع الروايات: احتجاجات مشروعة أم انتقائية؟
بحسب تقرير لـ “العربي الجديد” طالعه مرصد بقش يرى ناشطون من دمشق أن الاحتجاجات تعكس تناقضات مجتمعية عميقة: “جزء من المحتجين استفادوا سابقاً من الفساد، واليوم يدفعون الثمن، لكن هذا لا ينفي معاناتهم”.
في حين يرفض آخرون ربط شرعية المطالب بالانحياز السياسي: “المطالبة بالغذاء والدواء حقٌ إنساني لا يحتاج إلى بطاقة انتماء”.
وفي الوقت الذي تعول فيه إدارة “الجولاني” على خطتها لـ”اجتذاب الاستثمارات” عبر تحرير الاقتصاد، يحذر خبراء من أن الإجراءات الحالية قد تزيد من معدلات البطالة التي تتجاوز 60%، وتُعمق الفقر في بلدٍ يعيش 90% من سكانه تحت خط الفقر. كما تُطرح تساؤلات حول جدوى الخصخصة في ظل هيمنة النخب المرتبطة بالنظام السابق على مفاصل الاقتصاد.
بين سندان الإصلاحات الاقتصادية ومطرقة الغضب الشعبي، تواجه الإدارة السورية الجديدة اختباراً مصيرياً قد يُعيد رسم خريطة التحالفات الداخلية، أو يُشعل موجة احتجاجات أوسع في بلدٍ لم يشفَ بعد من جروح الحرب.