تقارير
أخر الأخبار

سوق العقارات التركي: نمو اسمي يخفي تراجعاً حقيقياً وتدفقات يمنية تعيد تشكيل المشهد

تقارير | بقش

في خضم تقلبات الاقتصاد الكلي وتوقعات خفض أسعار الفائدة، يقدم قطاع العقارات التركي صورة مركبة من الصعب تبسيطها. فبينما تسجل الأسعار الاسمية للعقارات في مدن كبرى مثل إسطنبول ارتفاعات قياسية، تضعها في مراتب متقدمة عالمياً من حيث النمو، تكشف القراءة المعدلة حسب التضخم عن انكماش في القيمة الحقيقية، في وقت تلعب فيه تدفقات رأس المال الأجنبي، وخصوصاً من الجالية اليمنية، دوراً هيكلياً في إعادة تشكيل ديناميكيات السوق.

وفقاً لبيانات حديثة، ورغم الحديث عن حالة من الجمود، ارتفع مؤشر أسعار المساكن في تركيا بنسبة 32.3% على أساس سنوي في مايو الماضي، حسب اطلاع بقش على بيانات البنك المركزي التركي.

وفي إسطنبول وحدها، بلغ متوسط سعر المتر المربع 51,229 ليرة تركية، بزيادة اسمية سنوية بلغت 28.1%، طبقاً لبيانات شركة إسطنبول للتقييم العقاري، لكن هذه الأرقام تخفي حقيقة أكثر تعقيداً؛ فعند تعديلها وفقاً لمعدل التضخم المرتفع، أظهرت أسعار المساكن انخفاضاً حقيقياً سنوياً بنسبة 2.3%، مما يعني أن قيمة الأصول العقارية تتآكل فعلياً مقارنة بارتفاع تكاليف المعيشة.

وقد أدت المخاوف الجيولوجية، خاصة بعد زلزال 23 أبريل الماضي، إلى إعادة توزيع الطلب بشكل حاد، حيث شهدت المناطق الواقعة في الشطر الآسيوي من إسطنبول، والتي يُنظر إليها على أنها أكثر أماناً، طفرة في الأسعار، وسجلت مناطق مثل كاديكوي وبنديك وتوزلا عوائد سنوية تراوحت بين 38.8% و45.8%. وفي المقابل، شهدت المناطق الأوروبية المهددة بالزلازل، مثل إسنيورت وبيوك تشكمجه، تجميداً أو كسراً للأسعار، مع تحول الطلب بشكل كبير نحو المباني الجديدة المقاومة للزلازل، والتي ارتفعت أسعارها بأكثر من 50%، بحسب عاملين في القطاع.

حجم وطبيعة الاستثمارات اليمنية في تركيا

في قلب هذا المشهد، برز رأس المال اليمني كأحد أهم محركات السوق وأكثرها تأثيراً منذ بدء الحرب في اليمن. فبحسب بيانات اتحاد الغرف والبورصات التركية (TOBB)، أسس اليمنيون آلاف الشركات في تركيا خلال السنوات الماضية، ليحتلوا مراتب متقدمة ضمن قائمة الجنسيات الأجنبية الأكثر تأسيسياً للشركات، وتتجاوز هذه الاستثمارات مجرد شراء العقارات السكنية، لتشمل محفظة متنوعة من الأصول التجارية والصناعية.

تتركز الاستثمارات اليمنية بشكل كبير في قطاعات التجارة العامة، واستيراد وتصدير المواد الغذائية، والصناعات التحويلية الخفيفة، وقطاع الضيافة من خلال شبكة واسعة من المطاعم والفنادق التي أصبحت معلماً بارزاً في مدن مثل إسطنبول، كما أظهرت بيانات هيئة الإحصاء التركية (TÜİK) في فترات سابقة أن اليمنيين كانوا من بين الجنسيات العشر الأولى الأكثر شراءً للعقارات في تركيا.

وفيما يتعلق بأبرز المستثمرين، من الصعب وضع قائمة حصرية ودقيقة، لكن المشهد الاستثماري اليمني في تركيا تقوده مجموعات تجارية عائلية كبرى وراسخة، نقلت جزءاً كبيراً من عملياتها ورؤوس أموالها إلى تركيا باعتبارها ملاذاً آمناً ومركزاً إقليمياً.

وفق متابعات بقش، تُعد “مجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه”، وهي واحدة من أكبر التكتلات الاقتصادية في اليمن والمنطقة، مثالاً بارزاً على هذا التوجه، حيث أفادت تقارير صحفية متخصصة ومصادر اقتصادية بوجود استثمارات كبيرة للمجموعة في تركيا، تشمل قطاعات الصناعات الغذائية والتعبئة والتغليف.

إلى جانب هذه المجموعات الكبرى، برزت شريحة واسعة من رجال الأعمال والمستثمرين متوسطي الحجم الذين نجحوا في تأسيس أعمال تجارية ناجحة، مما خلق جالية اقتصادية يمنية نشطة ومؤثرة.

السوق بين الأسعار العالمية والتكاليف المحلية

على الصعيد العالمي، كشف تقرير “رسم خريطة الأسعار العالمية 2025” الصادر عن “دويتشه بنك” عن مفارقة أخرى؛ فقد سجلت إسطنبول أعلى زيادة في أسعار الإيجارات على مستوى العالم خلال السنوات الخمس الماضية، بنسبة بلغت 193.1% للشقق الكبيرة حسب قراءات بقش. ورغم هذه القفزة الهائلة، لا يزال متوسط سعر المتر المربع في وسط المدينة، البالغ 3,036 دولاراً أمريكياً، بعيداً جداً عن المراكز العالمية الكبرى مثل هونغ كونغ (25,946 دولاراً للمتر المربع)، مما يجعلها وجهة استثمارية جذابة من حيث التكلفة النسبية.

ويتوقع المراقبون أن يستمر النشاط في السوق، مدفوعاً بترقب الأسواق لقرار البنك المركزي التركي بخفض أسعار الفائدة في يوليو الجاري، مما قد يحفز مبيعات العقارات الممولة عبر القروض، والتي شكلت بالفعل 14.9% من إجمالي مبيعات مايو.

ومع استمرار الثقة في العقار كمخزن للقيمة على المدى الطويل، يبدو أن السوق التركي سيظل ساحة معقدة تتصارع فيها ضغوط التضخم المحلي مع جاذبية رأس المال الأجنبي الباحث عن فرص النمو.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش