الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

سَك 50 وطباعة 200 ريال والبقية تأتي…هل أنقذ البنك المركزي بصنعاء العملة اليمنية؟

خاص – بقش
كتب: عمار خالد

فصل جديد من قصة أزمات العملة اليمنية يشهده النصف الثاني من العام 2025، بإعلان البنك المركزي اليمني بصنعاء، الواقع تحت إدارة “حكومة صنعاء”، عن إصدار عملة نقدية ورقية جديدة من فئة 200 ريال يمني (زهرية اللون)، تحت عنوان عريض يتم العمل عليه مؤخراً هو “ترميم ومعالجة النظام النقدي”، ليكون الإصدار الثاني من هذه الورقة التي طُرحت للتداول في السوق ابتداءً من يوم 16 يوليو، متمتعةً بقوة إبرائية غير محدودة، جنباً إلى جنب مع الورقة القديمة المتهالكة (خضراء اللون).

هذا الإصدار، الذي وصفته وسائل إعلام مناوئة لحكومة صنعاء بأنه “مفاجأة نقدية”، سيخصَّص إلى جانب الفئات المعدنية الصادرة مؤخراً لإنهاء مشكلة الأوراق النقدية التالفة من فئة 250 ريالاً وما دونها. وقد تم طرح هذا الإصدار بعد تأجيله رغم جاهزيته منذ فترة، كفرصة لتنفيذ استحقاقات السلام وفق خارطة الطريق التي ظل النظام السعودي يماطل في تنفيذها، حسب ما قاله البنك المركزي بصنعاء.

ألمح مركزي صنعاء إلى أحقيته في الإقدام على هذه الخطوة وطباعة العملة، إذ قال إنه حريص على “استخدام أدواته بما يخدم أبناء الشعب”، في إشارة إلى الحق في إصدار العملات متى ما أمكن ذلك وبالحجم المطلوب، لكن “دون أن يترتب على ذلك إضافة أي كتلة نقدية، أو التأثير على أسعار الصرف المستقرة”، والبالغة 535 ريالاً للدولار الواحد في المتوسط، بكافة مناطق حكومة صنعاء، وهو ما يمكن وصفه بأنه رفد للسيولة المحلية وإنعاش لدماء العملة معاً.

بدا بنك صنعاء المركزي غير آبه بأي ردات فعل غاضبة من جانب بنك عدن المركزي الذي يعاني بدوره من أزمة نقدية ومصرفية حادة وفشلٍ في إدارة أزمة انهيار العملة. إذ لم ينتظر بنك صنعاء المركزي كثيراً من الوقت ليُعلن عن طباعة الإصدار الثاني من فئة 200 ريال، فقد أعلن عنها في نفس الأسبوع الذي كشف فيه عن سك عملة معدنية جديدة من فئة 50 ريالاً (يوم السبت 12 يونيو). قال إن سك العملة يأتي في إطار معالجة مشكلة تلف العملة الورقية من نفس الفئة، وهي المسكوكة الثانية التي يصدرها مركزي صنعاء بعد العملة المعدنية من فئة 100 ريال التي طُرحت للتداول في نهاية مارس 2024، حسب متابعات المرصد الاقتصادي “بقش”.

ولأن بنك صنعاء المركزي يرى أنه يمارس مهامه الطبيعية، يبدو أنه لن يقف عند هذا الحد، ومن المحتمل أن يقوم بإصدار المزيد من العملات الدنيا حسب الحاجة. فقد أكد مركزي صنعاء أنه سيدرس خلال الأشهر الستة المقبلة مدى الحاجة لسك وإصدار فئات ما دون الخمسين ريالاً، وهو ما أكدته أيضاً معلومات حصل عليها “بقش”.

ومن الناحية الفنية الرسمية، تم تصميم وطباعة إصدار 200 ريال الورقية، وفق أحدث الممارسات والمعايير والمواصفات العالمية الخاصة بطباعة الأوراق النقدية “البنكنوت” كما أعلن البنك، وللورقة مزايا أمنية مكونة من عدة مستويات، باحتوائها على كثير من العلامات الأمنية الحديثة، بعضها يُرى العين المجرد، وبعضها بالأشعة فوق البنفسجية، وهي علامات مرصودة لدى مقطع فيديو نشره المركزي على قنواته.

إنقاذ للسيولة وإعادة اعتبار للعملة.. وانزعاج محلي ودولي

بالنظر إلى رؤية بنك صنعاء المركزي، فإن إصداره العملات يأتي في المقام الأول لمعالجة مشكلة التالف من الكتلة النقدية في السوق، تلك التي خلفت كثيراً من العراقيل الاقتصادية (على مستوى السيولة النقدية) والمشاكل الاجتماعية، حتى بين الأفراد بعضهم بعضاً في معاملات الشارع اليمني، بسبب تهالك مختلف الفئات الورقية وخصوصاً ذات القيم الأقل من 1000 و500 ريال، وعدم سريانها في التعاملات اليومية، في وقتٍ لا يستطيع فيه المواطن التفريط بريال واحد، وسط الظروف المعيشية الأصعب على الإطلاق.

إلى جانب حل مشكلة الكتلة التالفة، يؤكد بنك صنعاء المركزي أيضاً أنه يضع على رأس أولوياته إعادة الاعتبار للعملة الوطنية “التي تعرضت لحرب ممنهجة بقيادة الولايات المتحدة عبر أدواتها الإقليمية والمحلية”. ويحمل ذلك لهجة تحدٍّ فيما يتعلق بالملف الاقتصادي الذي لم تتم حلحلة بنوده حتى الآن ضمن المفاوضات المتعثرة (توقفت في ديسمبر 2023 عقب الحرب الإسرائيلية على غزة).

أصدرت السفارات الأمريكية والبريطانية والفرنسية بيانات عبرت فيها عن انزعاجها من إصدار العملات، وقالت إن بنك عدن المركزي هو السلطة النقدية الوحيدة المعترف بها، ودعت بنك صنعاء المركزي إلى الامتثال لتوجيهات مركزي عدن بدون تأخير، دون رد من جانب البنك في صنعاء.

كما أعرب المبعوث الأممي إلى اليمن عن قلقه من إصدار العملات، وقال إن مثل هذه الإجراءات الأحادية ليست الحل لأزمة السيولة وتخاطر بمزيد من تقويض الاقتصاد اليمني الهش بالفعل وتعميق تجزئة أطره النقدية والمؤسسية، كما تنتهك التفاهم بين الطرفين في 23 يوليو 2024 لوقف التصعيد في المجال الاقتصادي، داعياً إلى اتباع حوار يدعم جهود تحقيق الاستقرار الأوسع في الوقت الذي يواجه فيه اليمنيون ضغوطاً اقتصادية بما فيها ارتفاع تكاليف المعيشة واضطراب الرواتب ومحدودية الوصول إلى الخدمات المالية.

أما بنك عدن المركزي، فاتهم حكومة صنعاء بتدمير أهم أسس النظام المالي والاقتصادي اليمني، من خلال طباعة “عملة ورقية مزوّرة”، على حد وصفه. كما اعتبر مركزي عدن أن هذه الإجراءات هي محاولة للاستمرار في عمليات نهب لرؤوس الأموال ومدخرات المواطنين، ومساعي تمويل شبكات وهمية باتت تعمل بانكشاف كبير، دون غطاء نقدي أو قانوني، يصل إلى تريليونات الريالات من العملة الوطنية ومليارات الدولارات من العملات الأجنبية.

بنك عدن المركزي، الذي سبق وطبع ما يصل إلى 5 تريليونات و320 مليار ريال حتى عام 2021 ما يعادل أضعاف ما تم طباعته منذ ثورة 1962 (وفق أرقام مركزي صنعاء)، قال إن تصرفات حكومة صنعاء “هستيرية” خوفاً من انهيار محتم ووشيك لشبكاتها. وكرر دعوته للمؤسسات المالية والاقتصادية والبنوك وشركات الصرافة إلى عدم التعامل مع ما يُطرح من “عملات مزوّرة من كل الفئات”.

نفس ردة الفعل الغاضبة أبداها بنك عدن المركزي بعد سك فئة 50 ريالاً، قائلاً إنها مزورة أيضاً، على غرار المسكوكة من فئة 100 ريال التي أحدثت أزمة حادة حاول معها مركزي عدن نقل البنوك الرئيسة من صنعاء إلى عدن، ولم يفلح بموجب اتفاق التهدئة الاقتصادية في يوليو 2024، الذي تقول حكومة صنعاء إنه تم بينها وبين المملكة العربية السعودية.

يلوّح مركزي عدن بعقوبات على من يحوز أو يتعامل أو يحمل أي فئة من العملات الصادرة عن بنك صنعاء المركزي، وحمّل حكومة صنعاء المسؤولية عن كافة التبعات وما يترتب على ذلك من عواقب مالية وقانونية دولية أو محلية، وما يلحق من أضرار جسيمة بالحقوق العامة والخاصة.

كما احتجَّ بنك عدن المركزي في بيان سابق على سك فئة 50 ريالاً، واعتبره فعلاً عبثياً تدميرياً، وتصرفاً غير مسؤول يُعد استمراراً للحرب الاقتصادية.

كالعادة، لم يرد بنك صنعاء المركزي رسمياً على البيانين المتواليين لبنك عدن المركزي، لكنه يتعامل مع تحركاته باعتبارها إجراءات قانونية، استناداً إلى أحكام المادة (24) من القانون رقم (14) لسنة 2000م، بشأن البنك المركزي اليمني وتعديلاته. بل لا يزال مركزي صنعاء يتعاطى مع مركزي عدن بوصفه فرع البنك المركزي اليمني في عدن، وهو نفس تعاطي بنك عدن مع مركزي صنعاء، منذ نقل العمليات في العام 2016، وهو تراشق مسميات وظيفية أفرزها الانقسام المالي والنقدي الوخيم الذي يمر به اليمن منذ ذلك العام.

حول ردة فعل بنك عدن المركزي، يعلق الخبير الاقتصادي “رشيد الحداد”، في حديث لـ”بقش”، بقوله إن حكومة صنعاء قامت بإصدار فئات دنيا، كإجراء يتوافق مع قانون البنك المركزي اليمني رقم 14 لسنة 2000، المعدل بالقانون رقم 21 لسنة 2003، لكن بنك عدن انزعج واعتبر هذه الخطوة كارثية بالنسبة له ولتطلعات الذين ضربوا القيمة الشرائية للعملة المحلية في عدن حتى تجاوز سعر صرف الدولار 2850 ريالاً، نتيجة للسياسات النقدية الكارثية التي ينتهجها -حسب الحداد- دون مراعاة تداعياتها على الوضعين الاقتصادي والإنساني، والإفراط في الإصدار النقدي التضخمي.

ويعتقد الحداد أن بنك عدن المركزي كان ينتظر أن يعلن البنك في صنعاء الاستسلام ويستجدي الحلول والمعالجات الخاصة بأزمة السيولة، مشيراً إلى أن محافظ بنك عدن قال مؤخراً إنهم لا يملكون بنكنوت أي أوراق نقدية، مقابل تحركات بنك صنعاء ليل نهار لإيجاد معالجات لأزمة السيولة، ثم تم إجراء هذه المعالجات بما لا يترتب عليه أي أثر تضخمي، وتمت إعادة الكتلة النقدية من فئة 200 ريال إلى التداول مرة أخرى.

وكان إجراء مركزي صنعاء مزعجاً للأطراف الموالية للتحالف والموالية والمتعاونة مع وزارة الخزانة الأمريكية، وفقاً للاقتصادي الحداد، إلا أن الإجراء جاء في إطار الحلول والمعالجات الممكنة لأزمة السيولة، مضيفاً: “صحيح أن إعلان إصدار فئة نقدية ورقية يُعد تطوراً لافتاً من قِبل صنعاء المحاصرة والمحرَّم عليها الطباعة في الخارج، لكن هذا اختراق مهم ورد عملي على القيود”.

“أسامة نعيم”، ضابط مصرفي، يقول في تعليق لـ”بقش” إن هذه الإجراءات المتمثلة في سك وإصدار العملة من المفترض أن تكون بالأساس إجراءات روتينية في حالة السلم إذا ما تعرضت العملة لهذا الضغط الشديد المتمثل في تلف الأوراق النقدية، إلا أنه في حالة الحرب، أو على الأقل الاضطراب السياسي والانقسام المالي والنقدي، فإن إجراءات البنك المركزي في صنعاء من الطبيعي أن تُحدث جدلاً واسعاً، لكنها تبقى في حدود الأمان طالما توفرت أسباب الحفاظ على استقرار أسعار الصرف، ما يجعل مصدر تمويل السيولة المحلية مصدراً غير تضخمي.

يتفق معه المحلل الاقتصادي “أحمد الحمادي”، فهو يرى في حديث لـ”بقش” أن الإصدار الثاني للعملة الورقية الجديدة من فئة 200 ريال قد يساهم في حل أزمة السيولة القائمة. ويضيف: “هذا الإصدار يمثل شكلاً من أشكال الحل، إذ يعالج مشكلة أو أزمة اندثار العملة الورقية من فئة 200 ريال الخضراء القديمة، وكذلك تهالُك وشبه انعدام الفئة الورقية 250 ريالاً، وهو ما شكَّل صعوبات متعددة وتحديات للتعاملات النقدية في السوق”.

ينبه الحمادي إلى أن هذه الفئات الورقية المتهالكة وشبه المنعدمة (من فئتي 200 و250 ريالاً) تشكل مليارات الريالات من المعروض النقدي في السوق، مما يستدعي بالفعل وضع حلول لتغطيتها. ويستبعد الحمادي أن تتأثر أسعار الصرف في السوق المصرفية المحلية، نظراً للسياسات المتبعة من جانب بنك صنعاء المركزي الذي يقول بدوره إن الإصدارات الجديدة من العملة تتم على أساس الحفاظ على القوة الشرائية للعملة المحلية وتسهيل المعاملات.

من وجهة نظر مقابلة، يرى الخبير الاقتصادي ماجد الداعري، أن امتلاك حكومة صنعاء أوراق بنكنوت ومطابع عملة، يُعد أمراً خطيراً جداً على القطاع المصرفي العالمي، لأنه يعني قدرتها على طباعة أي عملة مزورة لأي دولة والزج بها في السوق المصرفي بمناطقها بقوة سلطة الأمر الواقع، وبالتالي تفخيخ القطاع المصرفي بضخ عملات محلية وأجنبية مزورة، حد تعبيره.

ولطباعة العملات تبعات ومخاطر مصرفية عالية تجاه إنهاء دور البنك المركزي بعدن، وفقاً للداعري، مؤكداً أن انتقال حكومة صنعاء إلى طباعة عملة نقدية ورقية يُعتبر تطوراً كبيراً في إطار تحدٍّ للدولة والمجتمعين الإقليمي والدولي، مع قرب طباعتها لما تبقى من فئات نقدية دنيا، بعد أن نجحت سابقاً في كسر هيبة الدولة الشرعية وإجبار مجلس القيادة الرئاسي على التدخل والضغط على محافظ مركزي عدن للتراجع عن قراراته المصيرية تحت تأثير ضغط إقليمي ودولي وأممي.

بين هذا الرأي وذاك، يبدو أن حكومة صنعاء وسلطاتها النقدية ماضية في تحركاتها بشأن العملة، دون أن يكون للمجتمع الدولي سلطة لمنعها. وقد سبق وأكد ذلك رئيس البنك الأهلي اليمني (حكومي مقره الرئيس عدن)، الدكتور محمد حسين حلبوب، حين قال العام الماضي إن بإمكان حكومة صنعاء إصدار عملة بديلة للعملة التالفة بما لا يؤثر على سعر صرف العملات الأجنبية، مؤكداً أن بنك عدن المركزي أو المجتمع الدولي لا يستطيعان منع حكومة صنعاء من إصدار عملة جديدة. كما أشار إلى أن إصدار عملة بديلة للتالف يمكن في أي وقت، لكن إصدار عملة لتغطية العجز في الميزانية يتطلب توقيتاً مناسباً خلال فترة الربع الثالث من العام، كون العرض من العملات الأجنبية يكون في أقصاه خلال هذه الفترة.

اتفاق يوليو الاقتصادي.. من أطاح به؟

في 23 يوليو 2024، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن اتفاق بين حكومتي عدن وصنعاء على تدابير عدة لخفض التصعيد في ما يتعلق بالقطاع المصرفي، وكذلك الخطوط الجوية اليمنية. نص الاتفاق على إلغاء القرارات والإجراءات (إيقاف التعاملات) ضد البنوك من الجانبين، والتوقف مستقبلاً عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة.

رغم أن الاتفاق لم يورد تفصيلاً لما هو جائز أو غير جائز بشأن الملفات الاقتصادية، باستثناء استهداف البنوك، إلا أن الأزمة برمتها حدثت منذ إعلان بنك صنعاء المركزي، في نهاية مارس 2024، عن سك عملة جديدة من فئة 100 ريال، لتبدأ تحركات بنك عدن المركزي التي استهدفت نقل البنوك، حتى تصاعد الموقف وخاطبت صنعاء السعودية بمقتضى معادلة جديدة: “البنك بالبنك، والميناء بالميناء، والمطار بالمطار”، وجرى إنهاء الأزمة ليتقدم بعدها محافظ مركزي عدن، أحمد غالب، باستقالته التي تم رفضها.

مع تجدد سك العملة، من فئة 50 ريالاً، اعتبر بنك عدن المركزي هذه الخطوة تُطيح بإعلان 23 يوليو، بينما قال إن البنك وحكومة عدن نفذا جميع الالتزامات المنصوص عليها في الإعلان، ومارسا أقصى درجات ضبط النفس بعدم التصعيد رغم كل الاستفزازات والتجاوزات من قبل الحوثيين وفي مختلف المجالات، ولم يرد بنك صنعاء المركزي رسمياً على هذه التصريحات.

من جانبه يقول الاقتصادي أحمد الحمادي إن الواضح هو أن التصعيد الاقتصادي لا يزال مستمراً حتى من جانب بنك عدن المركزي، إذ يواصل البنك مساعيه لنقل مراكز البنوك الرئيسة من صنعاء إلى عدن، وقد أعلن البنك ذاته عن تواصله مع عدد من البنوك مؤخراً بشأن نقل مراكزها، وهو ما يخل ببنود الاتفاق المذكور. مضيفاً: “طالما تم إصدار العملات بناء على ما يقابلها من الكتلة الورقية، فإنه يبقى في مقام الإحلال النقدي، وهو ما لا يستحق الوقوف عنده طويلاً، وما يجب الاهتمام به هو مسألة توحيد السياسة النقدية التي تؤكد الأمم المتحدة على أهميتها لردم ولو جزء من الهوة الاقتصادية الراهنة”.

ويرى الصحفي الاقتصادي رشيد الحداد أن مركزي عدن غاضب من إصدار بنك صنعاء المركزي للعملة، بينما هو من نسف اتفاق يوليو 2024 بوقوفه إلى جانب وزارة الخزانة الأمريكية فيما يخص العقوبات، وإيقافه كافة التفاهمات الاقتصادية، وتعمّد التحريض ضد البنوك التجارية والقطاع المصرفي اليمني، وعاود الحرب الاقتصادية متكئاً على قرار التصنيف الأمريكي الذي حوله إلى وسيلة تهديد وترهيب ضد البنوك التجارية والقطاع المصرفي.

وبالعودة إلى تلك الأزمة، وصف البعض من أنصار حكومة عدن ذلك الاتفاق بأنه تراخٍ وانهزام للحكومة أمام حكومة صنعاء، في حين اعتبر نشطاء آخرون أن قرارات مركزي عدن كانت تهدد ملايين اليمنيين الذين يعيشون في مناطق حكومة صنعاء، إذ يعتمد قطاع كبير من الأسر اليمنية على الحوالات المالية الواردة من الخارج التي تعيلهم وسط انقطاع الرواتب وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، فضلاً عن الإضرار أكثر بالقطاع المصرفي المتدهور بالأساس.

ووفقاً لوكالة بلومبيرغ الأمريكية، فإن السعودية قامت بنزع فتيل الوضع المتأزم من خلال إلزام حكومة عدن ومحافظ البنك المركزي بإعادة النظر في الإجراءات المالية ضد صنعاء وإلغائها، كما ذكرت بلومبيرغ أن الرياض قالت إنها ستقلل الدعم الاقتصادي والعسكري لحكومة عدن إذا تم تنفيذ التحركات ضد صنعاء، وإن سلطة المجلس الرئاسي ستكون بمفردها في مواجهة صراع جديد.

وإثر إلغاء قرارات نقل البنوك، قدم محافظ بنك عدن المركزي “أحمد غالب”، استقالته من منصبه كاحتجاج على إبرام الاتفاق، إلا أن المجلس الرئاسي رفض الاستقالة وقال إن “المعبقي” عدل عن قراره وسيبقى في منصبه بدعم كامل من المجلس والحكومة، ولمواصلة ما وصفها بجهود الإصلاحات المصرفية الشاملة من السعودية والإمارات.

وكان غالب نفسه أكَّد في العام 2023 على استحالة نقل البنوك من صنعاء إلى عدن لأن أي بنك في النهاية يحكمه “النشاط الاقتصادي”، و”أي قرار إداري غير مدروس سيمثل مشكلة كبيرة جداً”، وهو ما جعل قرارات نقل البنوك بمثابة تناقض من جانب قيادة مركزي عدن، إذ تغيَّر موقف المركزي خلال أقل من عام رغم تعاظُم أزمته المالية، دون توضيح كيفية مواجهة متطلبات تسييل أرصدة البنوك وسط شحة السيولة النقدية بمناطق الحكومة.

خاتمة

قرار نقل عمليات البنك المركزي اليمني من مركزه الرئيسي في صنعاء إلى فرع عدن، في سبتمبر 2016، ترك البلاد بلا مؤسسة قادرة على توفير مقومات الاستقرار الاقتصادي، بعد أن كان البنك المركزي اليمني أحد المؤسسات الحكومية القليلة التي عملت بشكل فعال على المستوى الوطني خلال السنوات الخمس السابقة لقرار النقل، التي شكلت فترة من الاضطراب السياسي والنزاعات المسلحة.

وحتى مع تراجع نفوذ الحكومة المركزية، واصل البنك تقديم خدماته المالية بالتنسيق مع المجالس المحلية لتسهيل عملية تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وواصل صرف رواتب قرابة 1.2 مليون يمني من موظفي الخدمة العامة، إلى جانب العمل على حماية قيمة العملة المحلية وضمان حصول المستوردين على العملات الأجنبية لشراء السلع الأساسية.

مع مرور سنوات الحرب، مضى كل طرف يحاول تعزيز موقفه عبر أدواته الاقتصادية، ووسط ذلك بات لسان حال جزء كبير من المواطنين اليمنيين هو القول بأن اليمني يعيش أوضاعه المتردية بـ”لطف الله ورحمته”، ورغم ما تحمله هذه العبارة من بساطة، إلا أنها لا تخفي أن السلطات في البلاد تركت المواطن بمفرده في مواجهة الكارثة الاقتصادية والمعيشية، بينما يستمر الصراع دون بوادر حل.

في النهاية، قرر بنك صنعاء المركزي استخدام أدواته، بدءاً من سك العملة المعدنية من فئة 100 ريال، وصولاً إلى سك فئة 50 ريالاً وطباعة فئة 200 ريال، والبقية تأتي خلال ستة أشهر مقبلة من الدراسة والتقييم لإصدار المزيد من الفئات الدنيا. وبينما يخلص هذا التقرير إلى أن القوى الخارجية ليس بمقدورها منع حكومة صنعاء من إصدار العملات، يبقى السؤال الأهم هو المآلات القادمة للأزمة الاقتصادية برمّتها، إذ ينتظر المواطن انفراجة على أوسع نطاق تغنيه عن القلق من المستقبل القريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش