
كشف تحليلٌ أجراه المرصد الاقتصادي بقش بناءً على بيانات حديثة صادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، أن الاقتصادات العربية مجتمعةً تُساهم بنحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع تركيزٍ كبير في ثقلها الاقتصادي بين مصر والمملكة العربية السعودية، اللتين تحتلان موقعاً ضمن أكبر 20 اقتصاداً عالمياً، وتُشكلان معاً 51% من إجمالي الناتج الإقليمي العربي (27% لمصر، 24% للسعودية).
أظهرت تحليلات المرصد أن دول مجلس التعاون الخليجي تحتل المراتب الأعلى في متوسط دخل الفرد عربياً وعالمياً، حيث تصدرت قطر القائمة كأغنى دولة عربية ورابع أغنى دولة في العالم بمتوسط دخل فردي مرتفع، تليها الإمارات العربية المتحدة في المركز الثاني عربياً والـ12 عالمياً، ثم البحرين في المرتبة الـ26 عالمياً.
ومع ذلك، كشفت المقاييس البديلة للرفاهة المادية عن مفارقات مهمة، فبينما تصدرت قطر في دخل الفرد، حلّت ثالثةً عربياً في “الاستهلاك الفردي الفعلي” – المقياس الأكثر دقة لتقييم الرفاهة المادية – متأخرةً عن الإمارات (المركز 24 عالمياً) والكويت (المركز 37)، وفقاً لتحليل بقش لبيانات الإسكوا.
مصر والسعودية: قاطرة الاقتصاد الإقليمي
وفقاً لتحليلات بقش، تُبرز مصر والسعودية كأعمدة أساسية للاقتصاد العربي، حيث تمثلان معاً أكثر من نصف الناتج الإقليمي. وتأتي هذه النتائج في وقت تشهد فيه السعودية تحولات جذرية عبر رؤية 2030، بينما تعتمد مصر على مشروعات البنية التحتية الكبرى لتعزيز النمو.
لكن التقرير يُشير إلى أن ارتفاع الناتج لا يعكس بالضرورة تحسناً ملموساً في مستوى المعيشة، خاصةً في الاقتصادات الكبيرة ذات الكثافة السكانية العالية.
أداء متفاوت: من الانهيار اللبناني إلى الأزمات السورية والصومالية
سجل التقرير تفاوتاً صارخاً بين اقتصادات المنطقة، فبينما تصدرت دول الخليج المراتب العالمية في الدخل الفردي، جاءت الصومال وسوريا واليمن بين أفقر الدول عربياً وعالمياً، مع مؤشرات تدل على انهيار شبه كامل لسلسلة الإنتاج والخدمات فيهما.
كما أكدت تحليلات المرصد أن لبنان شهد تراجعاً كارثياً، حيث انخفض ترتيبه الاقتصادي من المركز السابع عربياً عام 2017 إلى المركز الخامس عشر في 2023، بسبب الأزمة المالية والسياسية المستمرة.
الاستهلاك الفعلي vs الناتج المحلي: أيهما يقيس الرفاهة الحقيقية؟
أشار التقرير إلى أن الناتج المحلي للفرد – رغم شيوع استخدامه كمؤشر لمستوى المعيشة – لا يعكس بدقة الواقع المعيشي، خاصة في الاقتصادات ذات الدخل المتوسط والمنخفض.
وفي هذا السياق، حلّل مرصد بقش بيانات “الاستهلاك الفردي الفعلي”، الذي يرصد الإنفاق الحقيقي للأسر على السلع والخدمات، ليخلص إلى أن الإمارات تتصدر المنطقة عربياً في هذا المؤشر (المركز 24 عالمياً)، تليها الكويت (37) وقطر (38)، مما يُشير إلى فجوة بين الثروة الوطنية والرفاهة الفعلية في بعض الحالات.
ووفقاً لـ “ماجد سكيني”، الخبير في الإسكوا ومؤلف التقرير، تُستخدم “مماثلات القوة الشرائية” (PPP) لتحليل التنافسية الصناعية وفرص الاستثمار، وتقييم سياسات الدعم والضرائب.
وأضاف أن هذه المقاييس تُسهم أيضاً في صنع قرارات مرتبطة بالصحة والتعليم والبيئة، من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي في مرصد بقش “أحمد الحمادي”، إلى أن اعتماد هذه الأدوات يُعد ضرورياً لدول المنطقة لمواجهة التحديات الديموغرافية والاقتصادية، خاصة مع ارتفاع معدلات الفقر في دول مثل اليمن وموريتانيا، والتي لم تُدرج في التصنيفات العليا.
الخلاصة: نمو اقتصادي لا يعكس عدالة توزيع الثروة
خلص “الحمادي” إلى أن الاقتصاد العربي – رغم ضخامته النسبية – يعاني من اختلالات هيكلية تظهر في الفجوة بين الناتج المحلي ومستويات الرفاهة، وفي التفاوت الصارخ بين دول الخليج الغنية والاقتصادات المنهكة بالحروب مثل اليمن وسوريا ولبنان والصومال.
مؤكداً على ضرورة تبني مقاييس اقتصادية أكثر شمولاً، مثل الاستهلاك الفعلي، لرسم سياسات تُحسن جودة الحياة وتُقلص الفوارق، في ظل حاجة ملحة لإصلاحات تُعزز العدالة الاقتصادية في المنطقة.