شرخ جديد في “أزمة توريد الإيرادات” إلى عدن.. مسؤولو المحافظات يرفضون التوريد لهذه الأسباب

الاقتصاد اليمني | بقش
عبر تقنية “زوم”، فشل اجتماع للمجلس الرئاسي مع مسؤولي المحافظات في إلزام المسؤولين بتوريد عوائد المحافظات إلى حسابات الحكومة في بنك عدن المركزي، حيث قدّموا حججاً ومبررات قالوا إنها تمنعهم من توريد العوائد، ومن ناحية أخرى فإن مثل هذه المستجدات من المتوقع أن تُبقي رئيس وزراء الحكومة “سالم بن بريك” في مقر إقامته بالرياض بعد أن كان يُتوقع أن يعود إلى عدن منذ أيام.
مرصد “بقش” حصل على معلومات تفيد بأن الاجتماع عن بُعد عبر تقنية “زوم” بين المجلس الرئاسي والمسؤولين الماليين والإداريين، ناقش ضرورة توحيد الموارد وتوريد العائدات إلى الحساب العام لبنك عدن المركزي، لكن لم يعلن أي محافظ أو مسؤول مشارك في الاجتماع موافقته على تنفيذ توجيهات المجلس، بل قدموا الذرائع حول احتياجات محافظاتهم وعجز ميزانياتها التشغيلية.
وأفاد البعض بأن محافظاتهم تحتاج إلى موازنات محلية ضخمة واحتياجات تتجاوز ما سيتم توريده من عوائد للحكومة.
وقال هؤلاء المحافظون والمسؤولون الماليون والإداريون إنهم يأملون أن تقوم حكومة عدن بتغطية ما تبقى من عجز لديهم مركزياً من المنح والدعم الخارجي.
ماذا يعني هذا الرفض؟
هذا الموقف الجماعي بالرفض العلني أو الضمني، ألقى بظلال ثقيلة على العلاقة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية، وكشف عن عمق الانقسام المالي والإداري في المناطق التابعة للحكومة، وهو ما يهدد بانهيار مساعي حكومة عدن لاستعادة السيطرة المالية على موارد الدولة، لا سيما في ظل الجمود السعودي في صرف جزء من المنحة الأخيرة (المعلَن عنها في 20 سبتمبر 2025) البالغة 1.3 مليار ريال سعودي.
ورغم محاولات متكررة من رئاسة الحكومة لتوحيد الإيرادات، فإن الاجتماع الأخير كشف حجم التحدي البنيوي في بنية الدولة، حيث يبدو أن السلطة المركزية لا تمتلك أدوات للضغط أو الحوافز الكافية لإلزام المحافظين بالانصياع.
المحلل الاقتصادي أحمد الحمادي، في حديث لـ”بقش”، قال إن رفض المحافظين تنفيذ قرارات المجلس يتجاوز كونه تمرداً إدارياً ويرقى إلى أن يكون مؤشراً على انهيار منظومة القرار المالي الموحد، وتحول الحكومة إلى سلطة رمزية أكثر منها تنفيذية.
ووفقاً للحمادي، فإن هذا الامتناع يشير إلى نقاط جوهرية منها فقدان الثقة المؤسسية، حيث بدا أن المسؤولين يدركون أن توريد الموارد إلى بنك عدن المركزي لا يعني بالضرورة عودتها على شكل مرتبات أو خدمات، خاصة مع تأخر صرف المنح الخارجية وصعوبة التزامات الحكومة تجاه النفقات الجارية.
كما يدل الامتناع على أن بعض المحافظين والمسؤولين لديهم تحالفات محلية وقوى ضغط داخلية، تجعلهم يفضلون الاحتفاظ بالإيرادات لضمان الاستقرار النسبي في محافظاتهم، بدلاً من إرسالها إلى المركز وانتظار وعود ربما لا تتحقق.
ويعبّر الحمادي عن “انفصام” بين الرؤية المركزية والواقع الميداني على الأرض، فبينما تتحدث الحكومة عن “توحيد الإيرادات”، يعيش المحافظون في واقع خدمات متدهورة، واحتياجات أمنية وإدارية عاجلة، دون دعم مالي فعلي.
ويتزامن هذا الانسداد الداخلي مع جمود سعودي في صرف جزء من المنحة الموعودة بـ1.3 مليار ريال سعودي، المخصصة لدعم الموازنة العامة ورواتب الموظفين وتمويل واردات المشتقات النفطية.
ويمثل التأخير السعودي رسالة ضغط على حكومة عدن، إما لتطبيق إصلاحات مالية حقيقية وضبط الإنفاق، أو كإجراء رقابي بعد ملاحظات سعودية متكررة حول ضعف الشفافية في إدارة المنح السابقة.
ومن جانبه يقول الصحفي ماجد الداعري، رئيس تحرير صحيفة مراقبون برس، إن ما قدّمه المحافظون والمسؤولون من حُجج يستدعي إصدار حزمة قرارات تغيير جماعية مقبلة من قِبل رئيس الحكومة لـ”كنس وتنظيف المؤسسات وتغيير بعض المحافظين والمسؤولين على المؤسسات الإيرادية لضمان إعادة توريد موارد الدولة إلى خزينتها العامة، وإلا فعلى الشرعية والمرتبات والخدمات السلام” على حد تعبير الداعري.
انهيار مالي وارتباك سياسي
في التوقعات، يعني استمرار رفض المحافظين توريد الإيرادات أن الحكومة ستواجه أزمة مالية خانقة خلال الأشهر القادمة، تتمثل في تفاقم عجز الموازنة العامة بسبب انقطاع الموارد الرئيسية وعلى رأسها النفط، وكذلك تعثر صرف المرتبات لموظفي الدولة، واهتزاز ثقة المانحين والداعمين الإقليميين في قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المشروطة والمتفق عليها.
وسياسياً، يُنظر إلى هذا الامتناع كمؤشر على ضعف سلطة المجلس الرئاسي بقيادة رشاد العليمي، والذي يشهد خلافات واسعة بين أعضائه.
وأمام هذا الواقع، تبدو خيارات الحكومة محدودة ومعقدة في آن واحد، فإما أن تلجأ الحكومة إلى تغيير عدد من المحافظين ومديري المؤسسات الإيرادية في محاولة لإعادة الانضباط المالي، وهو إجراء قد يثير توترات سياسية جديدة إذا لم يكن مدعوماً بإجماع داخلي ودعم خارجي.
وإما أن تتجه الحكومة وفق قراءة بقش إلى تسوية مالية مرحلية مع المحافظات، تسمح لها بالاحتفاظ بجزء من الإيرادات مقابل توريد النسبة الكبرى، كحل مؤقت لتقليل التوتر.
وتحتاج حكومة عدن إلى تحرك عاجل لإعادة تفعيل المنح المالية المتوقفة من الخارج وربطها بآلية شفافة لتوزيع الموارد، بحيث تُمنح المحافظات ضمانات تمويل حقيقية مقابل التوريد، وهو ما سيُقرأ أيضاً بأنه يأتي في سياق تنازل القيادة والحكومة للمسؤولين في المحافظات، بدلاً من أن يحدث العكس.
وفي حال استمر هذا الرفض، فقد يصدر المجلس الرئاسي قرارات مُلزمة قانونياً، إلا أن تطبيقها على الأرض سيصطدم بضعف الأجهزة التنفيذية المركزية، مثل قرارات سبق واتخذها العليمي ويتتبَّعها “بقش” منذ العام الماضي 2024 حتى اليوم، من بينها قرار إلزام كافة مسؤولي الحكومة في الخارج -بشكل متكرر- بالعودة إلى الداخل اليمني وأداء مهامهم من الوطن، إلا أن ذلك لم يتحقق.
ويعكس رفض السلطات المحلية توريد إيراداتها إلى خزينة الدولة، أن محاولات الإصلاح قد تظل حبيسة “التصريحات” دون تطبيق فعلي كلي، وهو ما يتطلب إعادة بناء العلاقة بين المركز والأطراف على أسس قانونية ومؤسسية واضحة، تضمن توزيع الموارد بعدالة والمساءلة الشفافة، ما لم فإن الحكومة تدور في حلقة مفرغة من الأزمات المتكررة، حيث تتنازعها الولاءات المحلية، ويقيدها الدعم الخارجي، وتنهكها الحسابات السياسية الضيقة.


