الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

شطب آلاف الوكالات والعلامات التجارية: قرار اقتصادي أم سلاح في الحرب؟

الاقتصاد اليمني | بقش

أعلنت وزارة الصناعة والتجارة في حكومة عدن عن شطب وإلغاء ما مجموعه 8,781 وكالة وعلامة تجارية دفعة واحدة، في خطوة وُصفت بأنها الأوسع منذ أكثر من عشر سنوات. ووفق بيان الوزارة، فقد شمل القرار إلغاء 508 علامات تجارية لعدم استكمال الإجراءات القانونية، إلى جانب شطب 1,902 علامة أخرى بسبب عدم تجديدها، إضافة إلى إلغاء 6,371 وكالة تجارية لعدم تجديدها لدى ديوان الوزارة.

وأكدت الوزارة حسب اطلاع مرصد بقش أنها ستواصل شطب أي وكالة أو سجل تجاري لم يتم تجديده أو استكمال إجراءاته، معتبرة أن هذه الخطوات تأتي في إطار ما وصفته بـ”الإصلاحات والتعافي الاقتصادي”، إلى جانب تعزيز الإيرادات المركزية، وأضافت أن بعض التجار اكتفوا بتجديد وكالاتهم في صنعاء دون استكمالها في عدن، الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ هذه الإجراءات.

الوزارة ربطت القرار بحملة أوسع لتفعيل الرقابة على الأسواق، مشيرة إلى أن جميع مكاتبها في المحافظات باشرت تكثيف الحملات الميدانية بهدف ضبط المخالفات التجارية، والتأكد من التزام الشركات بالتسعيرة الرسمية.

كما أكدت أن القرار يأتي في سياق خطة أشمل لدعم العملة الوطنية وتحقيق استقرار اقتصادي في المناطق الخاضعة لإدارتها.

خبير اقتصادي: ما حصل استهداف مباشر للأسواق

الخبير الاقتصادي رشيد الحداد رأى أن الخطوة تتجاوز كونها إجراءً تنظيمياً، وأوضح في تعليقه حول الموضوع أن شطب 6,371 وكالة تجارية عاملة في صنعاء يكشف عن استهداف واضح للقطاع الخاص في العاصمة والمناطق الخاضعة لسلطة صنعاء، معتبراً أن القرار يمثل تصعيداً اقتصادياً جديداً ضد التجار والشركات في تلك المناطق.

وقال الحداد إن هذه هي المرة الأولى منذ عشر سنوات التي تُتخذ فيها إجراءات بهذا الحجم، وإنها جاءت بعد تهديدات سابقة من حكومة عدن بفرض عقوبات على الشركات التي ترفض نقل مراكزها إلى المحافظات الخاضعة لسيطرتها.

وأشار إلى أن الحديث عن “عقوبات دولية” يعني عملياً طلب حكومة عدن من وزارة الخزانة الأمريكية إدراج تجار وشركات يمنية عاملة في صنعاء ضمن قوائم العقوبات، وهو ما يمثل – بحسب وصفه – خطوة خطيرة.

انعكاسات محتملة على الاقتصاد والمجتمع

الحداد اعتبر أن هذه الإجراءات تأتي في إطار سياسة “الترهيب الاقتصادي” الموجهة نحو القطاع الخاص، والتي بدأت حكومة عدن في اتباعها منذ أسابيع، مشيراً وفق متابعة بقش إلى أن الخطة تحمل بصمات أمريكية تهدف إلى تشديد الحصار على ملايين السكان في مناطق سيطرة صنعاء، التي تُعد الأكثر كثافة سكانية في اليمن، وأضاف أن الاستقواء بقرارات أمريكية في صراع داخلي يُعد “عمالة وخيانة وطنية كبرى”، وأن إيذاء القطاع الخاص لا يمكن فصله عن إيذاء الشعب بأكمله.

تداعيات القرار مرشحة للاتساع. فإلغاء آلاف الوكالات والعلامات التجارية يهدد البيئة الاستثمارية ويضعف ثقة الشركات المحلية والخارجية في السوق اليمنية، التي أصبحت مسرحاً للتجاذبات السياسية.

كما يعمّق القرار الانقسام الاقتصادي بين صنعاء وعدن، في وقت يعاني فيه التجار بالفعل من صعوبات في التحويلات والانقسام النقدي بين عملتين وسعرين مختلفين للدولار.

من جهة أخرى، فإن تعطيل هذا العدد الكبير من الوكالات قد ينعكس مباشرة على الأسواق من خلال نقص في بعض السلع الأساسية وارتفاع أسعارها، ما يزيد من الضغوط على المستهلك اليمني الذي يواجه أصلاً تراجعاً في قدرته الشرائية.

الاقتصاد كساحة حرب

منذ نقل البنك المركزي إلى عدن عام 2016، تحوّل الاقتصاد اليمني إلى ساحة موازية للصراع السياسي والعسكري. فحظر الطبعات النقدية الجديدة في صنعاء، والانقسام المصرفي، والقيود على التحويلات، وأخيراً شطب آلاف الوكالات، كلها خطوات عمّقت الشرخ بين المؤسستين النقديتين.

وبينما تؤكد حكومة عدن أن قراراتها تستهدف تعزيز الإيرادات والشفافية، يرى خبراء أن هذه السياسات في الواقع تضعف القطاع الخاص وتزيد عزلة الاقتصاد اليمني عن الأسواق الإقليمية والدولية، ما يفاقم الأزمات المعيشية للمواطنين، ويترك البلاد أمام مستقبل اقتصادي غامض.

تشير بيانات موثوقة إلى أن القطاع الخاص – وخاصة الشركات الصغيرة جداً – يُشكل الضلع الرئيسي من منظومة التوظيف في اليمن؛ حيث يوفر العمل لأكثر من 70% من القاطنين، ويبلغ متوسط عدد المؤسسات ذات التوظيف المحدود نحو 97% من إجمالي القطاع الخاص، حسب قراءة بقش لدراسة سابقة لمركز صنعاء للدراسات.

في مثل هذه الظروف، يأتي شطب آلاف الوكالات التجارية ضربة ملموسة لقاعدة اقتصادية تعتمد عليها الأسر في تأمين لقمة العيش.

حسب بيانات التجارة الخارجية، تستورد اليمن أكثر من 75% من القمح وحده، فيما يشكل قطاع النفط حوالي 30–40% من الناتج المحلي الإجمالي و70% من إيرادات الدولة، كما يمثل أكثر من 90% من صادرات البلاد.

بالتالي، تعطّل الآليات الرسمية للتجارة – مثل الوكالات التجارية المسجلة – يؤدي إلى مزيد من تعقيد وصول السلعة إلى السوق وسُحبًا من الموارد الحيوية التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني.

منظومة التجارة اليمنية معتمدة إلى حد كبير على عدد محدود من الشركاء وموارد محددة؛ بحسب بيانات البنك الدولي، يمثل حجم التجارة – أي مجموع الواردات والصادرات – نحو 24.5% من الناتج المحلي الإجمالي وفق تتبُّع بقش، وهذا يعني أن تعطيل أي قناة تجارية سيسبب ارتدادات مباشرة على التوازن التجاري وأداء الاقتصاد الكلي.

هذه الأرقام توضّح حجم الضرر بشكل ملموس: ففي بلد يعتمد القطاع الخاص بعمق، ويستورد احتياجاته الأساسية، فإن شطب آلاف الوكالات يعني تعطيل شبكات التوريد، تهديد استمرار الخدمات، وتأزيم حياة الناس بالفعل.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش