
تقارير | بقش
يبدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زيارة رسمية إلى واشنطن، اليوم الثلاثاء، للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، وستشهد الزيارة اجتماعاً في المكتب البيضاوي، وحفل عشاء موسعاً يضم قيادات شركات التكنولوجيا، أما اليوم الثاني من الزيارة فستبدأ أعمال منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي وفق متابعة مرصد “بقش”، بمشاركة نحو 400 من الرؤساء التنفيذيين لكبريات الشركات الأمريكية والسعودية.
وهذه الزيارة هي الأولى لولي العهد السعودي منذ مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي عام 2018، وما تبعه من توتر دولي واسع. وتكتسب هذه الزيارة أبعاداً سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة، لما تتضمنه من ملفات استراتيجية، وصفقات ضخمة، ومنتديات استثمارية غير مسبوقة.
وأعلن الديوان الملكي السعودي أن ولي العهد غادر إلى الولايات المتحدة في زيارة عمل رسمية بدعوة من ترامب، حيث سيبحث الجانبان تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون في مختلف القطاعات.
وتمثّل الزيارة رسالة سياسية بأن واشنطن والرياض تعيدان ترتيب علاقاتهما الاستراتيجية، وأن الولايات المتحدة مستعدة لتعميق الروابط من جديد مع الرياض رغم الملفات الحساسة التي خيمت على العلاقة لسنوات، وفي مقدمتها ملف خاشقجي.
محور الدفاع.. صفقة F-35 تطفو على السطح
قبل استقبال ولي العهد، أعلن ترامب أنه يعتزم الموافقة على بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى السعودية، في خطوة تنهي سنوات من الجدل كان يمنع خلالها الكونغرس أي صفقة من هذا النوع.
قال ترامب حسب اطلاع بقش: “سنقوم بذلك.. سنبيع F-35. السعودية حليف عظيم”. ويميل ترامب بقوة لدعم هذه الصفقة، في وقت تعتبر فيه الرياض تحديث قدراتها الدفاعية أولوية قصوى وسط التوترات الإقليمية.
ووفق متابعات بقش، فإن صفقة F-35 تدخل ضمن سياق أوسع يتعلق بتحديث المنظومة العسكرية السعودية، وتعزيز التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة، بما يشمل الاتفاقيات الأمنية وتطوير الصناعات العسكرية المشتركة.
الاقتصاد في قلب الزيارة
تُجمع الأوساط الاقتصادية على أن زيارة ولي العهد لا تتوقف عند تعزيز العلاقات السياسية، بل تمثل محطة لزيادة الاستثمارات بين البلدين، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والطاقة والذكاء الاصطناعي وسلاسل توريد المعادن والطاقة المتجددة، حسب اطلاع بقش على تقرير لوكالة بلومبيرغ.
ومن المنتظر أن تسفر الزيارة عن قفزة في الشراكة الاقتصادية من خلال مجموعة ضخمة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم.
ويُعقد منتدى الأعمال والاستثمار السعودي الأمريكي يوم غد الأربعاء في مركز جون إف كينيدي للفنون الأدائية، بتنظيم من وزارة الاستثمار السعودية ومجلس الأعمال الأمريكي السعودي، تحت عنوان: “القيادة من أجل النمو: تعزيز الشراكة الاقتصادية السعودية الأمريكية”.
وسيشارك في المنتدى نحو 400 رئيس تنفيذي من أكبر الشركات الأميركية والسعودية، في حدث يُعتبر الأكبر من نوعه في تاريخ العلاقة الاقتصادية بين البلدين. وأبرز الحضور من كبريات الشركات العالمية، ووفق مصادر رويترز سيضم المنتدى رؤساء ومسؤولين تنفيذيين من شركات “شيفرون”، “كوالكوم”، “سيسكو”، “جنرال ديناميكس”، “فايزر”، “غوغل”، “سيلزفورس”، “أدوبي”، “أرامكو” وغيرها.
ويتضمن المنتدى جلسات نقاش حول الذكاء الاصطناعي، الطاقة، التكنولوجيا، الفضاء، الرعاية الصحية والتمويل، وتهدف الجلسات إلى فتح آفاق جديدة أمام الشركات الأمريكية، وربطها بالتحولات في السعودية.
وتركّز السعودية على بناء اقتصاد قائم على المعرفة، في محاولة لتقليل الاعتماد على النفط، ومن هنا تعد شركات مثل جوجل وIBM وسيلزفورس شريكاً رئيسياً في تطوير البنية الرقمية السعودية، خصوصاً في الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات.
كما تعمل السعودية على لعب دور رئيسي في سوق المعادن الاستراتيجية، وتسعى لتعميق شراكتها مع الشركات الأمريكية لتعزيز هذه السلاسل وجذب التكنولوجيا اللازمة للتعدين.
وبينما تبقى الطاقة النفطية محركاً أساسياً، تركز الرياض على الطاقة الشمسية، والهيدروجين، والتقنيات النظيفة، وتعتمد على الشركات الأمريكية لتسريع نقل التكنولوجيا والتمويل.
وبعد إعلان استثمارات بمليارات الدولارات بين البلدين في مايو الماضي خلال جولة ترامب في الشرق الأوسط، تأتي الزيارة الحالية لزيادة تلك التدفقات واستقطاب الاستثمارات إلى مشاريع نيوم والممرات اللوجستية والصناعات العسكرية والسياحة والترفيه.
وتحاول المملكة، عبر المنتدى واللقاءات الرفيعة، تعزيز الصورة الاقتصادية لديها، وإظهار أنها شريك اقتصادي ضخم للشركات الأمريكية العملاقة، ومركز رئيسي للنمو في الشرق الأوسط.
وكون هذه الزيارة الأولى منذ مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي عام 2018، يجعلها ذات قيمة سياسية، إذ تسعى الرياض لإعادة صياغة علاقتها مع واشنطن على أساس جديد يتمحور حول المصالح المشتركة، بينما يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية مستعدة لاستئناف الشراكة الاستراتيجية دون التوقف عند مرحلة التوتر السابقة.
هذا وتمثل زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة واحدة من أهم المحطات في العلاقات الثنائية منذ سنوات، وتؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي والتكنولوجي والاقتصادي، وتتجاوز الزيارة الطابع البروتوكولي لتتحول إلى منصة ضخمة لإطلاق أكبر موجة من الاستثمارات والصفقات بين البلدين منذ عقود.


