تقارير
أخر الأخبار

صفقة سرّية تنعش صناعة السلاح الإسرائيلية وسط مقاطعة أوروبية متزايدة

تقارير | بقش

في ظل تراجع غير مسبوق في صادرات السلاح الإسرائيلية خلال العامين الماضيين، كشفت مصادر إسرائيلية عن توقيع أكبر صفقة عسكرية في تاريخ شركة “بيت شيمش إنجينز”، بقيمة 1.2 مليار دولار، مع جهة لم يُفصح عن هويتها، وُصفت بأنها “عميل استراتيجي عالمي”.

هذه الصفقة تأتي بعد سلسلة إلغاءات أوروبية لمشاريع تسليح إسرائيلية بسبب حرب الإبادة في غزة، ما كبّد القطاع الدفاعي الإسرائيلي خسائر بمليارات الدولارات وهدد سلاسل الإنتاج والتوريد لعقود قادمة.

وأعلنت شركة “بيت شيمش إنجينز” يوم 05 أكتوبر عن توقيع عقد توريد طويل الأجل مع شركة تصنيع محركات عالمية كبرى، يمتد 15 عاماً مع إمكانية التمديد خمس سنوات إضافية وفق متابعة بقش، لترتفع قيمته الإجمالية إلى 1.6 مليار دولار. وتشمل الصفقة توريد أجزاء لمحركات طائرات ضمن برنامجين دوليين، ما يمثل توسعة لاتفاقية سابقة وُقعت عام 2019.

ورغم السرية الرسمية، رجّحت مصادر اقتصادية كندية أن يكون الطرف المقابل شركة “برات آند ويتني كندا”، التابعة لمجموعة “رايثيون تكنولوجيز” الأمريكية، والتي سبق أن وقعت مع “بيت شيمش” اتفاقاً بقيمة 800 مليون دولار عام 2019 لتوريد أجزاء محركات حتى 2039.

هذه الصفقة الجديدة ترفع حجم الاتفاقيات الإطارية للشركة بنسبة 50% من 2.1 إلى 3.3 مليارات دولار، وتُعيد ضخ سيولة أساسية في قطاع بدأ يعاني من ركود واضح.

تمثل “بيت شيمش” إحدى أبرز شركات المحركات الجوية في إسرائيل، وتقدر قيمتها السوقية بنحو 6.2 مليارات شيكل (1.84 مليار دولار). وقد سجلت إيرادات قياسية في الربع الثاني من 2025 بلغت 77 مليون دولار، بزيادة 24% عن العام السابق، ما يجعل الصفقة الجديدة بمثابة “رافعة مالية” في لحظة حاسمة.

عزلة أوروبية متزايدة وخسائر فادحة

تأتي هذه الصفقة في سياق تراجع حاد في مبيعات السلاح الإسرائيلي، إذ أوقفت دول أوروبية عدة، وعلى رأسها إسبانيا، عقود تسليح بقيمة تفوق 1.2 مليار دولار خلال العامين الماضيين، احتجاجاً على جرائم الحرب في غزة.

كما علّقت محاكم أوروبية تراخيص تصدير السلاح، فيما أطلقت منظمات مدنية حملات ضغط واسعة أجبرت حكومات على إعادة النظر في علاقاتها الدفاعية مع تل أبيب.

تُعد أوروبا السوق الرئيسية للصناعات الحربية الإسرائيلية، إذ استحوذت على نصف قيمة الصادرات في عام 2024، قبل أن تبدأ موجة المقاطعة. ووفق مراجعة بقش لبيانات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، أدت الحرب على غزة إلى تعليق أو إلغاء عقود تصدير رئيسية، ما أحدث فجوة في التدفقات المالية للصناعات العسكرية الإسرائيلية، التي تحقق عادة مبيعات سنوية بقيمة 14–15 مليار دولار.

الضغوط الشعبية والسياسية في أوروبا كانت عاملاً حاسماً؛ فقد أبلغت وزارات دفاع أوروبية مسؤولي الشركات الإسرائيلية أن تجميد الصفقات جاء استجابة للرأي العام، ومحاولة لتجنب احتجاجات داخلية متصاعدة، خاصة مع اتساع نطاق التنديد بحرب الإبادة الإسرائيلية.

قطاع دفاعي يترنح.. وصفقة “إنقاذ” مؤقتة

تسببت المقاطعة الأوروبية في أزمة سيولة خانقة لعدد من الشركات الإسرائيلية، التي بدأت بتقليص الإنتاج أو إغلاق خطوط تصنيع جزئية. مسؤولون في شركات السلاح الإسرائيلية حذّروا من أن استمرار الوضع الحالي حتى 2026 سيؤدي إلى انخفاض صادرات الدفاع بشكل واضح، مع احتمال تلقي “ضربة موجعة” في 2027 نتيجة فقدان عقود طويلة الأمد.

تاريخياً، مثلت الصناعات العسكرية أحد أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي، حيث شكّلت صادرات السلاح نحو 2.4% من إجمالي تجارة السلاح العالمية خلال 2019–2023، ما وضع إسرائيل ضمن أكبر عشرة مصدرين عالمياً. لكن اندلاع حرب غزة وما تلاها من عزلة سياسية واقتصادية وضع هذه المكانة موضع تهديد مباشر.

في هذا السياق، تُعد صفقة “بيت شيمش” بمثابة “طوق نجاة” مؤقت، إذ تمنح الصناعة الدفاعية الإسرائيلية دفعة مالية وتفتح نافذة جديدة للتعاون مع شركات عالمية خارج الإطار الحكومي، لكنها لا تعوّض حجم السوق الأوروبية المفقودة، ولا تغيّر الاتجاه العام المتمثل في تراجع الطلب الدولي على الأسلحة الإسرائيلية بفعل العزلة السياسية والضغوط القانونية.

بين صفقة الإنقاذ والاختناق البنيوي

رغم ضخامة الصفقة الجديدة، فإنها لا تمثل بالضرورة تحولاً هيكلياً في وضع الصناعات الحربية الإسرائيلية. فالقطاع يواجه اليوم معضلة مزدوجة: تراجع أسواقه التقليدية في أوروبا بفعل الاعتبارات السياسية والقانونية، واعتماده الكبير على عقود حكومية طويلة الأمد يصعب تعويضها عبر شراكات صناعية محدودة.

كما أن استمرار العدوان على غزة دون تسوية سياسية يضع الشركات الإسرائيلية أمام خطر تصاعد عزلة أشمل، قد تشمل قطاعات غير دفاعية، خاصة في ظل تنامي الدعوات الأوروبية لفرض قيود قانونية على التعامل مع شركات ترتبط بانتهاكات حقوق الإنسان.

بعبارة أخرى، الصفقة الحالية توفر “مسكّناً مؤقتاً” لأزمة مالية، لكنها لا تُعالج التآكل المتسارع في شبكة العلاقات التجارية والعسكرية لإسرائيل، ولا توقف النزيف الاستراتيجي الذي أصاب أحد أعمدة اقتصادها.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش