
الاقتصاد اليمني | بقش
رسم “البنك الدولي” صورة قاتمة للآفاق الاقتصادية في اليمن لعام 2025، نتيجة توقف تصدير النفط ومحدودية احتياطات النقد الأجنبي لدى حكومة عدن وتراجع الدعم من المانحين. وقال البنك في تقرير “المرصد الاقتصادي لليمن” الذي اطلع عليه بقش إن الاقتصاد اليمني واجه ضغوطاً هائلة خلال النصف الأول من عام 2025، بسبب هذه العوامل.
ويتوقع التقرير انخفاض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 1.5%، ما يعزز المخاوف من تفاقم أزمة الأمن الغذائي في جميع أنحاء اليمن.
وفي مناطق حكومة عدن، يعاني المواطنون من صعوبات معيشية حادة، مع ارتفاع سعر سلة الغذاء الأساسية بنسبة 26% بحلول يونيو مقارنة بالعام الماضي، نتيجة انخفاض حاد في قيمة الريال اليمني، الذي بلغ أدنى مستوياته على الإطلاق في يوليو عند 2905 ريالات للدولار.
ومع إجراءات لدعم العملة، عاد سعر الصرف إلى مستوى 1676 ريالاً للدولار في أغسطس، وفي الوقت نفسه تراجعت إيرادات الحكومة بنسبة 30% مقارنة بالفترة نفسها من 2024، ما أدى إلى خفض الإنفاق العام وتعطيل الخدمات وتأخير دفع الرواتب للموظفين الحكوميين.
أما في مناطق حكومة صنعاء، فقد أدت الضربات الجوية (الأمريكية والإسرائيلية) على الموانئ الاستراتيجية إلى تفاقم أزمة نقص السيولة، وتقييد واردات السلع الأساسية. كما يواجه القطاع المالي تحديات متزايدة مع انتقال البنوك من صنعاء إلى عدن لتجنب العقوبات والقيود التنظيمية.
وحسب اطلاع بقش على التقرير، يتوقع البنك استمرار انخفاض المساعدات الدولية، حيث لم يتم حتى سبتمبر 2025 تدبير سوى 19% من المبلغ المطلوب في خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لليمن والبالغ 2.5 مليار دولار، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من عقد.
وبسبب محدودية الدعم المقدم من المانحين، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتراجع فرص العمل ومعدلات التشغيل، تواجه أكثر من 60% من الأسر في مناطق حكومتي صنعاء وعدن أزمة في تأمين احتياجاتها الغذائية، ما يدفع العديد منها إلى اللجوء لآليات تكيف سلبية مثل التسول، وفقاً للبنك.
آفاق شديدة القتامة
دينا أبو غيدا، مديرة مكتب البنك الدولي في اليمن، قالت إن تحقيق الاستقرار الاقتصادي في اليمن يعتمد على تعزيز الأنظمة التي تضمن استمرار الخدمات وحماية سبل العيش.
وتابعت: “استعادة الثقة يستلزم وجود مؤسسات فعالة، وتمويلاً مستقراً يمكن التنبؤ به، إضافة إلى إحراز تقدم نحو تحقيق السلام من أجل السماح باستئناف النشاط الاقتصادي وترسيخ أسس التعافي”.
ويتوقع التقرير أن تكون الآفاق الاقتصادية لعام 2025 شديدة القتامة، بسبب “استمرار الحصار المفروض على صادرات النفط، ومحدودية احتياطيات النقد الأجنبي، وتراجع الدعم من المانحين”، معتبراً أن ذلك يعيق قدرة حكومة عدن على تقديم الخدمات الأساسية وتمويل الواردات الحيوية.
تأخر الرواتب وتأثيره المباشر على المواطنين
في عدن والمناطق الجنوبية والشرقية، يواجه آلاف الموظفين الحكوميين تدهوراً مستمراً في مستوى معيشتهم بسبب عدم صرف الرواتب لعدة أشهر. وحسب تقرير طالعه بقش من وكالة رويترز، أفاد مسؤولان في بنك عدن المركزي بأن الحكومة تواجه “أسوأ أزمة مالية وتمويلية منذ بدء الحرب في 2015″، نتيجة توقف الدعم والمنح الخارجية وتأخر الدعم الخليجي.
ومع تلقي الحكومة 90 مليون دولار من أصل 368 مليون دولار دعم سعودي، تم صرف جزء من الرواتب المتأخرة، كما ساهم هذا الدعم في تعويض النقص الكبير في الإيرادات.
المستشار الاقتصادي في مكتب رئاسة الجمهورية فارس النجار قال إن “تأخر صرف الرواتب ناتج عن هبوط حاد في الإيرادات العامة عقب توقف صادرات النفط منذ أكتوبر 2022، ما تسبب في أزمة سيولة خانقة داخل المالية العامة”، مشيراً إلى أن فاتورة الأجور والمرتبات تبلغ نحو 83 مليار ريال شهرياً، فيما غطت المنحة السعودية 60 إلى 70% من النفقات العامة لعام 2024.
خطة الإصلاح والضغوط الدولية
في مواجهة هذا الواقع، أقر المجلس الرئاسي خطة أولويات للإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية تهدف إلى ضبط الموارد العامة وتوحيدها تحت إشراف الحكومة المركزية وبنك عدن المركزي، مع شروط المجموعة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات) لاستئناف الدعم المالي والمساعدات لليمن.
وحذرت الرباعية من فرض عقوبات على أي معرقل للبرنامج وفق رويترز، خصوصاً المحافظين الذين يتقاعسون عن توريد الإيرادات. كما أشار صندوق النقد الدولي إلى التبعات الخطيرة لاحتجاز المحافظات للإيرادات الضريبية والجمركية، وهو ما ساهم في تضخم حجم الإيرادات “تحت التسوية” خلال 2023 و2024، وتأثيره السلبي على الخدمات العامة.
الأزمة الاقتصادية المتفاقمة انعكست مباشرةً على حياة المواطنين، حيث يضطر الكثيرون للاقتراض لتغطية نفقات المعيشة، في ظل نقص حاد في مستلزمات الحياة الأساسية، وارتفاع أسعار الغذاء والوقود والدواء. وقال موظفون ونازحون في عدن ولحج وأبين لرويترز إن توقف صرف الرواتب أثّر على قدرتهم الشرائية وهدد استقرارهم المعيشي والنفسي والاجتماعي.
إجراءات ضرورية
رغم ضخامة التحديات الاقتصادية، رأى البنك الدولي أن من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، تشمل تحسين إدارة المالية العامة، وزيادة تحصيل الإيرادات، وحماية الخدمات الأساسية، خصوصاً في قطاع الكهرباء، والحفاظ على استقرار العملة وحماية القطاع المصرفي من خلال الإصلاحات المرحلية المدرجة ضمن “خطة التنمية الاقتصادية والأولويات الملحة”.
ومع ذلك، يبقى مستقبل التعافي الاقتصادي غامضاً ومعقداً ما لم يحدث تقدم ملموس نحو إحلال السلام، إذ إن استمرار الحصار على النفط ومحدودية الاحتياطيات النقدية وتراجع دعم المانحين يشكل عائقاً رئيسياً أمام قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية وتمويل الواردات الحيوية.
وما زالت المخاطر التي تخيّم على الآفاق الاقتصادية لليمن كبيرة، حسب تأكيد البنك الدولي، وسط غياب تقدّم حقيقي نحو إحلال السلام، بينما يبقى مستقبل التعافي غامضاً ومعقداً، ومع ذلك، فإن نجاح أجندة الإصلاح يمكن أن يساهم في إنعاش عجلة الاقتصاد، وإرساء أساس متين لتحقيق نمو مستدام.


