
تقارير | بقش
في مشهد يعكس عمق المأساة المستمرة التي يعيشها آلاف الطلاب اليمنيين في الخارج، نظم المبتعثون في جمهورية مصر العربية صباح اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025 وقفة احتجاجية جديدة أمام مبنى السفارة اليمنية بالقاهرة، للمطالبة بصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة منذ أكثر من عام ونصف، وسط تجاهل حكومي متواصل، وضغوط معيشية خانقة تهدد مستقبلهم الدراسي وحياتهم على حد سواء.
الوقفة التي دعا إليها ملتقى طلاب اليمن في مصر جاءت تحت شعار “صوت الطالب اليمني في مصر” وفق بيان الوقفة الذي حصل بقش على نسخة منه، ورفع المحتجون لافتات تعبّر عن استيائهم من تأخر صرف ستة أرباع مالية متراكمة منذ الربع الثالث لعام 2024 وحتى الربع الرابع لعام 2025، إضافةً إلى الرسوم الدراسية وبدل الكتب وتذاكر السفر للخريجين وأسرهم، وهي حقوق قانونية تكفلها لوائح الابتعاث المعتمدة لدى وزارة التعليم العالي.
مطالب واضحة.. ووعود مؤجلة
جاء في البيان الصادر عن الطلبة أن وزير التعليم العالي كان قد وعد في يونيو الماضي بـ”سدّ الفجوة المالية بحلول منتصف عام 2026″، إلا أن الأشهر تمر دون أي خطوات عملية تُذكر، فيما الفجوة تتسع والإجراءات لم تنفذ بالشكل والسرعة المطلوبين حسب قراءة بقش للبيان.
وأكد الطلبة تمسكهم بوعد الوزير، لكنهم شددوا على أن الصبر بدأ ينفد، وأن استمرار المماطلة والبطء يهددان حاضرهم ومستقبلهم الدراسي والمعيشي على حد سواء.
ووجّه البيان مطالب محددة إلى رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي، ورئيس حكومة عدن ووزيري المالية والتعليم العالي، وأبرزها صرف المستحقات المتأخرة (ستة أرباع كاملة) بشكل عاجل ومنتظم، وإعادة مستحقات الطلبة الذين تم إسقاط أسمائهم بصورة غير قانونية، وتفعيل آلية صرف الأرباع أولاً بأول مع تعزيز المخصصات وتحويلها في مواعيدها المحددة.
كما طالب الطلاب السفير اليمني والملحق الثقافي بالقاهرة بتفعيل البروتوكول الثقافي الموقّع بين مصر واليمن، والذي تُرك مجمّداً دون مبرر، والتنسيق مع الجانب المصري لإعفاء الطلبة وعائلاتهم من رسوم الإقامة، ومعالجة مشكلة تأخر التحاق أبناء الجالية بالمدارس المصرية.
أزمة تمتد إلى كل دول الابتعاث
معاناة طلاب اليمن في مصر ليست إلا جزءاً من أزمة أكبر تضرب كل دول الابتعاث تقريباً، فطلاب اليمن في العديد من الدول مثل الهند، وماليزيا، والأردن، والسودان، والمغرب، وروسيا، وتركيا، وأوروبا يواجهون نفس المصير وفق متابعات بقش لهذا الملف، إذ لا تزال المستحقات متوقفة، والجامعات تضغط من أجل الدفع، ومُلاك السكن يطالبون بإيجاراتهم ويرفعونها، والسفارات تلتزم الصمت، والحكومة غائبة عن المشهد.
وفي بعض الدول، اضطر الطلاب لترك الدراسة والعودة، أو العمل في مهن هامشية لتأمين لقمة العيش حسب تقارير بقش، بينما يعيش آخرون تحت رحمة الديون أو المساعدات من زملائهم أو الجاليات اليمنية.
ويقدَّر عدد الطلاب المبتعثين رسمياً في الخارج بأكثر من 9,300 طالب وطالبة، يعانون من الإهمال الحكومي الذي يدفع بهم نحو خيبة الأمل كل ثلاثة أشهر.
الحكومة تصرف إعاشات بالدولار وتنسى طلابها
المفارقة الموجعة أن حكومة عدن تتحدث عن عدم التمكن من الصرف بسبب شح الموارد في الوقت الذي تستمر فيه بصرف رواتب وإعاشات مسؤوليها وناشطيها في الخارج بالدولار الأمريكي شهرياً.
فوفقاً للكشوفات التي تم تسريبها خلال شهر أغسطس الماضي، تُصرف إعاشات شهرية بالدولار لمسؤولين وإعلاميين وناشطين تابعين للحكومة في عواصم عربية وغربية، بمتوسط كلفة إجمالية تبلغ نحو 12 مليون دولار شهرياً حسب اطلاع بقش على هذه الوثائق.
ويرى مراقبون أن هذه المبالغ، التي تُستنزف من الميزانية العامة، كانت كفيلة لو أُعيد توجيهها بتغطية الكثير من المستحقات بما فيها مستحقات الطلاب اليمنيين المبتعثين في دول الابتعاث لعدة أرباع متتالية، وإنقاذ آلاف الشباب من الضياع.
وبينما يعيش المسؤولون في فنادق القاهرة والرياض وعمان على حساب المال العام، يشكو الطلاب اليمنيون المبتعثون من تركهم بمفردهم لمصير الجوع والديون والتهديد بالطرد من الجامعات أو السكن.
فتأخر المستحقات بالنسبة للطلاب يعني انقطاعاً فعلياً في المسار التعليمي، إذ إن العديد من الجامعات في مصر ودول أخرى علّقت تسجيل الطلاب اليمنيين بسبب تراكم الرسوم، وبعضها حجب النتائج أو أوقف الخدمات الأكاديمية.
في غضون ذلك يؤكد الطلاب على استمرار احتجاجاتهم واعتصاماتهم السلمية حتى تتحقق مطالبهم كاملة، موجّهين نسخاً من بيانهم إلى مكتب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والسفير والملحق الثقافي.
وتعبّر أزمة المبتعثين اليمنيين عن أبرز مظاهر الخلل البنيوي في إدارة المال العام لدى حكومة عدن والتمييز داخل مؤسسات الدولة، فبينما يفترض أن يكون الطالب الموفد استثماراً وطنياً طويل الأمد، تتعامل معه الحكومة كعبء مالي مؤجل، وهو تناقض يطرح سؤالاً جوهرياً: كيف يمكن للدولة أن تبني مستقبلاً وهي تهمل أبناءها الأقدر على بنائه؟


