طموحات الموانئ السعودية على البحر الأحمر تحت الضغط: تحوّلات جيوسياسية وتعقيدات في سلاسل الإمداد

الاقتصاد العربي | بقش
تواجه مشاريع الموانئ السعودية على البحر الأحمر تحديات متزايدة في ظل التصعيد العسكري البحري في المنطقة، حيث تسببت هجمات قوات صنعاء المساندة لغزة في إرباك حركة الشحن الدولي وتراجع الأداء اللوجستي للموانئ السعودية، لا سيما ميناء الملك عبد الله، الذي يُعد أحد ركائز رؤية المملكة 2030.
هذا ما أبرزه تقرير حديث لموقع ميدل إيست آي البريطاني، المعروف بخلفيته التحريرية ذات التمويل القطري، والذي غالباً ما يركّز على الزوايا الإشكالية في المشهد الخليجي من منظور لا يخلو من الاصطفاف.
وبحسب بيانات نقلها الموقع عن “Marine Traffic”، انخفض عدد زيارات سفن الحاويات لميناء الملك عبد الله من 188 في عام 2023 إلى 59 فقط في 2024، أي بتراجع يقارب 70%.
ويعزى هذا الانخفاض بشكل رئيس إلى انسحاب خطوط الشحن الدولية من البحر الأحمر خشية استهدافها، بعد إعلان صنعاء فرض حصار بحري على “الكيان الإسرائيلي” رداً على حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة، والتي تقول صنعاء إن عملياتها البحرية تأتي في إطار المساندة العسكرية والإنسانية لوقفها.
تحوّل في خارطة الشحن: الدمام بديلاً
لم يكن ميناء جدة بمنأى عن التراجع، إذ سجل انخفاضاً بنحو 14% في حركة السفن خلال الفترة نفسها، وإن بقي أداؤه أفضل بسبب طبيعته كبوابة رئيسية للواردات إلى النصف الغربي من المملكة. في المقابل، شهد ميناء الملك عبد العزيز في الدمام على الساحل الشرقي انتعاشاً نسبياً، إذ تحوّلت إليه العديد من الشحنات القادمة من آسيا، بما فيها سيارات شركة BYD الصينية، نظراً لما يُنظر إليه كميناء “أكثر أماناً” حالياً.
وتؤكد مصادر دبلوماسية أن التصعيد في البحر الأحمر لم يكن حتمياً، وكان يمكن تفاديه لو مارست القوى الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ضغوطاً حقيقية على تل أبيب لوقف الهجمات على المدنيين في غزة ورفع الحصار المفروض على القطاع. وتقول صنعاء إن هدف عملياتها البحرية ليس ضرب التجارة الدولية، بل فرض كلفة حقيقية على الكيان الإسرائيلي حتى يتوقف عن عملياته العسكرية.
يُعد البحر الأحمر ركيزة استراتيجية في خطة ولي العهد السعودي لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، من خلال الاستثمار في السياحة والصناعة والمراكز اللوجستية، ضمن مشاريع كبرى مثل نيوم. غير أن التصعيد الأمني أعاد خلط الأوراق، خصوصاً مع تراجع اهتمام المستثمرين الأجانب وتباطؤ تنفيذ بعض المشاريع الكبرى نتيجة لتقلبات الأسواق وارتفاع تكاليف التمويل، ما يضعف من قدرة هذه المناطق على لعب دورها كمراكز عبور عالمي.
اقتصاد البحر الأحمر بين الجغرافيا والجيوسياسة
اقتصادياً، فإن التراجع في حركة الموانئ السعودية لا يُقرأ بمعزل عن البيئة الإقليمية المضطربة، بل يؤكد أن التحول الاقتصادي القائم على استثمارات الموانئ والخدمات اللوجستية يبقى هشاً دون معالجة متوازنة للمخاطر الأمنية والسياسية. كما أن تجاهل الأسباب الجوهرية للتصعيد، وعلى رأسها العدوان على غزة، يفاقم من حالة عدم الاستقرار ويطيل أمد الخسائر الاقتصادية لجميع الأطراف.
ورغم أن التقرير المنشور في Middle East Eye لا يهاجم السعودية بشكل مباشر، إلا أن اختيار زوايا المعالجة يعكس سردية مألوفة في بعض المنصات الممولة قطرياً.
في المحصلة، تبقى الممرات المائية والبوابات اللوجستية في المنطقة رهينة قرارات سياسية تتجاوز المصالح التجارية، وهو ما يضع تحديات غير تقليدية أمام الاقتصادات الطامحة إلى التنويع. والأسئلة الأهم لم تعد تتعلق بالبنية التحتية، بل بالقدرة على ضبط إيقاع الجغرافيا ضمن معادلة إقليمية أكثر عدلاً واستقراراً.