تقارير
أخر الأخبار

عائلة ترامب بين السلطة والثروة.. كيف تستفيد تجارياً من النفوذ الرئاسي؟

تقارير | بقش

تقدم عائلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نموذجاً صارخاً لربط السياسة والمال في الولايات المتحدة.

فبعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، تكشف تقارير حديثة طالعها مرصد “بقش” أن وزارة الدفاع الأمريكية (وزارة الحرب الأمريكية حالياً) منحت عقداً ضخماً لشركة أمريكية تعمل في مجال صناعة الطائرات بدون طيار، لها علاقات مباشرة بنجله “دونالد ترامب جونيور”، في خطوة تثير تساؤلات واسعة حول تضارب المصالح واستغلال المنصب العام لتحقيق مكاسب شخصية.

تفاصيل القضية

حسب قراءة بقش تقريراً لصحيفة فاينانشيال تايمز، حصلت شركة Extraordinary Machines (وهي شركة مقرها فلوريدا مختصة بصناعة وبيع الطائرات بدون طيار) على أكبر عقد لها على الإطلاق من وزارة الدفاع الأمريكية لتوريد 3500 محرك طائرة بدون طيار، إلى جانب أجزاء ومكونات أخرى، مع توقعات بأن يطلب البنتاغون 20 ألف مكون إضافي في عام 2026.

هذا العقد جاء في وقتٍ يشهد فيه البنتاغون توقفاً عن نشر إشعارات العقود اليومية منذ بدء إغلاق الحكومة في 01 أكتوبر (نتيجة الخلافات بين الحزبين حول تمويلات البرامج الحكومية)، وهو ما زاد الغموض حول تفاصيل العقد وقيمته المالية التي لم تُعلن بعد.

وتعود جذور العلاقة بين العائلة الرئاسية وهذه الشركة إلى نوفمبر 2024، عندما انضم دونالد ترامب جونيور إلى المجلس الاستشاري لشركة Extraordinary Machines بعد فترة وجيزة من انتخاب والده رئيساً.

وفقاً لتصريحاته السابقة التي تتبَّعها بقش، فإن ترامب الابن يمتلك حصة مالية تبلغ حوالي 4 ملايين دولار في الشركة، رغم عدم وضوح ما إذا كان لا يزال محتفظاً بها، كما أكّد الرئيس التنفيذي للشركة “ألين إيفانز” أن ترامب جونيور كان مشاركاً نشطاً في جولات جمع التمويل خلال العام، مما ساعد الشركة على جمع أكثر من 80 مليون دولار من المستثمرين في فترة قصيرة، مدفوعة بتأثير اسمه وصلاته السياسية.

وأقرّ إيفانز بأن وجود نجل الرئيس في الفريق الاستشاري رفع قيمة أسهم الشركة فوراً وسهّل اجتماعاتها مع شركاء وممولين محتملين، وهذه العلاقة فتحت أمام الشركة أبواباً لم تكن لتُفتح لولا الصلة المباشرة بعائلة الرئيس، وهو ما يعزز الشبهات حول استغلال النفوذ السياسي لتحقيق مكاسب اقتصادية.

تضارب المصالح ودور الإدارة

تزامن منح العقد مع سلسلة قرارات رئاسية تخدم القطاع ذاته الذي تنشط فيه الشركة، ففي يونيو الماضي وقّع الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً بعنوان “إطلاق العنان للهيمنة الأمريكية للطائرات بدون طيار” حسب مراجعة، وفي يوليو التالي ألغى البنتاغون قيوداً كانت تعيق تسريع شراء هذه الطائرات.

تلك القرارات، وإن صيغت بلغة المصلحة الوطنية، تُقرأ بأنها تتماهى بشكل مباشر مع مصالح الشركة التي أصبح نجل الرئيس أحد مستشاريها وأبرز وجوهها التسويقية.

ومن الناحية الأخلاقية يبدو المشهد وكأنه امتداد لاستخدام البيت الأبيض كبنك عائلي، وفقاً لتوصيف تقرير مجلة The New Republic الأمريكي الذي اطلع عليه بقش، والذي رأى أيضاً أن عائلة ترامب “تستخدم السلطة العامة كوسيلة لتضخيم ثرواتها الخاصة”، مشيراً إلى أن عائلة الرئيس حصلت على أكثر من 1.8 مليار دولار نقداً وهدايا منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، منها 1.2 مليار دولار من أنشطتهم في مجال العملات المشفرة.

ومن أبرز القضايا التي غذّت هذا الجدل إصدار ترامب عفواً رئاسياً عن مؤسس منصة Binance، أكبر بورصة عملات مشفرة في العالم، وهو الرجل نفسه الذي ساهم في إطلاق مشروع العملة المشفرة لعائلة ترامب تحت اسم World Liberty Financial، حيث قدم دعماً بقيمة 2 مليار دولار لعملتها المستقرة.

هذا الترابط المالي والسياسي يثير شبهات قوية حول مقايضات محتملة بين القرارات الرئاسية والمصالح الاقتصادية الخاصة، في مشهد يذكّر بنمط “رأسمالية المحسوبية” التي لطالما اتَّهم ترامب خصومَه بممارستها.

هل هي مخالفة للقانون الأمريكي؟

من الناحية القانونية، لا يُعد مجرد امتلاك أحد أقارب الرئيس لشركة أو حصة فيها مخالفة مباشرة للقانون الأمريكي، طالما لم يثبت أن الرئيس نفسه استخدم سلطته التنفيذية بشكل مباشر أو تآمري لتوجيه العقود أو المناقصات.

لكن، ثمة مبادئ قانونية وأخلاقية تُعرف باسم “بند المكافآت” في الدستور الأمريكي وفق اطلاع بقش، تمنع أي مسؤول حكومي، بمن فيهم الرئيس، من تلقي أي مكاسب مالية أو هدايا من الحكومة الفيدرالية أو الحكومات الأجنبية من دون موافقة الكونغرس.

لكن هذا البند لا يُطبّق بوضوح على أفراد عائلة الرئيس ترامب، ما يجعل ترامب جونيور في منطقة رمادية قانونياً، لكنه يثير مشكلة أخلاقية واضحة تتعلق بتضارب المصالح واستغلال النفوذ السياسي.

وسبق لمكتب الأخلاقيات الحكومي الأمريكي أن وجّه تحذيرات مشابهة لعائلة ترامب خلال ولايته الأولى (2017–2021)، بسبب استفادتهم من مشاريعهم العقارية والفندقية خلال وجود والدهم في المنصب.

وتفتح القضية مجالاً لطرح التساؤلات حول نزاهة مؤسسات الدولة الأمريكية، ومدى قدرة النظام الديمقراطي على الفصل بين المصلحة العامة والمصالح العائلية للرئيس.

فوجود ابن الرئيس على رأس شركة تُمنح عقوداً دفاعية ضخمة في الوقت نفسه الذي تتخذ فيه الإدارة قرارات استراتيجية تصب في مصلحة هذه الصناعة يُضعف الثقة العامة ويخلق انطباعاً بتسييس القرارات الاقتصادية.

كما أن تراكم الثروات العائلية، مثل حصولهم على أكثر من 1.8 مليار دولار خلال فترة قصيرة، يعزز صورة أن عائلة ترامب تستخدم موقعها السياسي لتضخيم إمبراطوريتها الاقتصادية، سواء في مجال العقارات أو العملات الرقمية أو الصناعات الدفاعية.

وتسلط هذه القضية الضوء على الحدود المائعة بين السلطة والثروة في عهد ترامب، حيث تختلط المصالح العامة والخاصة بشكل يهدد مبدأ الشفافية والمساءلة الذي يقوم عليه النظام الأمريكي.

ورغم أن القانون قد لا يدين عائلة الرئيس بشكل مباشر، إلا أن الأخلاق السياسية والمؤسسية تضع تصرفات كهذه في خانة الفساد المقنَّع أو استغلال النفوذ.

واستمرار مثل هذه الممارسات دون رقابة حقيقية أو مساءلة تشريعية قد يُعيد رسم معايير السلوك السياسي في الولايات المتحدة، ويُضعف ثقة المواطنين في نزاهة مؤسسات الحكم، ويجعل من البيت الأبيض مركزاً لتقاطع المصالح التجارية والسياسية لعائلة الرئيس، لا مؤسسة لخدمة المصلحة العامة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش