
الاقتصاد العالمي | بقش
في الوقت الذي يسعى فيه تكتل البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) لتقديم نفسه كقوة صاعدة في الاقتصاد العالمي، جاءت التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتكشف مدى التباين بين أعضاء التكتل الاقتصادي.
فبدلاً من توحيد الصفوف، أظهرت الإجراءات الأمريكية الأخيرة أن التكتل لا يزال يفتقر إلى آليات فعالة للتنسيق في مواجهة الضغوط الخارجية.
الهند كانت الأبرز على خط المواجهة بعد أن رفعت واشنطن الرسوم على صادراتها إلى 50% (25% + 25% إضافية) إثر إصرارها على شراء النفط الروسي وفق متابعات مرصد بقش. كما واجهت البرازيل أيضاً رسوماً عقابية وصلت إلى 50%، وترتبط هذه الرسوم بملفات سياسية داخلية وخلافات مع شركات التكنولوجيا الأمريكية.
أما جنوب أفريقيا، فوجدت نفسها تحت ضغوط جمركية عالية تعكس توترات سياسية مرتبطة بإصلاح الأراضي. هذه الإجراءات جعلت ثلاث دول من البريكس في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، في وقت يحاول فيه التكتل بناء بدائل اقتصادية أكثر استقلالية.
البريكس بين الشعارات والانقسامات
ورغم دعوات بعض القادة، وعلى رأسهم الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، للرد بشكل جماعي، إلا أن الواقع يكشف محدودية هذا الطموح. التكتل يعاني من تناقضات استراتيجية واضحة؛ فالعلاقات بين الهند والصين تتسم بالعداء أكثر من التعاون، والتجارة داخل المجموعة تهيمن عليها الصادرات الصينية بشكل غير متوازن يثير قلق بقية الأعضاء.
الأرقام تكشف أن 2–5% فقط من صادرات الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا تتجه إلى شركائها في البريكس، مقابل ما يصل إلى 18% نحو السوق الأمريكية حسب قراءة بقش، وهو ما يعكس استمرار مركزية الاقتصاد الأمريكي بالنسبة لهذه الدول.
إحدى الأفكار التي تُطرح بين الحين والآخر هي إنشاء عملة موحدة للبريكس كخطوة نحو تقليل الاعتماد على الدولار. غير أن هذا الطرح لا يتجاوز حدود النقاش السياسي، إذ تشير التحليلات الاقتصادية إلى أنه “غير قابل للتنفيذ” في ظل اختلال موازين التجارة وتضارب أولويات الأعضاء.
ومن المفارقة أن يكون ترامب، بسياساته الحمائية، عاملاً في إحياء النقاش داخل البريكس حول ضرورة التكتل، لكنه في الوقت ذاته كشف حدود هذا التحالف.
فبينما تزداد “الضوضاء الدبلوماسية” حول الوحدة، تبقى السياسات العملية غائبة، ويظل تأثير واشنطن –سواء بالضغط أو بالطلب على السلع– أكثر حضوراً من أي روابط داخلية، وبذلك يبدو أن البريكس لا يزال بعيداً عن تشكيل جبهة اقتصادية قادرة على مواجهة الهيمنة الأمريكية.