الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

عدن: ضربة إضافية للإصلاحات الاقتصادية.. حين ينسحب “صندوق النقد” وتتفاقم أزمة الدولة

الاقتصاد اليمني | بقش

في قرار يحمل الكثير من الدلالات، أوقف “صندوق النقد الدولي” أنشطته في اليمن بعد قرابة شهرين من استئناف نشاطه (في أكتوبر 2025)، وقام بتأجيل اجتماع مجلس إدارته المخصص لمناقشة مشاورات المادة الرابعة الخاصة باليمن إلى أجل غير مسمى، في أول رد فعل دولي تجاه الاضطرابات الأمنية والعسكرية التي تشهدها مناطق حكومة عدن، عقب سيطرة المجلس الانتقالي على محافظتي حضرموت والمهرة.

وجاء هذا القرار بمثابة جرس إنذار دولي مُدوٍّ، أعاد التذكير بأن حكومة عدن تعجز عن الإمساك بزمام الاقتصاد والأمن في آن.

فبعد نحو 11 عاماً من التوقف، كان استئناف نشاط الصندوق في اليمن يُقرأ كإشارة أمل نادرة في مشهد اقتصادي قاتم، وكاعتراف دولي حَذِر بإمكانية الشروع في مسار إصلاحي طويل النفس، لكن سرعان ما تحطم الأمل إلى أجل غير مسمى.

واكتفى رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي بإطلاق تصريحات من الرياض تابعها “بقش”، قال فيها إن إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن بمثابة جرس إنذار، وأضاف أن الاستقرار السياسي شرط رئيس لنجاح أي إصلاحات اقتصادية في البلاد.

ودعا العليمي إلى الانسحاب الفوري لكافة القوات الوافدة من خارج حضرموت والمهرة، كخيار وحيد لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات اليمنية الشرقية وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين.

الإصلاحات على المحك

شكّل التصعيد العسكري في حضرموت والمهرة الشرارة المباشرة لقرار صندوق النقد، لكن القراءة الأعمق تشير إلى ما هو أخطر، وهو فشل حكومة عدن في احتواء الانقسام المتصاعد داخل معسكرها، وعجزها عن إدارة تعدد قوى النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي، الذي بات يفرغ مؤسسات الدولة من مضمونها.

ويعلّق الخبير الاقتصادي “أحمد الحمادي” في حديث لـ”بقش” بقوله إن صندوق النقد لا يتعامل فقط مع أرقام وعجز موازنات، بل يراقب قدرة الدولة على فرض سياساتها، وضمان حد أدنى من الاستقرار، وتوحيد القرار المالي والنقدي.

وما حدث في المحافظات الشرقية أظهر من وجهة نظر دولية أن الحكومة لا تملك السيطرة الفعلية على الأرض، ولا على شركائها في الشرعية نفسها، وهو ما يرفع مستوى المخاطر إلى درجة تجعل أي حديث عن إصلاحات اقتصادية ضرباً من المجازفة، وفقاً للحمادي.

ويضيف أن “توقف نشاط صندوق النقد في اليمن يمثل ضربة مباشرة لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية الحكومية الشاملة، التي كانت تستند إلى دعم فني واستشاري من المؤسسات الدولية، فمشاورات المادة الرابعة شكلت بوابة لتشخيص الاختلالات الهيكلية، وبناء الثقة مع المانحين، وفتح مسارات تمويل مستقبلية”.

وتجد الحكومة نفسها مكشوفة اقتصادياً، حسب الحمادي، ويوضح: “تبدو الحكومة في الوقت الراهن بلا بوصلة إصلاح واضحة، وبلا شهادة حسن سلوك اقتصادي يحتاجها المانحون والمستثمرون قبل ضخ أي دعم”.

ويُنظر إلى أن إيقاف أنشطة الصندوق يعرقل تنفيذ أي برنامج إصلاح اقتصادي ويضرب جهود الاستقرار النقدي والمالي، ويضغط بشكل إضافي على موقف العملة المحلية والاستقرار التمويني في الأسواق، حيث يغذّي التوقعات بمزيد من ارتفاع الأسعار.

وتؤكد التحليلات الاقتصادية أنه من منظور المؤسسات الدولية، لا يمكن فصل الاقتصاد عن الأمن، فالدولة التي لا تستطيع حماية استقرار مناطقها، أو ضبط السلاح خارج إطارها، لا يمكن الوثوق بقدرتها على تنفيذ سياسات مالية أو نقدية مؤلمة، أو فرض إصلاحات قد تصطدم بمراكز نفوذ قائمة.

ودون معالجة حكومية لجذور الأزمة، وفي مقدمتها توحيد القرار السياسي والأمني وإنهاء حالة تعدد مراكز النفوذ، يرى اقتصاديون أن الحديث عن إصلاحات اقتصادية سيظل بلا سند واقعي، إذ لن يعود الشركاء الدوليون إلى طاولة اليمن دون الشعور بأن الدولة قادرة على حل خلافاتها قبل إدارة أزماتها الاقتصادية.

ويمثل قرار صندوق النقد تعبيراً عن تآكل الثقة الدولية بالوضع الأمني والإداري في مناطق الحكومة، ومع كل تأجيل أو انسحاب دولي، تتعمق عزلة الاقتصاد اليمني وتتقلص فرص الإنقاذ، بينما يبقى المواطن الحلقة الأضعف، يدفع ثمن الانهيار عبر غلاء المعيشة وتآكل الدخل وتدهور الخدمات الأساسية.

زر الذهاب إلى الأعلى