الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

عدن: كارثة اقتصادية مقبلة.. الفشل في تحصيل الإيرادات الحكومية يدفع إلى الهروب نحو رفع الدولار الجمركي

الاقتصاد اليمني | بقش

خرجت إلى العلن تفاصيل أزمة مالية متصاعدة يعيشها بنك عدن المركزي والحكومة نتيجة استمرار تسرب الموارد المالية الحكومية إلى البنوك الخاصة ومحلات الصرافة، بدلاً من التوريد إلى البنك المركزي، وتشير المعلومات الجديدة التي اطلع عليها مرصد “بقش” إلى أن سبب تأخير صرف الرواتب، للشهر الرابع على التوالي، ليس نتيجة “سيولة مالية”، بل بسبب وجود انقسام حول “رفع سعر الدولار الجمركي” إلى الضعف.

وعلم “بقش” أن رئيس وزراء حكومة عدن سالم بن بريك يرفض تحريك سعر الدولار الجمركي البالغ 750 ريالاً للدولار، بينما تدفع أطراف أخرى نحو هذا الخيار كحل للفشل الحكومي في تغطية الالتزامات، وسط استمرار عجز الحكومة عن فرض توريد الإيرادات إلى البنك المركزي.

نقاش سياسي ساخن بين الأطراف الثلاثة

وتحدث الصحفي فتحي بن لزرق، رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، عن آخر النقاشات الحكومية الجارية، قائلاً إن نقاشاً سياسياً “ساخناً” يدور منذ أكثر من أسبوعين بين ثلاثة أطراف، هم مجلس القيادة، وبنك عدن المركزي، ورئاسة الحكومة، وجاء هذا النقاش عقب فشل السيطرة على الإيرادات المتسربة إلى البنوك الخاصة والصرافات، وعجز الحكومة عن ضبط هذه الإيرادات.

وطرح البعض خلال هذه النقاشات مقترحاً مثيراً للجدل وصفه بن لزرق بـ”العبثي للغاية”، يتمثل في رفع قيمة الدولار الجمركي إلى ضعف قيمته الحالية، باعتباره وسيلة لتوفير موارد مالية تمكّن الحكومة من صرف الرواتب.

النقاشات أدت إلى انقسام بين الأطراف الحكومية إلى فريقين، الفريق الأول يرى أن رفع قيمة الدولار الجمركي هو الحل المناسب لتجاوز الأزمة المالية، بينما الفريق الثاني يرفض هذا الخيار بشدة، محذراً من أنه سيؤدي إلى تضاعف أسعار السلع والمنتجات، ما سيتسبب في كارثة مجتمعية واسعة.

لا يزال النقاش محتدماً بهذا الخصوص، وفقاً لـ”بن لزرق”، في حين يتمسك جزء من الجانب الحكومي برفض هذا الطرح العبثي، ويرى أن على الدولة أن تنتزع مواردها بالقانون والرقابة بدلاً من رمي الحمل فوق كاهل المواطنين.

ويرى الاقتصاديون أن اللجوء إلى تحريك الدولار الجمركي يؤكد الانهيار الشامل للدولة وعجزها عن استعادة مواردها، ويزيد من الأعباء المعيشية على المواطن الذي يعيش في انتظار الرواتب المقطوعة، حيث سينعكس رفع الدولار الجمركي بالضرورة على أسعار كافة السلع والمواد الغذائية.

وفي تعليق لـ”بقش”، يقول الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي إن أي رفع لسعر الصرف الجمركي سيؤدي إلى آثار كارثية مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد المحلي والحياة المعيشية للمواطنين، بما في ذلك تضاعف أسعار السلع والمواد الأساسية، وارتفاع كُلف الاستيراد في بلد يعتمد بشكل شبه كلي (بنسبة 90%) على الاستيراد.

ويعيش المواطنون على رواتب متدنية ومنقطعة بالأساس منذ أربعة أشهر، وفي حال صرفها فإنها تبقى تلك الرواتب المتدنية التي لا تقوى على مواكبة الارتفاع الحاد الذي سيطرأ على الأسعار، ويشير الحمادي إلى أن رفع الدولار الجمركي يضرب الإصلاحات الاقتصادية الحكومية التي أدت إلى انخفاض سعر الصرف إلى مستوى 1600 ريال للدولار، ويعزز التأكيد على فشل الحكومة في تلافي ظروفها المالية.

ولفت إلى أن قرابة 147 مؤسسة وجهة إيرادية لا تزال تمتنع عن توريد إيراداتها إلى بنك عدن المركزي، مضيفاً: “الأجدر بالحكومة إلزام هذه المؤسسات والجهات الإيرادية بالتوريد إلى البنك المركزي بدلاً من اللجوء إلى إجراءات قاصمة لا تمثل أي حل، مثل رفع الدولار الجمركي”.

وحسب قراءة بقش، سيخلق رفع الدولار الجمركي انفلاتاً سوقياً وموجة تضخم نتيجة أن التجار سيعكسون الزيادة الجمركية على أسعار البيع، وسط غياب الرقابة الحكومية الحقيقية، حيث قد يجد التجار فرصة لرفع الأسعار أكثر مما تقتضيه الرسوم الجديدة.

وقد يؤدي تحريكه أيضاً إلى عجز كثير من التجار الصغار وأصحاب المحلات عن الاستمرار في الاستيراد بسبب ارتفاع التكاليف، ما سيؤدي إلى إغلاق مشاريعهم وتسريح العمال، فضلاً عن تزايد الاحتجاجات الشعبية والانفجار الاجتماعي أمام موجات الغلاء.

قرار توجيه الموارد إلى المركزي: حبر على ورق

ويُعد اللجوء لرفع الدولار الجمركي بدلاً من ضبط الإيرادات المتسربة للبنوك الخاصة والصرافات، دليلاً على فشل كامل في إدارة الموارد، مما يضعف من ثقة المواطن بالمؤسسات الرسمية ويعزز مناخ الفوضى الاقتصادية.

وعودةً إلى الصحفي بن لزرق، فإنه، في منشور آخر، يقول إن جميع الاجتماعات التي عُقدت قبل أكثر من شهرين بخصوص توجيه موارد الدولة إلى البنك المركزي لا تزال حتى اليوم مجرد “حبر على ورق”، وأكد أن لجنة الموارد كانت قد خلصت حينها إلى ضرورة إلزام الوزارات بالتوريد، غير أن أياً من القرارات لم يتم تنفيذها.

وكان بنك عدن المركزي أصدر في 17 أغسطس الماضي توجيهاً إلى محلات الصرافة والبنوك الخاصة يقضي بعدم استلام أي أموال خاصة بالمؤسسات الحكومية، متضمناً إنذاراً بمهلة ثلاثة أيام نهائية للتوريد إلى خزائن البنك، لكن هذه المهلة انتهت دون أي التزام.

المعلومات تشير إلى أن هذا التوجيه تم رفض العمل به عملياً، وأن المؤسسات الحكومية لا تزال ترفض التوريد إلى البنك المركزي، وتواصل التعامل مع البنوك والصرافات الخاصة، وتسبب هذا التعنت في عجز البنك المركزي عن توفير السيولة اللازمة لصرف الرواتب لكافة القطاعات الحكومية للشهر الرابع.

وتكشف الحالة الراهنة، التي يمكن تسميتها مرحلة “الحبر على ورق”، عن ضعف الإرادة وتضارب المصالح في الوسط الحكومي بين مراكز القوى.

وحتى بعد صدور توجيه رسمي من بنك عدن المركزي بمنع البنوك الخاصة من استلام الأموال الحكومية، لم يتم التنفيذ، بصورة تعكس غياب سلطة القانون وانقسام المؤسسات. كما أن الانقسام الداخلي في السلطة “المجلس الرئاسي والبنك المركزي ورئاسة الحكومة” يعبّر عن عدم الرغبة في احتواء الموقف الاقتصادي الحرج، فضلاً عن التخبط والاختلال السياسيَّين.

الهروب إلى “سعر الدولار الجمركي” يكشف عن أزمة عميقة في إدارة الموارد وعجز عن فرض القوانين والقرارات، لتبدو الأزمة ليس كأزمة اقتصادية بحتة، بل سياسية بنيوية، حيث تتشابك مصالح النخب مع الفوضى المالية وتُترك تبعاتها على المواطن وحده.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش