الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

“عربات جدعون” يقابلها “ميناء حيفا”.. اقتصاد إسرائيل يترقب ضربة جديدة مع تصعيد الحرب في غزة

متابعات | بقش

بينما يحاول الاقتصاد الإسرائيلي الخروج من متاهاته المعقدة، أعلنت حكومة صنعاء عن فرض حظر شامل على حركة الملاحة البحرية من وإلى ميناء حيفا، ليضاف إلى الحظر المفروض على الحركة الجوية في مطار “بن غوريون” وباقي المطارات الذي بدأ في 04 مايو الجاري.

وقد قررت قوات صنعاء فرض الحظر على ميناء حيفا، في إطار الرد على التصعيد الإسرائيلي بقرار توسيع العمليات العدوانية على قطاع غزة، وبموجب القرار يحظر على السفن التحميل أو التفريغ من وإلى ميناء حيفا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن ضمن ذلك النقل من سفينة لأخرى، ويبدأ سريان هذا القرار اليوم الثلاثاء 20 مايو 2025،

مركز تنسيق العمليات الإنسانية (HOCC)، قال إنه خاطب شركات الشحن بشأن المخاطر العالية التي ستتعرض لها السفن المتجهة من وإلى ميناء حيفا، بما في ذلك مخاطر التعرض للعقوبات التي قد تشمل أساطيل الشركات المنتهكة لقرار الحظر، فضلاً عن المتعاملين معها.

وحسب اطلاع بقش على إعلان المركز، فقد دعا شركات الشحن إلى التدقيق وبذل العناية الواجبة في جميع تعاملاتها والتأكد من عدم وجود أي رحلات مباشرة للسفن إلى ميناء حيفا وكذا التأكد من عدم وجود علاقة مباشرة أو غير مباشرة أو عن طريق طرف ثالث بأي معاملة تنتهك قرار الحظر، كون وجود أي سفن متجهة إلى ميناء حيفا أو لها علاقة غير مباشرة بذلك سيعرض الشركة واسطولها للعقوبات.

وفي حال إدراج الشركة في قائمة العقوبات، سيكون أسطولها محظور من عبور البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي، وستتعرض للاستهداف في أي مكان تطاله قوات صنعاء، مضيفاً أنه يحظر على الدول والكيانات والأشخاص التعامل مع الشركات المدرجة في قوائم العقوبات بأي شكل من الأشكال، إذ إن المشاركة في أي معاملات مع الشركات المُدرجة تنطوي على خطر التعرض للعقوبات.

هذا الحظر جاء في إطار الرد على العملية الإسرائيلية المسماة “عربات جدعون” التي تهدف إلى إبادة سكان غزة واحتلال القطاع بالكامل، ويحمل الاسم دلالة تاريخية أيضاً، إذ كانت إسرائيل قد أطلقت اسماً مشابهاً هو “عملية جدعون” في عام النكبة 1948 للسيطرة على منطقة “بيسان” الفلسطينية وطرد سكانها.

ويخطط الإسرائيليون، عبر عربات جدعون، لتوسيع نطاق الحرب في المرحلة الأولى، التي يتوقع أن تستمر لأشهر، مع “الإخلاء الشامل لسكان غزة بالكامل، بما في ذلك شمال غزة، إلى مناطق في جنوب القطاع، وبقاء الجيش الإسرائيلي في تلك المناطق واحتلالها.

وقد قال نتنياهو إن إسرائيل ستسيطر على كامل قطاع غزة، في حين قال وزير ماليته اليميني المتطرف سموتريتش إن “الجيش الإسرائيلي سيدمر كل ما تبقى من غزة ولن يبقي حجراً على حجر فيها”.

الضغط على اقتصاد يعاني

أوضح المركز في صنعاء أن القرار يأتي في إطار المسؤولية الدينية والإنسانية والأخلاقية تجاه سكان غزة الذين يتعرضون لإبادة إسرائيلية ممنهجة، ويهدف إلى الضغط على الكيان الإسرائيلي لوقف العدوان وفتح المعابر إلى القطاع ودخول المساعدات والاحتياجات من الغذاء والدواء، ما يشير إلى إيقاف القرار بمجرد وقف الحرب والحصار.

وأكد متحدث قوات صنعاء، يحيى سريع، أن كافة إجراءات وقرارات قوات صنعاء من عمليات إسنادية ومن حظر الملاحة الجوية والبحرية سيتوقف تنفيذها حال توقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها، وأكد على كافة الشركات التي لديها سفن متواجدة في ميناء حيفا بأن هذا الميناء أصبح ضمن بنك الأهداف وعليها أخذ ذلك بعين الاعتبار.

ويأتي استهداف ميناء حيفا بعد أن تم بالفعل إغلاق ميناء إيلات الاستراتيجي، الوحيد الذي يطل على البحر الأحمر، مما أوقف الصادرات إلى إسرائيل عبر إيلات الذي يستخدم لاستيراد وتصدير مختلف السلع، إلى حد وقوع خلافات حادة بين إدارة ميناء إيلات والحكومة الإسرائيلية على خلفية تسريح نصف عاملي إيلات البالغ عددهم الإجمالي قرابة 120 عاملاً وفق متابعات بقش لهذا الملف منذ بداية أزمة البحر الأحمر في نوفمبر 2023.

وقد توقفت تجارة السيارات وصادراتها إلى ميناء إيلات، بما في ذلك الصادرات القادمة من الصين، نظراً لتوقف حركة الشحن البحري الإسرائيلية نتيجة للحصار الذي تفرضه قوات صنعاء على الملاحة الإسرائيلية، وسبق وقالت جمعية مصنعي السيارات الصينية، في العام الماضي، إن صادراتها إلى دول العالم زادت مقابل انخفاض الصادرات إلى إسرائيل بشكل كبير.

وفي العام الماضي أعلن ميناء إيلات إفلاسه نتيجة لانخفاض نشاطه بأكثر من 85%، مما دفعه لطلب المساعدة المالية من الحكومة الإسرائيلية التي لم تتجاوب مع الطلب بالشكل المطلوب. ولم يعد إيلات يشهد أي نشاط أو إيرادات وفقاً لإدارة الميناء نفسها، وهو ما يزيد المخاوف الإسرائيلية من أن يلقى ميناء حيفا نفس المصير.

يشكل الحظر المفروض على ميناء حيفا، ومن قبله ميناء إيلات، ضربة قاسية للاقتصاد الإسرائيلي المتهالك جراء الحرب المستمرة على غزة، فبسبب هذه الأزمة انخفض الاستثمار في الشركات الإسرائيلية الناشئة بنسبة 55% عام 2023 مقارنة بالعام 2022، دون احتساب حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد خلال عام 2024.

ورغم أن إسرائيل تعتاد إخفاء خسائرها الاقتصادية، إلا أن مراجعة بقش للبيانات تشير بشكل قاطع إلى أن استهداف ميناء حيفا سيسبب خسائر تفوق التوقعات.

ميناء حيفا.. بين الأهمية والخسائر الجسيمة

تبعد حيفا عن الحدود اللبنانية بنحو 27 كيلومتراً، وتتمتع بأهمية استراتيجية. فميناء حيفا ليس فقط أكبر الموانئ في إسرائيل، بل يتمتع بأهمية كبرى نظراً لقربه من “أوروبا”. ويشمل ميناء حيفا العديد من المنشآت اللوجستية.

ويعتبر ميناء حيفا مركزاً صناعياً كبيراً، ويحوي مصانع خاصة بالبتروكيماويات، ويمر عبره قرابة 35% من حركة الاستيراد والتصدير في إسرائيل، كما يضم الميناء مواقع تجارية وأخرى عسكرية تابعة للبحرية الإسرائيلية.

وفي الجزء الشمالي من وسط مدينة حيفا المحتلة على البحر المتوسط يقع الميناء الاستراتيجي، ويمتد إلى نحو 3 كيلومترات على طول الشاطئ وسط المدينة، ويضم أرصفة متعددة ومحطات للحاويات ومستودعات ضخمة، ويحتوي أيضاً على عدة مرافق للنقل واللوجستيات، وذلك ما يجعله مركزاً للنقل البحري والبري في إسرائيل.

كما أنه مقر للعديد من مصانع البتروكيماويات والأمونيا والميثانول والمواد الكيميائية الخطيرة المستخدمة في الأسمدة، وخزانات ومصافي النفط، وذلك ما جعل صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقول في تقرير سابق لها إن سكان حيفا يجلسون على برميل من المتفجرات.

كل ذلك يجعل الخسائر مؤكدة بالنسبة لهذا الميناء، فهو يتعامل مع نحو 30 مليون طن من البضائع سنوياً، ويخدم مئات الشركات الصناعية والتجارية في الشمال والوسط، كما أن الضربة تأتي بعد أن تم توسعة الميناء باستثمارات أجنبية خلال السنوات الماضية، وشملت هذه الاستثمارات تشغيل محطة حاويات جديدة من قِبل شركة “شنغهاي إنترناشيونال بورت غروب” الصينية، وهو ما رفع من طاقته الاستيعابية وجعله نقطة محورية في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.

وعبر ميناء حيفا تستورد إسرائيل نسبة ضخمة من وارداتها من الأسواق الآسيوية، وبالأخص من الصين والهند، عبر المسار البحري الذي يمتد من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر، مروراً بقناة السويس المصرية، ثم إلى ميناء حيفا، حسب تتبُّع بقش، وهذا المسار هو الأسرع والأقل كلفة مقارنة بمسارات بديلة، ما يعني أن إعلان قوات صنعاء يمثل قلقاً من الاختناق في سلاسل التوريد وتأخر الشحنات وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين البحري.

وكان تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي اطلع عليه بقش في يناير الماضي، أشار إلى أن أي اختلال في حركة الشحن عبر هذا المسار سيكلف إسرائيل خسائر بمئات ملايين الدولارات شهرياً، بسبب اعتمادها على هذا الخط الهام لاستيراد المواد الخام والمعدات الصناعية والسلع الاستهلاكية.

وربما تضطر إسرائيل لتحويل الواردات إلى ميناء أشدود، لكن موقع هذا الميناء الجنوبي يجعله معرضاً أيضاً للتصعيد العسكري، ولا يتمتع بنفس البنية التحتية المتقدمة التي يتمتع بها ميناء حيفا.

وبتعبير أدق، يُعد ميناء حيفا رئة اقتصادية وتجارية لإسرائيل يمكن وصفها بالرئة الشمالية، وثمة أكثر من 50% من واردات وصادرات إسرائيل البحرية معرضة للتهديد والخطر الفعلي الآن، وبينما كان في الماضي يُقال في إسرائيل إن “القدس تصلي وتل أبيب تغني وحيفا تعمل”، يمكن أن يغير الإسرائيليون رأيهم حالياً، إذ باتت الأراضي المحتلة كلها على صفيح ساخن، وأصبحت أعمال حيفا وحركة التصدير والاستيراد فيها مهددة وقد تنحدر إلى أزمة لوجستية شاملة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش