الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

عقوبات أمريكية ضد عمالقة النفط الروسي.. سوق الطاقة العالمي يهتز وشركاء موسكو في آسيا أمام اختبار صعب

الاقتصاد العالمي | بقش

في مسعى أمريكي جديد لضرب موسكو وإيراداتها المالية الهائلة، فرضت إدارة دونالد ترامب عقوبات جديدة على أكبر شركتين نفطيتين في روسيا، “روسنفت” و”لوك أويل”، في خطوةٍ مفاجئة جاءت بعد أسابيع فقط من تصريحات ودّية حول إمكانية عقد قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وتشمل العقوبات تجميد الأصول، وحظر التعامل التجاري مع الشركات المستهدفة، ومنح الشركات الأجنبية مهلة حتى تاريخ 21 نوفمبر 2025 لتقليص تعاملاتها مع منتجي النفط الروس حسب اطلاع مرصد “بقش” على ما ورد في القرار الأمريكي.

ومن جهة أخرى اعتمد الاتحاد الأوروبي حزمة العقوبات الـ19 على روسيا، ونصّت هذه الحزمة على حظر استيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي بدءاً من عام 2027، وإدراج 117 سفينة من أسطول الظل الروسي ضمن القوائم السوداء، في تنسيقٍ ثلاثي بين لندن وواشنطن وبروكسل.

وإلى جانب العقوبات المباشرة، هناك أيضاً سقف سعر النفط الروسي عند 47 دولاراً للبرميل الذي أقرَّته مجموعة السبع، مع توسيع القيود الأوروبية على واردات الغاز حتى التصفير الكامل بحلول 2027.

هذه العقوبات تزامنت مع الضغوط الغربية على كبار مستوردي النفط الروسي، وهما الهند والصين، وقد أثارت قلق الشركات في الصين والهند، فضلاً عن الغضب الروسي والتحذيرات الحادة من موسكو.

القرار الأمريكي فاجأ الأسواق العالمية، وأدى إلى قفزة في أسعار النفط بنسبة 5% وفق تتبُّع “بقش” لبيانات الأسواق، كما عاود الذهب ارتفاعه بنسبة 0.5% إلى أكثر من 4,114 دولاراً للأونصة، بعد فترة قصيرة من انخفاض الذهب نتيجة قوة الدولار الأمريكي.

وضمن التداعيات ارتفعت علاوة السعر الفوري لخام دبي، المرجعيّ للنفط الخام في الشرق الأوسط، عند نحو 2.70 دولار للبرميل، أي أكثر من ضعف سعره عند 1.26 دولار للبرميل في الجلسة السابقة.

تحول مفاجئ في الموقف الأمريكي

في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، قال ترامب إنه ألغى القمة التي كانت مقررة مع “بوتين” في العاصمة المجرية “بودابست”، مضيفاً أنه لم يشعر بأن “اللقاء سيحقق النتيجة المرجوة”.

وجاء القرار بعد تصاعد القتال في أوكرانيا ورفض روسيا عروض وقف إطلاق النار، إذ تصر موسكو على أن أي هدنة ستكون مجرد “استراحة تكتيكية” تَمنح كييف الوقت لإعادة التسلح.

وزير الخزانة الأمريكي “سكوت بيسنت” أعلن أن العقوبات الجديدة تستهدف “قدرة روسيا على تمويل أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية”، متوعداً بمزيد من الإجراءات إذا لم يُنهِ بوتين الحرب.

أما موسكو فوصفت العقوبات بأنها “غير مثمرة” و”ذات طابعٍ عكسي”، مؤكدةً أنها طوّرت “حصانة قوية” ضد مثل هذه القيود بعد ثلاث سنوات من المواجهة الاقتصادية مع الغرب. وصرّحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بأن هذه الخطوات “لن تغيّر موقف روسيا من أوكرانيا”.

أيضاً حذرت الخارجية الروسية من أن أي محاولة لمصادرة الأصول الروسية المحتفظ بها في حسابات “يوروكلير” ستؤدي إلى “رد مؤلم”، وأعلنت أن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى السلطة القانونية لمصادرة الأصول الروسية، واصفة مثل هذا الإجراء المحتمل بأنه “سرقة”، وجاءت هذه التصريحات بينما يناقش الاتحاد الأوروبي ما وصفته الخارجية الروسية بـ”المصادرة المباشرة” لأموال موسكو.

في الوقت ذاته، ألغت شركة “لوك أويل” اجتماعاً لمجلس إدارتها لمناقشة توزيعات الأرباح، واعتبرت أن “الظروف الجديدة” لا تسمح بعقده.

وفي السياق، مؤسسة “روساتوم” الروسية للطاقة الذرية حذّرت من أن العقوبات الأمريكية الجديدة ضد روسيا قد تحرم أمريكا من اليورانيوم الروسي المخصب، مؤكدةً أن أي توتر في العلاقات مع الولايات المتحدة سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى تداعيات سلبية على الإمدادات الروسية إليها.

شركات الهند والصين تقلص شراء النفط الروسي

الهند، التي أصبحت أكبر مشترٍ للنفط الروسي المنقول بحراً منذ 2022، تواجه الآن ضغوطاً غير مسبوقة من واشنطن، فوفقاً لاطلاع بقش على ما نشرته وكالة رويترز، فإن شركات التكرير الهندية، وعلى رأسها شركة “ريلاينس للصناعات”، تستعد لخفض وارداتها النفطية الروسية بشكل حاد، امتثالاً للعقوبات الأمريكية الجديدة.

وتسعى الهند في الوقت ذاته إلى تسوية خلافٍ تجاري مع الولايات المتحدة، بعد فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على صادراتها، نصفها تقريباً جاء بسبب مشتريات النفط الروسي.

التقارير التي راجعها بقش تشير إلى أن نيودلهي تتفاوض على صفقة تجارية قد تخفف هذه الرسوم مقابل تقليص واردات الخام الروسي.

كما بدأت شركات التكرير الحكومية الهندية مثل “بهارات بتروليوم” و”هندوستان بتروليوم” مراجعة عقودها للتأكد من عدم التعامل مباشرة مع “روسنفت” أو “لوك أويل”، فيما أكدت مصادر في قطاع التكرير أن الامتثال الكامل “يعتمد على البنوك” القادرة على تسوية المدفوعات دون مخالفة العقوبات الأمريكية.

وفي الجانب المقابل، علّقت شركات النفط الحكومية الصينية الكبرى، ومنها “سينوبك” و”بتروتشاينا” و”CNOOC”، مشتريات النفط الروسي المنقول بحراً، تجنباً للعقوبات الأمريكية الثانوية.

وتستورد الصين نحو 1.4 مليون برميل يومياً من النفط الروسي عبر البحر، معظمها عبر شركات تكرير مستقلة تُعرف باسم “أباريق الشاي”. أما الشركات الحكومية فكانت تشتري كميات محدودة لا تتجاوز 500 ألف برميل يومياً وفق تقديرات طالعها بقش من شركة تحليلات أسواق الطاقة “Energy Aspects”. ويُتوقّع أن تؤدي هذه الخطوة إلى تراجعٍ حاد في الطلب من أكبر عميلين لموسكو، الصين والهند، ما سيضغط بشدة على عائدات روسيا النفطية التي تمثل ربع ميزانية الدولة.

ويتوقّع مراقبون أن تلجأ بكين ونيودلهي إلى تنويع مصادر الإمداد بالاتجاه نحو الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهو ما سيرفع أسعار النفط غير الخاضع للعقوبات عالمياً.

ورغم أن إيرادات النفط والغاز الروسية تراجعت بنسبة 21% على أساس سنوي، إلا أن معظم دخل موسكو يأتي من الضرائب المفروضة على الإنتاج المحلي، مما قد يُخفّف جزئياً من أثر العقوبات في المدى القريب.

لكن على المدى المتوسط، فإن تقلّص المشترين الكبار سيجبر روسيا على تقديم خصوماتٍ أكبر وتوسيع تعاملاتها عبر وسطاء وسفن “أسطول الظل” لتجاوز القيود، ما قد يعيد رسم خريطة تجارة الطاقة العالمية.

ويشير التصعيد الأمريكي إلى تحول في نهج إدارة ترامب، بعد أن تبنّت هذه الإدارة خطاباً أكثر تصالحية مع موسكو لأشهر، حتى عاد البيت الأبيض إلى سياسة الضغط الأقصى، في وقت تُجري فيه روسيا مناورات نووية استعراضية للتأكيد على موقعها العسكري والسياسي.

حول عملاقَي النفط الروسي

الشركتان الروسيتان تمثلان معاً نحو نصف إنتاج روسيا من النفط.

شركة “روسنفت” بلغ إنتاجها نحو 3.7 مليون برميل يومياً من النفط ومكثفات الغاز عام 2024، ما يمثل 3.3% من إنتاج النفط العالمي، وحققت 1.08 تريليون روبل (13.28 مليار دولار).

وبلغت أحجام التكرير لشركة روسنفت في روسيا 82.6 مليون طن عام 2024. ووقّعت الشركة في 2024 صفقة مدتها 10 سنوات مع شركة التكرير الهندية ريلاينس التي تدير أحد أكبر مجمعات التكرير في العالم لتوريد نحو 500 ألف برميل يوميا من النفط الخام وفق متابعات بقش.

وتملك روسنفت حصة 49% في شركة التكرير الهندية نايارا التي تعتمد مصفاة فادينار التابعة لها، والتي تنتج 400 ألف برميل يومياً، حصرياً على النفط الروسي. وتخضع الشركة لعقوبات من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، مما دفعها إلى خفض معدلات تشغيلها.

أما شركة “لوك أويل” فهي ثاني أكبر منتج للنفط في روسيا وتمثل نحو 2% من الإنتاج العالمي. وبلغ إنتاجها في روسيا العام الماضي نحو 1.61 مليون برميل يومياً من النفط ومكثفات الغاز وحققت أرباحاً بقيمة 848.5 مليار روبل (10.4 مليارات دولار).

وبلغ إجمالي كمية التكرير لدى الشركة في روسيا 54.3 مليون طن، وتمتلك الشركة حصة 75% في حقل غرب القرنة اثنين النفطي في العراق وهو أحد أكبر الحقول النفطية في العالم.

وتورّد لوك أويل النفط للمجر وسلوفاكيا ومصفاة ستار التركية المملوكة لشركة سوكار الأذربيجانية التي تعتمد بشدة على الخام الروسي. وتملك مصفاةً في بلغاريا تنتج 190 ألف برميل يومياً، وهي أكبر مصفاة في منطقة البلقان، إضافةً إلى مصفاة بتروتل للنفط في رومانيا.

كما تملك لوك أويل حصصاً في محطات نفط وسلاسل لبيع الوقود بالتجزئة في أوروبا ولديها مشروعات متنوعة في عمليات التنقيب والإنتاج والتكرير والتوزيع في آسيا الوسطى وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

فصل جديد في حرب الطاقة

العقوبات الجديدة تُعتبر لحظة فاصلة في الحرب الاقتصادية بين واشنطن وحلفائها من جهة، وروسيا صاحبة رابع أكبر اقتصاد في العالم في 2024 من جهة أخرى. وهي لحظة فاصلة ليس فقط لأن العقوبات تستهدف شريان الاقتصاد الروسي، بل لأنها تضرب في عمق شبكة العلاقات التي بنتها موسكو في آسيا منذ 2022.

وفي حين تحاول روسيا إظهار مناعة اقتصادية كبيرة ضد العقوبات، فإن فقدان الدعم الهندي والصيني ولو جزئياً يعني زيادة العزلة الدولية على موسكو في سوق الطاقة العالمي، أما واشنطن فتَعتبر خطوتها ورقة ضغط مزدوجة، لإضعاف التمويل الروسي ولتعزيز نفوذها التجاري في آسيا أيضاً، ضمن صراع يبدو أنه تجاوز حدود أوكرانيا إلى إعادة تشكيل النظام الطاقوي العالمي برمّته.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش