
تقارير | بقش
بعد إطلاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وابلاً جديداً من التهديدات بفرض رسوم جمركية قاسية على الاتحاد الأوروبي وعملاق التكنولوجيا “آبل”، ظهرت بيانات جديدة تكشف عن تراجع حاد ومتوقع في أعداد السياح الدوليين القادمين إلى الولايات المتحدة، مما يرسم صورة قاتمة لتأثير سياسات ترامب التجارية والشخصية على الاقتصاد الأمريكي ومكانته العالمية.
ففي تحرك مفاجئ عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوم أمس الجمعة، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على سلع الاتحاد الأوروبي اعتباراً من الأول من يونيو، إلى جانب ضريبة بنسبة 25% على أجهزة آيفون المستوردة.
هذه التهديدات لم تثر فقط اضطراباً في الأسواق المالية العالمية وتهاوياً لأسهم شركات الطيران الأمريكية والأوروبية وفق متابعة بقش، بل صبت الزيت على نار مشاعر الإحباط والغضب المتزايدة تجاه الولايات المتحدة في أجزاء كثيرة من العالم.
تزامناً مع هذه التهديدات، كشفت توقعات صادرة عن شركة “تورزم إيكونوميكس” المرموقة عن حقيقة مرة: المسافرون الدوليون يتجنبون أمريكا.
وتشير الأرقام التي تتبعها بقش إلى أن الأوروبيين يخططون لتقليص رحلاتهم إلى الولايات المتحدة بنسبة 10% هذا الصيف. الوضع أكثر حدة بالنسبة للكنديين، الشريك التجاري والجغرافي الأقرب، حيث يُتوقع انخفاض حجوزاتهم بنسبة تبلغ 33% للفترة من مايو إلى يوليو، وبشكل عام، تتوقع المجموعة تراجعاً بنسبة 8.7% في عدد الوافدين الدوليين خلال عام 2025 بأكمله.
هذا التراجع ليس مجرد أرقام، بل يترجم إلى خسائر اقتصادية ملموسة، حيث تتوقع “تورزم إيكونوميكس” انخفاضاً بقيمة 8.5 مليار دولار في إنفاق الزوار الدوليين خلال العام المقبل، وأرجعت الشركة هذا الانخفاض إلى مزيج من العوامل التي وصفتها بـ”الرياح المعاكسة في المعنويات”، وعلى رأسها الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، ومواقفه السياسية، والحوادث الحدودية المثيرة للجدل، وحتى التحذيرات التي تصدرها بعض الدول لمواطنيها بشأن السفر إلى أمريكا.
المقاطعة تتسع: من المنتجات إلى الوجهات
هذا التراجع في السياحة لا يمكن فصله عن موجة متصاعدة من المعارضة لسياسات الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب، والتي تترجم أحياناً إلى مقاطعة اقتصادية وشعبية، فالحرب التجارية التي أطلقها ترامب ولم تستثنِ حلفاء تقليديين، لم تؤثر فقط على تدفق السلع، بل أثرت أيضاً على “المنتج” الأمريكي ككل، بما في ذلك الولايات المتحدة كوجهة سياحية.
في هذا السياق، تكتسب دراسات مثل تلك التي نشر عنها مرصد بقش أهمية خاصة، حيث كانت دراسة ألمانية حديثة قد كشفت عن تزايد ملحوظ في توجه المستهلكين الألمان، وامتداداً الأوروبيين، نحو مقاطعة المنتجات الأمريكية.
فقد أظهر الاستطلاع، الذي أجراه معهد “إنوفاكت” المرموق بتكليف من بوابة “فيريفوكس” للمقارنات، أن 34.3% من الألمان المشاركين قلصوا بالفعل إقبالهم على السلع والخدمات القادمة من الولايات المتحدة، فيما عبر 17% آخرون عن عزمهم تبني هذا النهج في المستقبل القريب.
المسح، الذي تم عبر الإنترنت بين 30 أبريل وأوائل مايو 2025، شمل عينة من 1015 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 18 و79 عاماً، كاشفاً عن قلق خاص يحيط بالهواتف الذكية الأمريكية، حيث أقر ثلث المستطلعة آراؤهم بمراجعة سلوكهم الشرائي تجاهها.
كما امتد هذا التحفظ ليشمل أجهزة الكمبيوتر ومنصات التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل “إنستغرام” و”إكس”، التي أبدى نحو 30% عدم الرغبة في استخدام منتجاتها.
أصداء الحرب التجارية: من بكين إلى بروكسل وآبل
تُعد التهديدات الأخيرة ضد الاتحاد الأوروبي وآبل مجرد فصل جديد في ملحمة الحرب التجارية التي بدأها ترامب، واستهدفت الصين في المقام الأول قبل أن تتسع لتشمل العالم، ورغم بعض التهدئة والتراجعات التكتيكية، يظل نهج “أمريكا أولاً” القائم على فرض الرسوم كأداة ضغط هو المهيمن.
ويأتي الضغط على آبل لنقل إنتاجها إلى أمريكا ليصطدم بواقع الصناعة والتكلفة، بينما يثير تهديد الاتحاد الأوروبي بنسبة 50% مخاوف من ركود عالمي وارتفاع هائل في أسعار السلع الاستهلاكية. وقد قوبلت هذه التهديدات بردود فعل أوروبية تراوحت بين التأكيد على ضرورة “الاحترام المتبادل” واعتبارها “تكتيكاً تفاوضياً”، لكن القلق يظل هو الشعور السائد.