غزة: الأمم المتحدة تقر بـ”مستوى موت ودمار لا مثيل له”… وعنصر أمن أمريكي يفضح آلية “قتل الفلسطينيين” المجوعين

تقارير | بقش
تكشف المجاعة غير المعلَنة في قطاع غزة أن النظام الإنساني العالمي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأن مستوى الموت والدمار في القطاع المحاصر لا مثيل له، حسب تعبيرات الأمين العام للأمم المتحدة. ويأتي مثل هذا التصريح بينما يموت الكثيرون في غزة على مرأى ومسمع من العالم، بينما يموت آخرون بصمت، دون أن تلتقطهم أي كاميرات، أو توثق رحيلهم أي مستندات وبيانات، وهذا ما يجعل المجتمع الدولي يتحفظ إزاء إعلان “المجاعة” رسمياً في غزة.
مع تكثيف إسرائيل عملياتها وإصدار أوامر إخلاء جديدة في دير البلح، وهو دمار يُضاف إلى دمار، تكتفي الأمم المتحدة بالقول إنها تشعر بـ”الفزع” إزاء استهداف منشآتها بما في ذلك منظمة الصحة العالمية ومخزنها الرئيسي في غزة، بينما تنهار كافة أشكال الحياة في القطاع الذي تعصف به المجاعة بسبب الحصار الإسرائيلي المطبِق.
فالقطاع يمر بانعدام شبه كامل للغذاء، في وقت تتكرر فيه مشاهد إغماء الأطفال والنساء وكبار السن بالشوارع وأمام مراكز توزيع المساعدات، وسط شح بالغ في المواد الأساسية وتقييد صارم لإدخال الإغاثة الإنسانية، بينما المسعفون حتى يتماسكون بصعوبة بالغة ليساعدوا المصابين والجوعى، وفقاً للمشاهد التي يرصدها بقش.
عنصر أمن أمريكي يفضح المقتلة الممنهجة
مؤسسة غزة الإنسانية، التي أنشأتها الولايات المتحدة وإسرائيل، ضالعة في زيادة مأساة المجوَّعين في غزة، إذ أقامت هذه المؤسسة الأمريكية أربع نقاط توزيع رئيسية ثلاث منها في منطقة تل السلطان في رفح (جنوب)، وواحدة على محور نتساريم الذي يفصل شمالي القطاع عن وسطه وجنوبه. وهذه المؤسسة تفتقر للنزاهة والحياد، وتتولى عناصرها الأمنية “قتل” الباحثين عن الطعام.
خرج عنصر أمن أمريكي ليقدّم اعترافات فضحت ذلك، فقد شارك العنصر سابقاً بتأمين مراكز توزيع المساعدات في قطاع غزة، وقال إن الموظفين في تلك المراكز يعاملون سكان القطاع بشكل سيء ويعرضون حياتهم للخطر، وأكد أنه لم ير طوال سنوات خدمته في الجيش الأمريكي استخداماً للقوة بشكل مفرط على هذا النحو الذي شاهده ضد مدنيين عُزَّل في غزة، وهو ما دفعه إلى ترك العمل.
وأطلق حراس أمن أمريكيون النار على الفلسطينيين المنتظرين في الطوابير، ووفقاً للعنصر الأمريكي فإن مراكز المساعدات أقيمت بعيداً عن المناطق المأهولة، ما يضطر سكان القطاع لحمل طرود ثقيلة مشياً على الأقدام وسط مناطق القتال.
وحسب متابعات بقش، فقد أقر الجيش الإسرائيلي بتعرض مدنيين فلسطينيين لـ”الأذى” في مراكز توزيع المساعدات بقطاع غزة، قائلاً إن تعليمات جديدة صدرت للقوات بناء على “الدروس المستفادة”.
+100 منظمة تطالب الحكومات بفعل شيء
مع تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، طالبت 111 منظمة إغاثية وحقوقية عالمية الحكومات باتخاذ إجراءات مع انتشار المجاعة في غزة، بما في ذلك المطالبة بوقف فوري ودائم للحرب ورفع جميع القيود المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية، وحذرت المنظمات في بيان مشترك طالعه بقش من انتشار المجاعة الجماعية في جميع أنحاء القطاع في الوقت الذي تتكدس فيه أطنان من المواد الغذائية والمياه النظيفة والإمدادات الطبية وغيرها من المواد خارج غزة مع منع المنظمات الإنسانية من الدخول أو إيصال المساعدات.
قالت المنظمات في البيان إن عمال الإغاثة الآن ينضمون إلى طوابير الغذاء نفسها، ويخاطرون بالتعرض للقصف لمجرد إطعام عائلاتهم، ومع نفاد الإمدادات الآن بالكامل، ترى المنظمات الإنسانية زملاءها وشركاءها وهم يذبلون أمام أعينهم. وأضاف البيان: “تسببت القيود التي يفرضها الكيان الإسرائيلي والتأخير في ظل الحصار الشامل في إيجاد حالة من الفوضى والمجاعة والموت”.
ودعت المنظمات الحكومات إلى المطالبة برفع جميع القيود، وفتح جميع المعابر البرية، وضمان وصول المساعدات إلى كل أنحاء غزة، ورفض التوزيع الذي يتحكم به جيش الاحتلال الإسرائيلي واستعادة استجابة إنسانية مبدئية بقيادة الأمم المتحدة، وذكرت أن على الدول اتخاذ “تدابير ملموسة لإنهاء الحصار”، مثل وقف نقل الأسلحة والذخيرة.
لماذا لم تُعلن المجاعة رسمياً؟
رغم كل ذلك، ورغم أن الجوع يعصف حتى بالمسعفين والمنتسبين إلى المنظمات الدولية، لم يتم إعلان المجاعة رسمياً في القطاع، من قِبل الأمم المتحدة، وتشير تحليلات مرصد “بقش” إلى أن السبب ربما يعود إلى نقص البيانات الميدانية الموثوقة، نتيجة الحصار والظروف الأمنية التي منعت الصحفيين وعمال الإغاثة من الوصول إلى المناطق المنكوبة.
كما انهار النظام الصحي في غزة، وهو ما أدى إلى غياب التوثيق لحالات الوفاة المرتبطة بالجوع، إذ إن كثيراً من الضحايا فارقوا الحياة خارج المستشفيات، بعيداً عن الإحصاءات الرسمية. ومثل هذه الفجوات الموجودة، تجعل استيفاء معايير المجاعة أمراً معقداً، رغم أن الصور والروايات من الميدان تروي مأساة لا لبس فيها.
ويعتقد المجتمع الدولي أن الإعلان الرسمي عن “المجاعة” يُعد خطوة نادرة وشديدة التحفظ، إذ لا يتم الإعلان عنها إلا في حالات استثنائية للغاية، وبعد تحقق معايير صارمة يصعب استيفاؤها بالكامل، خاصة في ظروف النزاع، ما يجعل الجهات الأممية حذرةً قبل إطلاق هذا الوصف رسمياً.
وحسب تتبع “بقش” لهذا الملف، فإن المجاعة لم تُعلن إلا مرتين خلال السنوات الأربع عشرة الأخيرة، مرة في الصومال عام 2011، ومرة في جنوب السودان عام 2017، وذلك يعبّر عن صرامة الشروط وضرورة توافر أدلة رسمية، رغم أن مشاهد المجاعة قد تكون ظاهرة للعيان ومن المفترض أن تطغى على أي مستندات وبيانات.