الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

غزة بين قسوة الحرب ومأساة “الشتاء”.. كارثة إنسانية تتشكل على مرأى العالم

تقارير | بقش

في الوقت الذي لم يلتقط فيه سكان قطاع غزة أنفاسهم بعد أكثر من عامين على الإبادة الجماعية والقصف المتواصل، جاء “المنخفض الجوي” ليضيف طبقة جديدة من الألم والعجز، ويدفع نحو كارثة إنسانية تتكشف ملامحها ساعة بعد أخرى.

فالمشهد الذي تنقله الجهات الرسمية والأهلية والدفاع المدني وبلديات القطاع، التي يتابع مرصد “بقش” تصريحاتها أولاً بأول، يُظهر غزة المُنهَكة وهي تدخل في مواجهة غير متكافئة مع السيول والبرد والعواصف، في ظل بنية تحتية منهارة وغياب شبه كامل لوسائل الإغاثة.

غزة ستغرق.. والنازحون في كارثة جوية

في الساعات الأولى من قدوم المنخفض، دقّ الدفاع المدني في غزة ناقوس الخطر، حيث قدّم صورة شديدة القتامة، محذراً من أن المخيمات ومراكز الإيواء ستتعرض لضرر كبير للغاية, وأن المباني الآيلة للسقوط قد تنهار فوق رؤوس النازحين.

وأكد أن المخيمات المنخفضة ستغرق بالكامل، وأن القطاع –المدمّر في كل مناحي الحياة– “سيغرق جراء غزارة الأمطار المتوقعة”، مشيراً إلى أن الحرب “توقفت جزئياً لكنها تعود بصورة أخرى: الغرق والبرد والسيول والانهيارات”.

لذلك طالب الدفاع المدني بغزة المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لإدخال الكرفانات المجهزة وبنية تحتية مناسبة، معتبراً أن الأمر صار ضرورة لإنقاذ مئات آلاف العائلات.

من جانبه، وصف المكتب الإعلامي الحكومي الواقع في غزة بأنه كارثي، مؤكداً أن جيش الاحتلال لم يلتزم بوقف إطلاق النار ولا بالبروتوكول الإنساني. وأشار إلى أن الخروق المتواصلة أدت لاستشهاد 386 شخصاً رغم الحديث عن التهدئة.

ومع تضاعف تأثير المنخفض الجوي، أشار المكتب الحكومي إلى أن الوضع الإنساني يزداد سوءاً، في وقت تحتاج فيه غزة إلى 250 ألف خيمة وبيت متنقل، بينما يوجد 288 ألف أسرة بلا مأوى.

وبينما يُفترض أن تدخل مئات الآلاف من الخيام، فإن 6 آلاف شاحنة محملة بالمساعدات عالقة عند المعابر، ما دفع المسؤول إلى إطلاق نداء استغاثة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومجلس الأمن للضغط على الاحتلال.

أما شبكة المنظمات الأهلية فأكدت أن الاحتلال يعرقل إدخال المساعدات الأساسية التي يحتاجها القطاع لمواجهة المنخفض الجوي. العرقلة تعني بشكل مباشر عجزاً تاماً عن الاستجابة السريعة للمشهد المتدهور. ودَعَت الأطراف الدولية إلى تحمّل مسؤولياتها والضغط على الاحتلال لوقف القيود المفروضة على إدخال المواد الحيوية.

الآليات مدمرة والوقود شحيح والطرق غارقة

الصورة الميدانية الأكثر تفصيلاً جاءت على لسان رئيس بلدية غزة يحيى السراج. السراج أوضح أن الأمطار الغزيرة أدت إلى ارتفاع كبير في منسوب المياه، وغرق العديد من مراكز الإيواء، وانقطاع الطرق.

وقال إن فرق الطوارئ عملت طوال الليل، لكنها واجهت مشكلة شبه مستحيلة: 85% من آليات البلدية مدمرة بالكامل، والبقية مؤجرة من القطاع الخاص وقديمة وغير مناسبة، وكميات الوقود قليلة جداً، وشبكات تصريف الأمطار مدمرة وتداخلت مع شبكات الصرف الصحي، ما تسبب في غمر مناطق واسعة بالمياه، خاصة المناطق القريبة من مراكز الإيواء.

أوضح السراج وفق اطلاع بقش على تصريحاته أن ما تقوم به البلديات حالياً ليس أكثر من “إسعافات أولية”، وأن الحل الجذري يكمن في إدخال مواد البناء والآليات اللازمة فوراً لإعادة بناء القدرة التشغيلية.

كما أعاد أمجد الشوا التأكيد على أن ما دخل حتى الآن لا يتجاوز 40 ألف خيمة من أصل 300 ألف يحتاجها القطاع، وأن الاحتلال يمنع إدخال الآليات وشافطات المياه، مما يفاقم هشاشة الوضع الإنساني.

وحذرت السلطة الفلسطينية من أن استمرار الوضع على حاله قد يؤدي إلى وفيات في صفوف الأطفال والمسنين، مع انخفاض درجات الحرارة ونقص وسائل الحماية داخل الخيام. وقالت غرفة العمليات في بيانها إن الأمطار الغزيرة أدت إلى غرق عشرات الخيام وتلف ممتلكات النازحين، مؤكدة أن مراكز الإيواء تفتقر لوسائل الحماية الأساسية.

وطالبت الحكومة المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال للسماح بتدفق المساعدات التي تشمل الخيام والوحدات السكنية الجاهزة، باعتبارها الحل الأمثل لحماية النازحين في الشتاء.

ويشبه المشهد العام في غزة اليوم إعصاراً إنسانياً متكاملاً، عناصره: بنية تحتية مدمرة بالكامل نتيجة الحرب، مئات آلاف النازحين في خيام هشّة لا تصمد أمام نسمة هواء، حصار مستمر يمنع دخول المساعدات والآليات، منخفض جوي شديد يزيد منسوب المياه ويغرق الطرق والمخيمات، عجز كامل في الوقود والشاحنات والمواد التشغيلية.

وفي هذه الظروف، القطاع غير قادر على الصمود أمام موجة جديدة من الشتاء القارس، ما يجعل احتمال وقوع المزيد من الوفيات والإصابات وانهيار المخيمات مسألة وقت، وفي حين يُلقي الاحتلال بثقله على معابر القطاع، ويواصل خروقاته العسكرية، تتسع الفجوة بين حجم الكارثة وبين ما يمكن للجهات المحلية فعله في ظل غياب الموارد.

زر الذهاب إلى الأعلى