
اندلعت احتجاجات غاضبة في شوارع مدينة عدن، السبت، مع خروج المواطنين للتعبير عن سخطهم المتزايد إزاء الانهيار الشامل في الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الانقطاعات المتواصلة للتيار الكهربائي لساعات طويلة، بالتزامن مع التدهور الكارثي للعملة المحلية وتفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة.
ووسط الأزمة الخانقة، أعلنت المؤسسة العامة لكهرباء عدن عن إعادة تشغيل محطة الرئيس “بترومسيلة” صباح اليوم الأحد، لكنها حذرت وفق بيان حصل بقش على نسخة منه من أن استمرار عملها مرهون بتدفق إمدادات الوقود الشحيحة والمتقطعة.
وشهدت أحياء متفرقة في عدن، مثل كريتر و الشيخ عثمان، تظاهرات شعبية مساء السبت، حيث قام محتجون بإغلاق بعض الشوارع وإشعال الإطارات، للتنديد بانقطاع التيار الكهربائي الذي تجاوز في بعض المناطق 12 ساعة يومياً، مما فاقم من معاناة السكان في ظل ارتفاع درجات الحرارة مع دخول فصل الصيف.
لم تقتصر هتافات المحتجين على أزمة الكهرباء، بل امتدت لتشمل الانهيار المستمر لقيمة الريال اليمني مقابل الدولار الذي تجاوز سعر صرفه 2500 ريال، حسب متابعات بقش، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية وجعل حياة المواطنين لا تطاق، في ظل غياب حلول جذرية من قبل حكومة عدن والسلطات المحلية.
انهيار اقتصادي متسارع
تأتي هذه الاحتجاجات في وقت يواصل فيه الريال اليمني سقوطه الحر في مناطق سيطرة حكومة عدن حيث تشير تعاملات اليوم الأحد إلى تجاوزه حاجز 2540 ريالاً للدولار الواحد، مما يمحو القوة الشرائية للمواطنين ويزيد من صعوبة تأمين أبسط متطلبات الحياة.
هذا الانهيار الاقتصادي المتسارع يضع ضغوطاً هائلة على كاهل السكان، ويؤثر على كافة مناحي الحياة، من توفير الغذاء والدواء إلى القدرة على تشغيل المولدات الخاصة التي أصبحت بديلاً لا غنى عنه للكهرباء الحكومية المنقطعة.
كهرباء عدن: عودة مؤقتة ونداء استغاثة
في محاولة لتخفيف حدة الأزمة، أعلنت المؤسسة العامة لكهرباء عدن عن إعادة تشغيل محطة الرئيس “بترومسيلة” وإعادتها للخدمة.
هذه العودة جاءت “عقب تجميع كميات من النفط الخام المخصص لأيام (الخميس – الجمعة – السبت)”، مما يكشف عن إدارة الأزمة بموجب اليوم الواحد فقط، وليس إدارة طويلة الأمد، وسط نقص الوقود الحاد.
وحذرت المؤسسة بشدة من أن هذه العودة هشة ومؤقتة، مؤكدةً أن “استمرارية تشغيل محطة الرئيس بحدها الأدنى من القدرة الإنتاجية مرهون باستمرار تدفق النفط الخام من حضرموت بواقع أربع ناقلات ومثلها من منشأة صافر” بمأرب.
كما كشفت المؤسسة عن واقع مقلق، مشيرةً إلى أن “الكمية الحالية القادمة من صافر لا تتجاوز 900 برميل وهي نصف الكمية المطلوبة” لتشغيل المحطة بالحد الأدنى المطلوب وفق اطلاع بقش. وهذا النقص الحاد في وقود النفط الخام القادم من صافر يضع استمرارية تشغيل المحطة على المحك، ويهدد بعودة المدينة إلى الظلام الدامس في أي لحظة.
وفي ظل هذا الوضع الحرج، جددت المؤسسة العامة لكهرباء عدن دعوتها العاجلة “لجميع الجهات المعنية للعمل على ضمان تزويد محطات التوليد بكميات كافية ومنتظمة من الوقود”. وشددت على أن هذا هو السبيل الوحيد “لضمان تشغيل كافة المحطات وإعادتها للخدمة وتخفيف المعاناة على أهالي العاصمة عدن جراء الصيف الحالي”.
ويمثل هذا النداء اعترافاً رسمياً بحجم الأزمة وبأن الحلول تتجاوز قدرة المؤسسة وحدها، وتتطلب تدخلاً عاجلاً من الحكومة والسلطات العليا لتأمين تدفقات الوقود اللازمة من مصادره في حضرموت و مأرب، ومعالجة أي إشكاليات لوجستية أو مالية أو سياسية تعيق وصوله.
ويعيش سكان عدن والمناطق المجاورة معاناة يومية مركبة نتيجة هذا الانهيار المتعدد الأوجه. فالانقطاعات الطويلة للكهرباء لا تعني فقط العيش في ظلام وحرارة لا تطاق، بل تؤثر أيضاً على ضخ المياه للمنازل، وتتسبب في تلف المواد الغذائية، وتشل حركة المستشفيات والمراكز الصحية، وتجبر المحال التجارية والورش على الإغلاق أو تحمل تكاليف باهظة لتشغيل المولدات الخاصة التي تعتمد بدورها على وقود البنزين أو الديزل.
هذا الوضع يفاقم من حالة اليأس والإحباط لدى المواطنين الذين يشعرون بأنهم متروكون لمصيرهم في مواجهة أزمات متلاحقة دون حلول تلوح في الأفق. ويبقى الوضع في اليمن عموماً شديد الهشاشة، حيث تتشابك الأزمة الاقتصادية مع أزمة الخدمات والانقسامات السياسية والحرب.