غولدمان ساكس: السعودية تتجه لإصدارات دين دولية غير مسبوقة في 2026 مع توسّع الإنفاق الاستثماري

الاقتصاد العربي | بقش
تدخل السعودية مرحلة مالية جديدة تتسع فيها أدوات التمويل وتزداد فيها الحاجة إلى سيولة ضخمة لدعم مشاريع التحول الاقتصادي. فوفقاً لتقديرات غولدمان ساكس –نقلًا عن بلومبيرغ ومصادر مالية سعودية– تستعد المملكة لرفع إصداراتها من أدوات الدين الدولية إلى مستوى قياسي يبلغ 25 مليار دولار في 2026، مقارنةً بنحو 20 مليار دولار هذا العام، في خطوة تُرسّخ مكانتها كأكبر مُصدّر للديون السيادية داخل الأسواق الناشئة.
وتعكس التقديرات المالية الأخيرة توجهاً واضحاً لدى الرياض: الاستمرار في تمويل مشاريع رؤية 2030 بوتيرة مرتفعة، رغم اتساع العجز وتراجع الإيرادات النفطية. وحسب البيانات الرسمية لوزارة المالية التي تتبَّعها “بقش”، فإن ميزانية العام المقبل تعتمد سعراً مفترضاً لبرميل النفط بين 60 و63 دولاراً، وهو مستوى أقل من الأسعار السائدة في السوق خلال 2024–2025، ما يعكس درجة تحفظ في تقدير الإيرادات.
هذا الافتراض يقود إلى تقدير عجز يصل إلى 165 مليار ريال في 2026، إلى جانب ارتفاع متوقع في الدين العام ليبلغ 1.62 تريليون ريال، أو 32.7% من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من هذا التوسع في المديونية، تؤكد الحكومة أنها ماضية في الإنفاق الاستثماري لاعتبارات تتعلق بجدوى المشاريع الكبرى على المديين المتوسط والطويل، معتبرة أن عوائدها الاقتصادية تفوق تكلفتها التمويلية.
وتشير تقديرات بلومبيرغ و”غولدمان ساكس” إلى أن السعودية باتت تعتمد استراتيجية “تمويل انتقائي” تجمع بين إصدار دين دولي واسع النطاق، واقتراض محلي كبير الحجم، وإعادة تمويل الديون المستحقة، ضمن إطار ديناميكي يعكس متغيرات أسعار النفط وتحولات أسواق الدين العالمية.
السعودية في صدارة الأسواق الناشئة
توقّع “غولدمان ساكس” أن ترفع السعودية إصدار أدوات الدين الدولية إلى 25 مليار دولار في 2026، وهو مستوى يُعدّ الأكبر في تاريخ المملكة على الإطلاق. ويأتي هذا التوسع في وقت تشهد فيه أسواق الدين العالمية طلباً متزايداً على السندات السيادية ذات التصنيف المرتفع، ما يمنح المملكة فرصة للاقتراض بتكاليف تنافسية رغم ظروف الاقتصاد العالمي.
وترى المؤسسات الاستثمارية أن السعودية باتت لاعباً رئيسياً في سوق السندات السيادية العالمية، خصوصاً بعد توسّع الإصدارات المرتبطة بالاستدامة والصكوك الإسلامية، التي حصدت اهتماماً كبيراً لدى المستثمرين الدوليين خلال الأعوام الماضية.
وتُظهر بيانات وزارة المالية – وفق ما نقلته بلومبيرغ – أن هذه الزيادة ليست مجرد استجابة ظرفية للعجز، بل استراتيجية طويلة الأجل لتمديد آجال الديون وتنويع مصادر التمويل وتقليل الاعتماد على التمويل المحلي.
كما يربط محللون تابع بقش تقديراتهم، بين زيادة الإصدارات والاستمرار القوي في تنفيذ مشاريع المدن الضخمة والبنية التحتية المستقبلية، وهي مشاريع تحتاج إلى تمويل دولي بحجم يتناسب مع طموحات رؤية 2030.
عجز مالي مُتسع… ونفط منخفض المفترض في الميزانية
تقدّر السعودية سعراً متحفظاً لبرميل النفط بين 60 و63 دولاراً في موازنة 2026، وهو ما يعكس تفضيلاً للاستدامة المالية على حساب التوقعات المتفائلة. ووفقاً لهذه الفرضيات، سيصل العجز المالي إلى نحو 165 مليار ريال.
وترى وزارة المالية – كما نقلت عنها بلومبيرغ – أن العجز سيتم التعامل معه عبر مزيج من الإصدارات الدولية والاقتراض المحلي، إلى جانب إعادة تمويل بعض الديون القائمة. ويُعد هذا التوجه جزءاً من استراتيجية دين متوسطة المدى تهدف إلى الحفاظ على مستويات دين “مقبولة” ومرنة.
ويشير “غولدمان ساكس” إلى أن اتساع العجز لا يعني تراجعاً في ثقة الدولة بإستراتيجيتها الاقتصادية، بل يعكس زيادة حجم الاستثمارات العامة وتكاليف المشاريع الاستراتيجية. فالمملكة تعتمد حالياً على سياسة إنفاق توسعية تستهدف تحريك الاقتصاد المحلي وزيادة دور القطاعات غير النفطية.
ومع أن الإيرادات النفطية تراجعت خلال العامين الماضيين، فإن الحكومة تُصرّ على أن استمرار الإنفاق الاستثماري ضرورة لضمان تنافسية الاقتصاد على المدى البعيد.
ضغوط على السيولة الداخلية
يرجّح “غولدمان ساكس” أن يصل الاقتراض المحلي إلى 75 مليار دولار في 2026، وهو رقم يعكس استمرار الضغط على السيولة المحلية، خصوصاً في ظل توسع البنوك بتمويل مشاريع داخلية ضخمة.
وتُظهر تقديرات البنك الاستثماري أن الدين العام قد يصل إلى 44% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2028، وهي نسبة لا تزال أقل من متوسط الدول المتقدمة، لكنها تمثل وتيرة تصاعدية تتطلب إدارة حذرة لمسار المديونية.
ويؤكد وزير المالية محمد الجدعان أن المملكة ستستدين بمستوى العجز، إضافة إلى عمليات إعادة التمويل، مشيراً إلى أن الحكومة ترى أن “تكلفة الدين حالياً أقل بكثير من العوائد الاقتصادية للمشاريع الكبرى”.
وفي الوقت نفسه، تتبنى السعودية سياسة توسيع نطاق المستثمرين المحليين والدوليين في سوق أدوات الدين، بهدف تعزيز عمق السوق ورفع مستوى السيولة.
يعكس تقرير “غولدمان ساكس” وفق اطلاع بقش صورة لاقتصاد يتجه نحو مرحلة توسع مالي غير مسبوقة، حيث يُستخدم الدين كأداة استراتيجية لتمويل التحول الاقتصادي بدلاً من اعتباره مجرد أداة لسد العجز.
ورغم اتساع الفجوة المالية المتوقعة في 2026، تبدو المملكة واثقة من قدرتها على إدارة مستويات الدين ضمن نطاق آمن، مستفيدة من تصنيفها الائتماني المرتفع، وعمق أسواق الدين الدولية، وقوة مشاريعها الاستثمارية.
ومع توقع نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 4.6% العام المقبل، مدفوعاً بنمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 4.8%، فإن المسار المالي للمملكة سيظل مرهوناً بتوازن دقيق بين الإنفاق الاستثماري الحيوي وتكلفة التمويل المتزايدة، إلى جانب تحولات أسعار النفط التي تبقى المحدد الأكبر لطاقة الحكومة على تنفيذ خططها الطموحة.


