تقارير
أخر الأخبار

فنزويلا تكسر الحصار النفطي الأمريكي.. ما قصة “السفن الشبحية”؟

تقارير | بقش

رغم مضي سنوات من العقوبات الأمريكية المشددة، لم يتوقف شريان النفط الفنزويلي عن التدفق كلياً، إذ وجدت فنزويلا نفسها مضطرة إلى تطوير شبكة معقدة من الحيل اللوجستية والتقنية، قوامها ما بات يُعرف بـ”أسطول الظل”، لتصدير النفط والالتفاف على القيود المفروضة على نظام الرئيس نيكولاس مادورو.

لكن التحركات الأمريكية الأخيرة، والحصار النفطي المفروض، أدى إلى تضييق هذا الهامش الضيق من المناورة، وقد يكون على وشك الانكماش وفق أحدث التقارير التي اطلع عليها مرصد “بقش” من وكالة بلومبيرغ.

ويشير مصطلح أسطول الظل إلى شبكة من الناقلات البحرية القديمة، غالباً غير المؤمّن عليها، مملوكة لشركات وهمية، أو مسجلة في دول ذات رقابة ضعيفة، ولا تعمل هذه السفن ضمن النظام الملاحي التقليدي، بل تعتمد على تغيير الأسماء والهويات، وانتحال هوية سفن مفككة أو خارجة عن الخدمة، ورفع أعلام دول أخرى بصورة مشكوك فيها، والتلاعب بإشارات التتبع الإلكترونية (AIS)، وإطفاء أجهزة الإرسال أثناء الإبحار في نقاط حساسة.

الأسطول

حسب تقديرات تتبَّعها بقش من منصات الشحن، يضم أسطول الظل العالمي نحو 1500 سفينة، تعتمد فنزويلا وحدها على قرابة 400 ناقلة منها لتسويق نفطها.

وتُعد السفينة الشبحية “فريسيا 1” نموذجاً يجسد هذه الآلية، فهذه الناقلة البالغ عمرها 27 عاماً يُفترض أنها حُوّلت إلى خردة عام 2021، لكنها عادت للظهور في بيانات التتبع كسفينة نشطة متجهة إلى فنزويلا، ما يرجّح أنها ليست السفينة الأصلية، بل ناقلة أخرى تنتحل هويتها بالكامل.

وتعكس تحركات “فريسيا 1” بين فنزويلا وجنوب شرق آسيا، وإطفاؤها أجهزة الإرسال قرب سواحل غيانا الفرنسية، نمطاً مألوفاً لدى أسطول الظل، وهو الظهور عند الحاجة والاختفاء عند الخطر.

وإلى جانب انتحال الهوية، يُعدّ التضليل الإلكتروني الركيزة الأساسية لعمل أسطول الظل، وتكشف قضية الناقلة “سكيبر”، أول ناقلة فنزويلية تستهدفها القوات الأمريكية مباشرة، حجم هذا التلاعب كما تقول بلومبيرغ. وقد أظهرت أنظمة التتبع أن السفينة سكيبر متوقفة قبالة سواحل غيانا، لكن صور الأقمار الصناعية التُقطت في 14 نوفمبر أظهرتها راسية داخل ميناء خوسيه الفنزويلي، ولم تكشف السفينة عن موقعها الحقيقي إلا يوم احتجازها.

وأفادت “سكيبر” عند احتجازها بأنها تبحر تحت علم غيانا، وهو ما سارعت غيانا إلى الاعتراض عليه. وهنا تظهر إشكالية أخرى، فكل سفينة يجب أن تكون مسجلة رسمياً لدى دولة علم، ودولة العلم هي المسؤولة عن السلامة والطاقم والتفتيش.

وتلجأ ناقلات أسطول الظل إلى أعلام ملائمة أو وثائق تسجيل مزورة، أو تبديل الأعلام عند الاقتراب من مناطق حساسة.

ويواجه قطاع النفط الفنزويلي مأزقاً يتمثل في أن العقوبات الأمريكية حرمت كاراكاس من شركات الشحن الكبرى، وشركات التأمين، والنظام المالي الدولي.

ويمنع ضعف التمويل الدولة من تحديث أسطولها، أو بناء ناقلات جديدة، ما يزيد من تقادم الأسطول الوطني وعدم كفايته للتصدير المنتظم. لهذا، تعتمد فنزويلا على ناقلات تُوفّرها أطراف خارجية، وغالباً مقابل خصومات كبيرة على النفط.

نفط أقل لكن مؤثر

صدّرت فنزويلا منذ بداية العام 2025 نحو 900 ألف برميل يومياً، وفق بيانات طالعها بقش لشركة “كبلر”، ورغم أن هذا الرقم أقل بكثير من صادراتها التاريخية، إلا أنه كافٍ لإبقاء الاقتصاد واقفاً على قدميه، ومصدر تمويل أساسي لحكومة مادورو، ومثير لغضب واشنطن في آن واحد.

والجديد في المشهد هو تحول واشنطن من العقوبات الورقية إلى التدخل البحري المباشر، وتفتيش ثلاث ناقلات قرب السواحل الفنزويلية، واحتجاز الناقلات بذريعة مكافحة التهريب.

وقال ترامب في تصريحات أخيرة تابعها بقش، إن الولايات المتحدة ستحتفظ بالنفط المصادَر، وقد تلجأ إلى “بيعها”.

ويعلّ مارك دوغلاس، محلل مجال الملاحة البحرية لدى “ستاربورد ماريتايم إنتليجنس”، بقوله إنه “رغم العقوبات الأمريكية على العديد من السفن والكيانات، فإنها لم توقف التدفقات حتى الآن. وسيشكّل التفتيش الفعلي الخطوة التالية”، وأضاف لبلومبيرغ: “هذه إشارة على أن تزييف المواقع والمستندات لم يعد وسيلة للحماية، بل بات يجعل منك هدفاً”.

وتشير التحليلات إلى تداعيات على فنزويلا تشمل ارتفاع مخاطر الشحن وزيادة كلفة النقل والتأمين واحتمال تراجع الصادرات إذا تصاعدت عمليات التفتيش، وضغطاً إضافياً على اقتصاد هش أصلاً.

أما على سوق النفط، فإن أي تراجع حاد في صادرات فنزويلا قد يقلّص الإمدادات العالمية، ويضيف ضغطاً على الأسعار، خصوصاً إذا تزامن مع أزمات أخرى في أسواق الطاقة.

وتكشف مسألة السفن الشبحية وأساطيل الظل أن معركة النفط الفنزويلي أصبحت في مواجهة بحرية وتقنية وسياسية، ففي الوقت الذي طوّرت فيه كاراكاس أدوات معقدة للالتفاف على الحصار، يبدو أن واشنطن قررت نقل المواجهة إلى البحر، حيث لا تكفي الأسماء المزيفة ولا الإشارات المعطّلة للاختباء طويلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى