الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

في ظل أزمة تمويل مشاريع رؤية 2030… أرامكو تبيع قلب الجافورة لتحصين خزينة الدولة

الاقتصاد العربي | بقش

تدخل شركة أرامكو السعودية في مراحلها الأخيرة من محادثات متقدمة لبيع حصة كبيرة من أصولها في مشروع الجافورة العملاق للغاز الطبيعي، ضمن صفقة تقدر قيمتها بنحو 10 مليارات دولار. وتضم الصفقة أصولاً استراتيجية في مجال المعالجة والنقل، بما في ذلك خطوط أنابيب ومرافق بنية تحتية تخدم المشروع الذي يُعد من أضخم استثمارات أرامكو خارج قطاع النفط الخام.

التحالف الاستثماري الذي يقترب من إبرام الصفقة تقوده شركة “بلاك روك” الأمريكية، من خلال وحدتها المختصة بالبنية التحتية “غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز”، وقد أشارت مصادر مطلعة إلى أن الاتفاق النهائي قد يُعلن خلال أيام، في واحدة من أكبر عمليات الشراكة بين القطاع العام في المملكة العربية السعودية والاستثمارات الأجنبية خلال العام الجاري.

مشروع الجافورة، الذي تتجاوز كلفته الإجمالية 100 مليار دولار وفق اطلاع مرصد بقش، يمثل محوراً رئيسياً في خطة المملكة العربية السعودية لتوسيع قاعدة إنتاج الغاز الطبيعي وتغطية احتياجات محطات الكهرباء المحلية، مع فتح الباب أمام تصدير الفائض في المستقبل. ويتميز المشروع بكونه أحد أكبر الحقول غير التقليدية، حيث يُستخرج الغاز من طبقات صخرية عميقة باستخدام تقنيات معقدة.

التحول في سياسات التمويل… والضغط على السيولة

تُظهر هذه الصفقة تحوّلاً واضحاً في توجه المملكة نحو التمويل غير التقليدي، حيث تسعى إلى إشراك المستثمرين العالميين في أصول سيادية بغرض تأمين سيولة فورية، دون اللجوء المباشر إلى الاقتراض الحكومي. بهذا، تستمر أرامكو في سياسة بيع حصص جزئية في بنيتها التحتية التشغيلية، كما فعلت سابقاً في شبكة أنابيب النفط والغاز، لجذب رأس المال الخارجي.

لكن رغم أهمية هذه الشراكات، فإنها تأتي في سياق اقتصادي معقد، تعاني فيه المالية العامة السعودية من ضغوط متزايدة. فقد عادت البلاد إلى تسجيل عجز مالي متنامٍ خلال العامين الماضيين حسب مراجعات بقش، في ظل تراجع أسعار النفط وتوسع النفقات العامة على مشاريع رؤية 2030.

وتشير بيانات وزارة المالية السعودية إلى أن الدين العام للمملكة العربية السعودية تخطى حاجز 350 مليار دولار، مع ارتفاع متواصل في مستويات الإنفاق الرأسمالي، الذي تستهلك المشاريع الكبرى – وعلى رأسها “نيوم” – الجزء الأكبر منه، مما يدفع بالمملكة إلى البحث عن حلول تمويلية بديلة عبر الصفقات السيادية.

نيوم… مشروع الأحلام الذي تحول إلى عبء واقعي

مشروع “نيوم”، الذي تم الترويج له باعتباره مستقبل الاقتصاد السعودي، بات يواجه تحديات متسارعة على صعيد التمويل والتنفيذ. فقد أفادت تقارير متعددة بأن الميزانية الأصلية للمشروع – التي قُدرت بنحو 500 مليار دولار – مرشحة للتضخم إلى تريليونات الدولارات بحلول منتصف القرن، في ظل التوسع غير المدروس في الخطط، وتأخر إنجاز المراحل الحيوية منه.

المعلومات المتوفرة من مصادر داخلية في صندوق الاستثمارات العامة السعودي تفيد بأن هناك مراجعة شاملة قيد التنفيذ لإعادة ترتيب أولويات الإنفاق على المشروع، بعد أن تم تقليص المرحلة الأولى من مشروع “ذا لاين” إلى أقل من 2.5 كيلومتر فقط، مقارنة بالخطة الأصلية التي كانت تستهدف إنشاء مدينة بطول 170 كيلومتراً.

هذا التراجع لا يعكس فقط تعثّر التنفيذ، بل يكشف أيضاً حدود القدرة التمويلية للمملكة العربية السعودية، التي اعتمدت بشكل كبير على وعود بجذب استثمارات أجنبية ضخمة لم تتحقق على أرض الواقع. وتُعد صفقة الجافورة في هذا السياق محاولة لتعويض فجوة التمويل، دون المساس المباشر باحتياطات الدولة أو زيادة الدين العام.

قراءة في مآلات الصفقة وتأثيرها على مستقبل الرؤية

رغم أن الصفقة تمنح أرامكو سيولة مالية ضخمة وتُظهر مرونة في جذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أنها تُسلّط الضوء على حالة من القلق المالي المتنامي داخل المؤسسات السعودية. فبيع الأصول الاستراتيجية بهذا الشكل يعبّر عن حاجة ملحة إلى الأموال، وهو ما يتعارض مع الخطاب الرسمي الذي يروّج لمتانة الوضع المالي ووفرة الموارد.

يقول خبراء اقتصاديون إن اللجوء إلى بيع حصص في أصول الطاقة، التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد السعودي، يجب أن يُقرأ في سياق أزمة السيولة التي فرضها التسارع غير المحسوب في تنفيذ مشاريع عملاقة لم تكتمل، في مقابل عوائد غير ملموسة حتى الآن على الناتج المحلي أو سوق العمل أو جذب الاستثمارات الأجنبية.

وبينما تُسارع المملكة العربية السعودية إلى إنقاذ مشاريعها الرمزية من التعثر عبر ضخ المزيد من التمويلات، يبدو أن هذه الحلول المؤقتة تعكس عمق التحدي المالي الذي تواجهه الدولة في المرحلة المقبلة، خاصة إذا استمرت أسعار النفط في التراجع، وفشل القطاع غير النفطي في سد الفجوة.

بيع الجافورة… مناورة مالية محفوفة بالمخاطر

الرهان على مشروع الجافورة كمصدر تمويل مباشر هو في حد ذاته مغامرة، إذ يعتمد على استغلال أحد أكثر الأصول حساسية في قطاع الطاقة السعودي. وإذا كانت أرامكو قادرة على إدارة الصفقة وفق شروط متوازنة تحفظ لها السيطرة التشغيلية، فإن ذلك لا يمنع من أن التخلي عن جزء من هذه البنية التحتية يحمل في طياته مخاطر استراتيجية على المدى البعيد.

كما أن كثافة استخدام هذا النموذج من الصفقات – سواء في مشاريع الجافورة أو شبكات الأنابيب أو غيرها – يُنذر بإضعاف سيادة الدولة على مواردها الحيوية وفق التقارير التي يتتبعها بقش، مقابل فوائد مالية قصيرة الأجل قد لا تسهم فعلياً في سد العجز الهيكلي في الميزانية أو معالجة التحديات العميقة المرتبطة برؤية 2030.

من هنا، فإن صفقة الجافورة تمثل لحظة مفصلية في مسار الاقتصاد السعودي، ليس فقط لكونها واحدة من أضخم عمليات الخصخصة الجزئية في تاريخ المملكة العربية السعودية، بل لأنها تكشف حجم الضغوط المالية التي تواجهها الحكومة في سبيل الإبقاء على زخم مشاريعها الكبرى، حتى لو كان ذلك على حساب الأصول الاستراتيجية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش