قمة السبع في كندا: محاولة لرأب الصدع الاقتصادي العالمي في مواجهة سياسات ترامب التجارية

الاقتصاد العالمي | بقش
يجتمع قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى ابتداءً من اليوم الأحد في منتجع كاناناسكيس بجبال روكي الكندية، في قمة يصفها المراقبون بأنها الأكثر توتراً منذ سنوات، فبدلاً من التركيز على إعلانات الوحدة والسياسات المشتركة، ينصب الجهد الدبلوماسي للدولة المضيفة، كندا، على هدف أكثر تواضعاً وصعوبة: تجنب صدام مفتوح مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أدت سياساته التجارية الحمائية إلى انقسامات عميقة تهدد أسس التحالف الغربي والاستقرار الاقتصادي العالمي.
تنعقد القمة على وقع أجندة مثقلة بالملفات الشائكة؛ فبينما يسعى رئيس الوزراء الكندي مارك كارني للتركيز على أولوياته المتمثلة في تعزيز السلام والأمن وبناء سلاسل إمداد للمعادن الحيوية وخلق فرص العمل، من المتوقع أن تهيمن على المباحثات الخلافات حول التعريفات الجمركية الأمريكية، والصراعات المشتعلة في الشرق الأوسط، لا سيما بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة في إيران، ومستقبل الدعم لأوكرانيا.
حرب التجارة تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي
الانقسام الأعمق الذي يواجه قادة مجموعة السبع اليوم ينبع من “حرب التجارة” التي أطلقها الرئيس ترامب، والتي غيرت ملامح العلاقات الاقتصادية الدولية.
فمنذ عودته إلى منصبه، تبنت واشنطن نهجاً حمائياً صارماً تحت شعار “أمريكا أولاً”، مستخدمة التعريفات الجمركية كأداة رئيسية لإعادة تشكيل ميزان القوى التجاري. وقد أدت هذه السياسات، التي استهدفت حلفاء وخصوماً على حد سواء، إلى سلسلة من التداعيات السلبية على الاقتصاد العالمي.
فقد تسببت التعريفات الجمركية المفروضة على سلع مثل الصلب والألمنيوم، والتهديد بفرض رسوم أوسع نطاقاً، في تعطيل سلاسل الإمداد العالمية التي بنيت على مدى عقود وفق متابعات بقش، مما أجبر الشركات على البحث عن بدائل مكلفة أو استيعاب خسائر متزايدة.
كما أدت هذه الإجراءات إلى إشعال فتيل ردود فعل انتقامية من الشركاء التجاريين، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي وكندا، مما خلق حلقة مفرغة من التصعيد أضرت بالصادرات الأمريكية وأثرت سلباً على ثقة المستثمرين. والأهم من ذلك، أن حالة عدم اليقين التي خلقتها هذه السياسات المتقلبة أدت إلى تأجيل الشركات لخططها الاستثمارية طويلة الأجل، وهو ما يشكل عائقاً رئيسياً أمام تحقيق نمو اقتصادي عالمي قوي ومستدام.
دبلوماسية “إدارة الأزمات” واستراتيجية تجنب الصدام
في ظل هذه الأجواء المشحونة، وتحسباً لتكرار سيناريو قمة عام 2018 الكارثية، التي غادرها ترامب مبكراً واصفاً رئيس الوزراء الكندي آنذاك جاستن ترودو بـ”غير الأمين والضعيف للغاية”، لجأت كندا إلى استراتيجية دبلوماسية غير تقليدية.
فقد أفاد دبلوماسيون بأن أوتاوا تخلت عن فكرة إصدار البيان المشترك الشامل التقليدي، وستلجأ بدلاً من ذلك إلى إصدار “ملخصات للكراسي” حول القضايا المختلفة، في محاولة لاحتواء أي خلاف محتمل والحفاظ على الحد الأدنى من المشاركة الإيجابية مع الولايات المتحدة.
وقد لخص “رولاند باريس”، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة أوتاوا ومستشار السياسة الخارجية السابق لترودو، المزاج العام بقوله: “سيكون هذا اجتماعاً ناجحاً إذا لم يكن لدى دونالد ترامب ثوران يعطل التجمع بأكمله. أي شيء يتجاوز ذلك هو مكسب إضافي”.
وهذا الشعور يعكسه أيضاً “جوش ليبسكي” من المجلس الأطلسي، الذي يرى وفق اطلاع بقش أن “أفضل سيناريو هو عدم حدوث انفجارات حقيقية”. ولإتاحة مساحة أكبر للمناورات الدبلوماسية، أُبلغ السيناتور الكندي بيتر بوم، الدبلوماسي المخضرم الذي شارك في قمة 2018، بأن القمة الحالية ستستمر لفترة أطول من المعتاد لإتاحة الوقت لعقد اجتماعات ثنائية مكثفة مع الرئيس الأمريكي.
أجندة مزدحمة وتركيز على محادثات ثنائية مع ترامب
على الرغم من الانقسامات، أكد مسؤول أمريكي كبير يوم الجمعة أن مناقشات العمل ستغطي التجارة والاقتصاد العالمي، والمعادن الأساسية، وتهريب المهاجرين والمخدرات، وحرائق الغابات، والأمن الدولي، والذكاء الاصطناعي، وأمن الطاقة. وأضاف أن “الرئيس حريص على تحقيق أهدافه في جميع هذه المجالات، بما في ذلك جعل العلاقات التجارية الأمريكية عادلة ومتبادلة”.
ومن المتوقع أن يشارك في أجزاء من القمة التي تستمر حتى يوم الثلاثاء قادة من أوكرانيا، والمكسيك، والهند، وأستراليا، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، والبرازيل. ويرى مراقبون أن وجود هذا العدد الكبير من القادة الضيوف يعكس رغبتهم في الحصول على فرصة نادرة للتحدث مباشرة مع الرئيس ترامب بشأن مخاوفهم ومصالحهم الخاصة، خاصة في ظل التوترات التجارية.
قمة السبع: اختبار لمستقبل التحالفات الغربية
في المحصلة، يرى ماكس بيرجمان، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن هذه القمة الدولية الأولى لترامب منذ عودته للسلطة ستقدم مؤشرات مبكرة حول مدى اهتمامه بالعمل مع الحلفاء لحل المشكلات المشتركة. وأضاف حسب قراءة بقش: “السؤال الرئيسي هنا هو، في الأساس، هل لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بصيغ مثل مجموعة السبع؟ سيكون هذا هو الاختبار الكبير”.
وبينما يجتمع القادة في جبال روكي الخلابة، يراقب العالم ليس لمعرفة ما سيتفقون عليه، بل ليرى ما إذا كان بإمكانهم ببساطة تجنب الانهيار الكامل لتحالف شكّل حجر الزاوية في النظام العالمي لأكثر من نصف قرن، في مواجهة التحديات الجيوسياسية المتصاعدة والشقاق الاقتصادي العميق.