قمة الناتو في لاهاي: زيادة تاريخية في الإنفاق الدفاعي استجابة لضغوط أمريكية

تقارير | بقش
يتجه قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، خلال قمتهم المنعقدة في لاهاي الهولندية، إلى إقرار زيادة تاريخية في ميزانيات الدفاع، في خطوة تأتي استجابة مباشرة لضغوط متواصلة من الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”. ويهدف الاتفاق الجديد إلى إلزام الدول الأعضاء الـ32 بتخصيص ما يصل إلى 5% من ناتجها المحلي الإجمالي لقطاع الأمن بحلول عام 2035، مما يمثل تحولاً كبيراً في سياسة الحلف الدفاعية.
تنعقد القمة في سياق جيوسياسي معقد، يتزامن مع إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وفي ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، ورغم هذه التطورات، يظل موضوع تقاسم الأعباء المالية هو الملف المهيمن على جدول الأعمال، حيث يسعى الحلفاء الأوروبيون إلى تجنب أزمة داخلية مع واشنطن قد تهدد مستقبل الحلف.
تفاصيل الالتزام المالي الجديد
ينص الاتفاق الذي تم التوصل إليه على تسوية تفصيلية لمطلب الرئيس ترامب برفع الإنفاق إلى 5% وفق اطلاع مرصد بقش، وبموجب التسوية، ستلتزم الدول الأعضاء بتخصيص نسبة 3.5% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري المباشر، بالإضافة إلى ذلك، سيتم توجيه 1.5% إضافية لتغطية مجالات أمنية حيوية أخرى، تشمل الأمن السيبراني، وتطوير البنى التحتية، وتعزيز التنقل العسكري عبر أوروبا.
ويُعد هذا الالتزام قفزة نوعية مقارنة بالهدف السابق البالغ 2%، الذي تم إقراره في قمة ويلز عام 2014 بحسب مراجعة بقش، ولا تزال العديد من الدول الأعضاء تجد صعوبة في بلوغه، وقد وصف الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، الاتفاق بأنه “خطوة كبرى إلى الأمام”، مشيراً إلى أنه يعكس إدراك الحلفاء لحجم التحديات الأمنية.
تأتي هذه الزيادة نتيجة للموقف الحازم الذي تبناه الرئيس دونالد ترامب، الذي يرى أن الولايات المتحدة تحملت لفترة طويلة عبئاً غير متناسب في الدفاع عن أوروبا، وتستند مطالب الإدارة الأمريكية إلى ضرورة تحقيق توزيع عادل للمسؤوليات بين أعضاء الحلف، وإنهاء ما تعتبره واشنطن اتكالاً من الحلفاء الأوروبيين على القدرات العسكرية الأمريكية.
وقد تباينت ردود الفعل الأوروبية على هذه الضغوط، حيث أعلنت المملكة المتحدة، على لسان رئيس وزرائها “كير ستارمر”، التزامها بالوصول إلى هدف الـ 5%، في خطوة تهدف إلى تأكيد متانة علاقاتها مع واشنطن.
من جهة أخرى، سعى كل من الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، والمستشار الألماني “فريدريش ميرتس”، إلى تقديم موقف أوروبي مشترك، وفي مقال نشر في صحيفة “فاينانشيال تايمز”، أكدا أن حاجة أوروبا لإعادة التسلح تنبع من واجبها تجاه أمن مواطنيها وفي مواجهة التهديد الروسي، وليس فقط كاستجابة لمطالب خارجية، كما شددا على أن “روسيا هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في أوروبا”، داعيين إلى زيادة الضغط عليها.
تعكس القمة الحالية تغيراً في الأولويات، وهو ما يتضح من خلال طبيعة الحضور الأوكراني، فالرئيس “فولوديمير زيلينسكي”، الذي كان محور قمم سابقة، يحضر إلى لاهاي بصفة ضيف على عشاء رسمي يستضيفه ملك هولندا، فيليم ألكسندر، دون مشاركة رسمية في جلسات القمة، ويعزى هذا الترتيب إلى ما وُصف بـ”تحفظات أمريكية” ورغبة في تركيز النقاشات على الالتزامات المالية للحلفاء.
في النهاية، قد تنجح قمة لاهاي في تحقيق “الهدف الأمريكي” الرئيسي، المتمثل في الحصول على التزام مالي أكبر من الحلفاء، مما قد يساهم في تخفيف التوتر المباشر عبر الأطلسي، ومع ذلك يظل النقاش مفتوحاً حول التأثير طويل الأمد لهذا التحول على وحدة الحلف الاستراتيجية وقدرته على مواجهة التحديات المستقبلية بشكل جماعي.