قناة السويس تتنفس الصعداء بحذر: تحسن أمني في البحر الأحمر يُبشّر بعودة الملاحة

الاقتصاد العربي | بقش
في بارقة أمل تخترق ضباب التوترات الإقليمية، أعلن الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، أمس الأحد، عن بوادر تحسن في الأوضاع الأمنية بالبحر الأحمر، مما يفتح الباب أمام عودة تدريجية للسفن إلى شريان التجارة العالمي الأهم. لكن هذه الأنباء الإيجابية تأتي مصحوبة بمرارة الحقيقة: إن الأزمة التي عصفت بالبحر الأحمر وكلفت الاقتصاد العالمي المليارات، لم تكن قدراً محتوماً، بل هي نتيجة مباشرة ومؤلمة لحرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة، وكان بالإمكان تجنبها لو سكتت أصوات الطائرات والمدافع وتوقفت المجازر.
منذ اللحظة الأولى التي أعلنت فيها حكومة صنعاء في اليمن استهدافها للسفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها، كان السبب واضحاً ومعلناً: الضغط لوقف العدوان وإنهاء الحصار عن غزة. لم تكن أزمة البحر الأحمر، التي أجبرت عمالقة الشحن على سلوك طريق رأس الرجاء الصالح الطويل والمكلف، مجرد حدث أمني معزول، بل كانت، ولا تزال، امتداداً مباشراً لصراع يمزق قلب الشرق الأوسط، وتجسيداً لفشل المجتمع الدولي وشاهداً على خذلان العرب في لجم العدوان الإسرائيلي.
دفعت مصر، عبر خسائر فادحة في إيرادات قناة السويس، ثمناً باهظاً، كما دفعت شركات الشحن العالمية تكاليف تشغيلية باهظة انعكست تضخماً عالمياً أثقل كاهل المستهلكين في كل مكان، وكل هذه الخسائر وهذا التعطيل لسلاسل الإمداد العالمية، كان يمكن تفاديهما لو أن الضمير العالمي تحرك لوقف شلال الدم في غزة، وأجبر إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
خسائر بالمليارات: ثمن الصمت والتواطؤ
الأرقام تتحدث عن نفسها: انخفاض حاد في عبور السفن عبر السويس، ارتفاع جنوني في تكاليف الشحن والتأمين، تأخير في وصول البضائع، واضطراب في الأسواق العالمية، هذه ليست مجرد أضرار جانبية، بل هي الثمن الاقتصادي المباشر لاستمرار الحرب. وعندما يتحدث الفريق “أسامة ربيع” عن “تأثير الاضطرابات على التضخم العالمي”، فهو يشير بوضوح إلى أن ما يحدث في غزة لا يبقى في غزة، بل يرتد على العالم بأسره، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.
في خضم هذه الأزمة، أثبتت هيئة قناة السويس مرونة وحكمة في التعامل مع الواقع، وكما أوضح الفريق ربيع، فتحت الهيئة قنوات اتصال مباشرة مع الخطوط الملاحية، وقدمت تخفيضات وصلت إلى 15% للسفن الكبرى وفق متابعة بقش، لتشجيعها على العودة، كما واصلت الهيئة مشاريع التطوير الطموحة، مثل توسيع القطاع الجنوبي، وإطلاق خدمات جديدة، لتؤكد للعالم أن قناة السويس، رغم كل التحديات، تظل الممر الأكثر كفاءة وأماناً.
وأشار الخبير الاستراتيجي اللواء “سمير فرج” إلى أن “حياد مصر” عزز من مكانة القناة، وهو تأكيد على أن الاستقرار يظل مفتاح الازدهار، لكن الاستقرار الإقليمي يبقى هشاً ما دامت القضية المركزية، قضية فلسطين وحق شعبها في الحياة والحرية، تُقابل بالتجاهل والعدوان.
عودة السفن التدريجية إلى قناة السويس خبر جيد، لكنه لن يكون خبراً كاملاً ومستداماً إلا بوقف شامل للحرب في غزة ورفع الحصار عنها، فالبحر الأحمر لن يهدأ تماماً، والاقتصاد العالمي لن يتعافى كلياً، إلا عندما يتحقق العدل وتُستعاد الحقوق في فلسطين. عندها فقط، يمكن لشريان الحياة العالمي أن يتدفق بحرية وأمان دائمين.