
تقارير | بقش
في خطوة تضاف إلى الخطوات الكابوسية التي تواجه إسرائيل دولياً، أعلن مجلس إقليم بوليا الإيطالي الأسبوع الماضي عن قرار وُصف بأنه “قرار تاريخي في إيطاليا”، يقضي بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية واستبعاد الشركات الإسرائيلية من جميع الفعاليات والمعارض الرسمية.
أُقرَّ القرار بأغلبية 28 صوتاً، ومثّل جرس إنذار لإسرائيل التي تفقد شيئاً فشيئاً رصيدها الأخلاقي والاقتصادي في أوروبا.
ووفق اطلاع مرصد “بقش”، جاء القرار وسط تصفيق واسع وتعليقات لاذعة من أعضاء البرلمان الإقليمي الذين اعتبروا أن الوقت قد حان ليترجم الأوروبيون شعارات “الحرية وحقوق الإنسان” إلى مواقف اقتصادية ملموسة. أما المعارضة اليمينية، فاختارت كالعادة الحياد وامتنعت عن التصويت.
بوليا: السلام لا يُبنى على جثث الأطفال
مجلس إقليم بوليا أصدر بياناً رحّب فيه بمفاوضات إنهاء الحرب، لكنه ذكّر بأن السلام لا يُبنى فوق جثث الأطفال، وأن احترام القانون الدولي وحق الفلسطينيين في تقرير المصير هو الطريق الوحيد لأي تسوية حقيقية.
كما أعلن دعمه الاعتراف بدولة فلسطين وفقاً لإعلان نيويورك الأخير الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، داعياً الحكومة الإيطالية لأن تكفّ عن الاختباء خلف البيانات الدبلوماسية الفارغة، وأن تتخذ مواقف تتناسب مع “قيمها الأوروبية العريقة”، تلك القيم التي تتبخر عادةً عند أول صفقة سلاح مع تل أبيب.
وبدا رئيس الإقليم “ميكيلي إميليانو” وكأنه قرر قيادة ثورة المقاطعة بنفسه، فأصدر قراراً بوقف جميع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مؤسسات الإقليم وإسرائيل.
كما أعلن عن نية مقاضاة الحكومة الإسرائيلية على اعتداءاتها ضد المشاركين في “أسطول الصمود العالمي” الذي انطلق من إيطاليا وإسبانيا، بينهم مواطنون من بوليا تعرّضوا للاعتقال التعسفي في السجون الإسرائيلية.
ولم يأتِ هذا الموقف من فراغ حسب متابعات بقش، فقد سبق أن منع إميليانو الشركات الإسرائيلية المتخصصة في التكنولوجيا الزراعية من المشاركة في معرض “أغريليفانتي” الدولي للزراعة، أحد أكبر المعارض الزراعية في المتوسط، ليغيب الإسرائيليون لأول مرة عن منصاتهم المزهرة بالبذور المعدلة وراثياً والمصالح غير المعدلة أخلاقياً.
سمعة إسرائيل: بين نموذج ديمقراطي وعزلة متنامية واقعية
وزير الزراعة الإيطالي حاول تلطيف المشهد قائلاً إن غياب الشركات الإسرائيلية عن المعرض “أمر مؤسف”، وإن إسرائيل “تمثل نموذجاً ديمقراطياً في المنطقة”.
لكن رغم محاولات التجميل الدبلوماسي، إلا أن الواقع يقول إن القرار يمثل أقوى موقف مؤسسي إيطالي ضد إسرائيل منذ اندلاع حرب غزة الأخيرة.
وهو يضاف إلى تنامي موجة المقاطعة في أوروبا، إذ بدأت مدن وجامعات ومؤسسات اقتصادية بإلغاء صفقات وتجميد اتفاقيات تعاون مع شركات إسرائيلية.
وتصف إسرائيل ذلك بأنه تحيز معادٍ للسامية، بينما بات يراه العالم أقل رد أخلاقي على مشاهد الحرب والدمار والإبادة التي لم تعد تقنع أحداً بأنها دفاع إسرائيلي عن النفس.
وما يحدث في إقليم بوليا الإيطالي، وغيره، يُعد جزءاً من ظاهرة أوسع لتشوه صورة إسرائيل عالمياً، فبعد أن كانت الأخيرة تُقدّم نفسها كنموذج للابتكار والتطور، أصبحت تُذكر في نشرات الأخبار بوصفها دولة الاحتلال الوحيدة التي تحاصر شعباً بأكمله منذ عقود.
وقد انعكس هذا التراجع الأخلاقي بوضوح على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تراجعت الاستثمارات الأجنبية بأكثر من 60% إلى 2.6 مليار دولار خلال الربع الأول من 2025 فقط، مقارنةً بمتوسط كل ربع من عامي 2020 و2022، حسب اطلاع بقش على بيانات وزارة المالية الإسرائيلية.
وتزايَد عزوف الشركات الأوروبية عن الشراكات التجارية، مع الامتناع عن شراء كل منتج “صُنع في إسرائيل”، وسط تصاعد حملات المقاطعة الأكاديمية والثقافية أيضاً.
وفي البورصات الأوروبية، باتت العلامة “صُنع في إسرائيل” عبئاً تسويقياً أكثر من كونها ميزة تجارية، ومع كل قرار جديد للمقاطعة يزداد القلق في تل أبيب من أن تتحول المقاطعة من سلاح رمزي إلى حظر اقتصادي فعلي يعصف بقطاعاتها الحيوية، وعلى رأسها التكنولوجيا والزراعة والدفاع.
وتجد إسرائيل نفسها في عزلة متزايدة داخل القارة التي طالما تباهت بدعمها، فقرار بوليا ليس النهاية على ما يبدو، بل بداية موجة أوسع من “العدوى الأخلاقية” التي قد تنتقل إلى أقاليم أخرى، ما يجعل تل أبيب تعيش أزمة غير مسبوقة تشهد فيها خسارة صورتها قبل خسارة أسواقها.