منوعات
أخر الأخبار

كيف انتقم ترامب من يوتيوب وX وميتا؟… تسويات قضائية بملايين الدولارات

منوعات | بقش

في مشهد يمكن وصفه بأنه مزيج بين الدراما السياسية وهوليوود القانونية، نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في توجيه ضربة مرتدة غير متوقعة لكبرى منصات التكنولوجيا التي علّقت حساباته وضيّقت عليه الخناق بعد أحداث اقتحام الكابيتول في يناير 2021.

فبعد أكثر من أربع سنوات من المعارك القضائية والاتهامات المتبادلة بينه وبين عمالقة وادي السيليكون، بدأت هذه الشركات واحدة تلو الأخرى في تقديم تسويات مالية بملايين الدولارات لتطوي صفحة الصراع المفتوح معه.

آخر هذه التسويات جاءت من شركة يوتيوب المملوكة لـ”ألفابت”، والتي وافقت على دفع 24.5 مليون دولار لتسوية دعوى ترامب ضدها، لتنضم بذلك إلى شركتي “ميتا” و”إكس” (تويتر سابقاً) اللتين سبقتاها بتسويات بلغت 25 و10 ملايين دولار على التوالي، وفق اطلاع مرصد “بقش”.

وبذلك، تكون منصات التواصل الثلاث التي كانت الأكثر صداماً مع ترامب قد أنهت نزاعاتها القانونية معه قبل أن تصل إلى مراحل قضائية معقّدة، في خطوة يرى كثير من المراقبين أنها تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية عميقة تتجاوز مجرد التعويض المالي.

الصفقة مع يوتيوب لم تأتِ من فراغ، بل جاءت قبل أسبوع فقط من جلسة قضائية مقررة في السادس من أكتوبر أمام محكمة اتحادية في كاليفورنيا، كان من المتوقع أن تتحول إلى ساحة مواجهة علنية بين إدارة المنصة وفريق ترامب القانوني.

وبحسب الوثائق، خصصت التسوية 22 مليون دولار لصندوق “ناشيونال مول” غير الربحي، فيما تم توزيع 2.5 مليون دولار على المدّعين الآخرين، بينهم الاتحاد المحافظ الأمريكي وشخصيات بارزة مؤيدة لترامب.

جولة الثأر بدأت من تويتر… إلى “ميتا” ثم “يوتيوب”

بعد اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، وجدت شركات التكنولوجيا نفسها تحت ضغط سياسي وإعلامي هائل، فسارعت إلى تعليق حسابات ترامب وحذف محتوى اعتبرته “محرضاً على العنف”.

تويتر كانت الأولى في اتخاذ الخطوة الصادمة بحظر حسابه نهائياً، تلتها فيسبوك وإنستغرام بقرارات تعليق مفتوحة المدة، ثم جاء الدور على يوتيوب الذي جمد نشاط قناته ومنع تحميل مقاطع جديدة حتى إشعار آخر.

ترامب من جانبه لم يكتفِ بالخطابات الغاضبة أو البيانات السياسية، بل قرر أن ينقل المعركة إلى ساحة القضاء. ففي يوليو 2021، رفع سلسلة من الدعاوى ضد الشركات الثلاث حسب مراجعة بقش، متهماً إياها بانتهاك حرية التعبير وبالتمييز ضد الأصوات المحافظة.

ورغم أن القضايا لم تحظَ في بدايتها بتوقعات كبيرة من النجاح، فإن عودة ترامب إلى السلطة بعد الانتخابات الرئاسية غيّرت المعادلة تماماً، وجعلت هذه المنصات تعيد حساباتها.

في بداية عام 2025، كانت “ميتا” أول من اختار التسوية، فدفعت نحو 25 مليون دولار لصندوق مرتبط بمكتبة ترامب الرئاسية المخطط لها في ميامي. بعد ذلك، لحقت بها منصة “إكس” التابعة لإيلون ماسك بدفع 10 ملايين دولار في فبراير، وسط محاولات لتجنّب معركة قضائية قد تُحرج المنصة الجديدة التي كانت قد تبنّت خطاب حرية التعبير بعد استحواذ ماسك عليها.

يوتيوب… آخر قلاع وادي السيليكون التي سقطت

يوتيوب اتخذت موقفاً أكثر تصلباً في البداية، مبررة تعليق قناة ترامب بأنه إجراء مؤقت لحين التأكد من “انخفاض خطر العنف في العالم الواقعي”. أعيدت القناة فعلياً عام 2023، لكن ترامب لم يتراجع عن دعواه القضائية، التي اعتبرها كثيرون “رمزية” أكثر من كونها مالية، إذ كان الهدف منها توجيه رسالة بأن المعركة لم تنتهِ.

بحلول خريف 2025، كانت الشركة قد وجدت نفسها أمام احتمال خوض جلسات قضائية علنية قد تكشف تفاصيل حساسة حول آليات اتخاذ القرار داخلها، وهو ما دفعها لاختيار التسوية المالية قبل أيام من موعد الجلسة. لم تعترف يوتيوب بارتكاب أي مخالفات، ولم تُغيّر سياساتها أو منتجاتها، لكنها اختارت الحل الهادئ لتفادي التصعيد.

في الأوساط المحافظة، استُقبلت التسوية كـ”نصر سياسي” أكثر منه قانوني. نشر الإعلامي المحافظ إريك دوجيرتي على منصة إكس تعليقاً يقول فيه: “فوز كبير لترامب… هذا اعتراف بأنها كانت رقابة سياسية سافرة. أما محامي ترامب، جون ب. كول، فذهب أبعد من ذلك بالقول إن “عودة ترامب إلى السلطة كانت العامل الحاسم… لو لم يُنتخب مجدداً، لكنا ما زلنا عالقين في المحاكم لألف عام”.

قضية ترامب ضد شركات التكنولوجيا لم تكن مجرد نزاع قانوني حول حسابات شخصية، بل تحولت إلى ساحة اختبار كبرى للجدل الدائر في الولايات المتحدة حول حدود حرية التعبير ودور المنصات الرقمية في تنظيم المحتوى السياسي. فبينما ترى هذه الشركات نفسها “منصات خاصة” لها الحق في وضع القواعد، يرى معسكر ترامب أن تأثيرها الهائل يجعلها بمثابة “ساحات عامة رقمية” لا ينبغي أن تخضع للأهواء السياسية أو لأجندات الشركات.

المفارقة أن هذه المعركة ساهمت، من حيث لا تحتسب الشركات، في تعزيز سردية ترامب حول كونه “الرجل المستهدف من المؤسسة”. وقد وظّف فريقه السياسي والقانوني هذه القضايا لإعادة تعبئة قاعدته الانتخابية، ولإظهار أن “النظام” –بما فيه شركات التكنولوجيا الكبرى– كان متحالفاً لإسكاته.

ترامب “الحقود” الذي لا ينسى

اللافت أن المبالغ الإجمالية للتسويات، والتي تجاوزت 60 مليون دولار حسب قراءة بقش، ليست ضخمة بالمقاييس المالية لشركات بحجم ألفابت أو ميتا، لكنها تحمل دلالة رمزية قوية. فترامب لم يكتفِ باستعادة حساباته، بل جعل خصومه السابقين يوقّعون شيكات بملايين الدولارات تُصرف لصناديق ومشاريع مرتبطة به سياسياً وثقافياً، في مشهد وصفه أحد المعلقين بـ”الانتقام على الطريقة الترامبية: ليس بالسيف، بل بالدولار”.

هذه التسويات أرسلت إشارة مزدوجة: للشركات بأن قوتها ليست مطلقة أمام سلطة سياسية وإعلامية بحجم ترامب، ولأنصاره بأن زعيمهم استطاع أن يفرض إرادته حتى على منصات كانت تمثل رموزاً للتيار الليبرالي الأمريكي.

منذ خروجه من البيت الأبيض مطلع 2021، اتضح أن ترامب لا ينسى من خاصموه، ولا يتراجع عن معاركه بسهولة. هجمات المنصات عليه في أعقاب اقتحام الكابيتول كانت بالنسبة له “طعنة في الظهر”، والتسويات اليوم تمثل بالنسبة له “رد الطعنة” بهدوء، ولكن بقوة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش