الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

لبنان عند نقطة الغليان: صرخة الأجور تواجه انهياراً متعدد الأوجه وضغوطاً دولية وإقليمية

الاقتصاد العربي | بقش

جدد الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان، مطالبةً بما اعتبره “الحد الأدنى للكرامة الإنسانية”، 900 دولار كحد أدنى للأجور. هذه المطالبة ليست مجرد نزاع عمالي تقليدي، بل هي أحدث تجليات الانهيار اللبناني الشامل منذ عام 2019، الذي تتشابك فيه خيوط الانهيار المالي، وشروط صندوق النقد الدولي القاسية، ولهيب العدوان الإسرائيلي المستمر في الجنوب.

جاءت هذه المطالبة رداً حاسماً من رئيس الاتحاد، “مارون الخولي”، على تصريحات رئيس الهيئات الاقتصادية، “محمد شقير” الذي رأى أن رفع الحد الأدنى من 250 دولاراً (وهو رقم هزيل أصلاً) إلى 312 دولاراً يُعد “كافياً”، ورفض الخولي هذه الطروحات بشدة، مؤكداً أنها لا تمت للواقع المعيشي البائس بصلة، بل تمثل استمراراً لسياسة “الاستغلال والتفقير” التي أوصلت غالبية اللبنانيين إلى حافة الفقر والجوع.

استند الخولي في مطالبته إلى جوهر قانون العمل اللبناني نفسه، الذي يُعرّف الحد الأدنى للأجور (المادتان 44 و46) بأنه ما يكفي لتأمين حياة كريمة لأسرة من خمسة أفراد، بما يشمل الغذاء والتعليم والصحة، وأشار إلى أن مبلغ 312 دولاراً لا يغطي حتى 30% من هذه الاحتياجات الأساسية، في ظل تضخم تجاوز 500% وانهيار شبه كامل لقيمة الليرة اللبنانية.

وشدد الخولي على أن مبلغ 900 دولار ليس رقماً تفاوضياً، بل هو “الحد الأدنى للكرامة” في بلد شهدت فيه النخب الاقتصادية والسياسية عقوداً من الفساد والتهرب الضريبي، بينما تحمل العمال والمواطنون العبء الأكبر للأزمات المتعاقبة.

واعتبر الخولي أن طرح الهيئات الاقتصادية يتجاهل مسؤولية الدولة ويتنكر لاتفاقات سابقة، مثل اتفاقية بعبدا 2012، التي ربطت الأجور بالتضخم ولم تُنفذ، مما أدى إلى تآكل قيمة الأجور بنسبة 80%.

لبنان على حافة الهاوية: اقتصاد محطم وشعب جائع

تأتي معركة الأجور هذه في وقت يمر فيه لبنان بأسوأ أزماته الاقتصادية والاجتماعية في تاريخه الحديث، فمنذ عام 2019، دخل البلد في دوامة انهيار مالي غير مسبوق، أدى إلى تبخر مدخرات المواطنين في المصارف، وفقدان الليرة اللبنانية لأكثر من 98% من قيمتها وفق متابعة بقش، وارتفاع معدلات الفقر لتتجاوز 80% من السكان حسب تقديرات الأمم المتحدة.

يعيش لبنان حالة من الشلل السياسي شبه الكامل، مما يعيق اتخاذ أي قرارات إصلاحية جدية. البنية التحتية تتهاوى، والخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصحة وتعليم أصبحت ترفاً للكثيرين، هذا الواقع المرير يجعل من الحديث عن 312 دولاراً كحد أدنى للأجور أمراً يبدو سريالياً ومستفزاً لملايين اللبنانيين الذين يكافحون يومياً لتأمين قوت يومهم.

يزيد من تعقيد المشهد الضغوط التي يفرضها صندوق النقد الدولي كشرط لتقديم أي حزمة إنقاذ مالي، تتضمن هذه الشروط إصلاحات هيكلية مؤلمة، مثل إعادة هيكلة القطاع المصرفي (مما يثير قلق المودعين)، وتوحيد أسعار الصرف، ورفع الدعم، وتطبيق إجراءات تقشفية غالباً ما يكون وقعها الأشد على الفئات الأكثر ضعفاً، وبينما تُعد هذه الإصلاحات ضرورية على المدى الطويل، فإن تطبيقها في ظل الأوضاع الحالية ودون شبكة أمان اجتماعي فعالة، يهدد بتعميق الأزمة الإنسانية.

وفوق كل ذلك، يأتي العدوان الإسرائيلي المستمر على جنوب لبنان ليضيف عبئاً دموياً واقتصادياً هائلاً. فالقصف اليومي أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من سكان الجنوب، ودمر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي تعد مصدراً رئيسياً للدخل في المنطقة، وقضى على ما تبقى من أمل في إنعاش قطاع السياحة، وزاد الضغط على موارد الدولة المنهكة أصلاً لإيواء ودعم النازحين وإعادة بناء ما يتم تدميره.

الشارع يلوح في الأفق: هل تتكرر انتفاضة “5 سنت”؟

أمام هذا الانسداد، لم يتردد “مارون الخولي” في التلويح بالنزول إلى الشارع، محذراً من أن “التلاعب بحقوق العمال” سيدفع الحركة النقابية والشعبية إلى “خوض معركة شرسة”.

واستحضر الخولي ذكرى انتفاضة 17 تشرين” (التي اندلعت بسبب ضريبة رمزية على الواتساب وعرفت بـ”ثورة 5 سنت”) كدليل على أن الشارع اللبناني قادر على تغيير المعادلات عندما يصل إلى نقطة اللاعودة.

وأكد الاتحاد رفضه تحويل حياة العمال إلى “سوق للمساومات” أو تحويل لبنان إلى “سجن اقتصادي كبير” وفق اطلاع بقش، مطالباً الحكومة والهيئات الاقتصادية بالتراجع الفوري واعتماد حد أدنى للأجور يحفظ الكرامة.

الرسالة واضحة: إذا لم يسمع الصوت عبر قنوات الحوار، فإن الشوارع ستكون هي “الملعب لمعركة كرامة” قد لا يمكن التنبؤ بنتائجها في بلد يقف على برميل من بارود اقتصادي واجتماعي.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش