
قبل أن يبدأ الصيف لهيبه رسمياً، عادت دوامة انقطاع التيار الكهربائي لتخيم بقسوة على مدينة عدن، معلنةً عن موسم معاناة يبدو أنه يسبق موعده السنوي المعتاد.
الأزمة المتجددة، التي تنذر بتفاقم الأوضاع الإنسانية المتردية أصلاً، تُعزى بشكل مباشر إلى نقص حاد في وقود تشغيل المحطات، وفي مقدمتها تكرار توقف محطة “بترومسيلة” الحيوية.
ونهاية الأسبوع الماضي أُعلن، بشكل غير رسمي، عن توافد قواطر وقود إسعافية في خطوةٍ وصفها اقتصاديون بأنها حل مؤقت فقط.
إذ تشير معلومات “بقش” إلى أن قواطر النفط الخام وصلت من حضرموت في اللحظات الأخيرة قبل خروج محطة بترومسيلة عن الخدمة بالكامل، ليتم تفادي تعثر الخدمة واستمرارها بقدرة توليدية 65 ميجاوات، ورغم ذلك لا تزال المحطة بحاجة إلى تزويدها بالوقود اللازم لعدم تكرار مثل هذا الأمر الذي بات يمثل كابوساً متكرراً للمحطة والمواطنين.
محطة “بترومسيلة”، المعروفة أيضاً بـ”محطة الرئيس” والتي تعد ركيزة أساسية لتوليد الطاقة في عدن، تعاني من الخروج عن الخدمة بسبب توقف تدفق شحنات النفط الخام القادمة من محافظة مأرب منذ انتهاء إجازة عيد الفطر.
حيث كانت المحطة تعتمد على إمدادات يومية منتظمة تقدر بثماني ناقلات من النفط الخام، مناصفة بين محافظتي مأرب وحضرموت، لضمان تشغيلها المستمر.
ومع انقطاع إمدادات مأرب بالكامل، واستمرار وصول كميات محدودة وغير كافية من حضرموت، حدثت فجوة كبيرة في قدرة التوليد الإجمالية للمدينة التي تعاني أصلاً من عدم استقرار مزمن في قطاع الكهرباء.
منظومة الكهرباء على حافة الانهيار
لم تقتصر الأزمة على “بترومسيلة” فقط، فالوضع في المحطات الأخرى لا يبشر بالخير. فمحطة المنصورة، التي تعمل بوقود المازوت وتنتج حوالي 50 ميجاوات، تمتلك مخزوناً يكفي لأقل من أسبوعين فقط، بحسب المصادر المحلية.
بينما تساهم المحطة الإماراتية للطاقة الشمسية بنحو 80 ميجاوات، وتضيف محطات الديزل الأصغر مجتمعةً -مثل “أنتر سولار” في الشيخ عثمان وحجيف (المعلا) ومحطة شهناز في خورمكسر (ضمن منحة إماراتية سابقة)- حوالي 30 ميجاوات أخرى.
هذه القدرات التوليدية المحدودة، والتي تعتمد هي الأخرى على إمدادات وقود غير مستقرة، تضع المدينة على شفا أزمة أعمق. وقد حذرت مؤسسة الكهرباء من أن مخزون وقود الديزل لهذه المحطات سينفد بحلول اليوم السبت (19 أبريل 2025)، مما يهدد بانقطاعات أطول وأكثر شمولاً ما لم يتم إيجاد حلول عاجلة لتوريد النفط الخام أو وقود الديزل.
الكهرباء كمرآة للفساد وسوء الإدارة
يفيد الخبير الاقتصادي “أحمد الحمادي” للمرصد الاقتصادي “بقش”، أن أزمة الكهرباء المتكررة في عدن ليست مجرد مشكلة فنية أو لوجستية، بل هي عرض واضح لفشل أعمق مرتبط بالفساد وسوء الإدارة المستشري داخل أروقة حكومة عدن.
وتُطرح تساؤلات جدية – وفقاً للحمادي – حول مصير الأموال المخصصة لقطاع الطاقة، وعقود شراء الوقود والطاقة المشتراة التي غالباً ما تفتقر للشفافية وتُبرم مع شركات يُشتبه في ارتباطها بمسؤولين نافذين، مما يستنزف الموارد دون تحقيق استدامة للخدمة. الفشل في صيانة المحطات القائمة وتأهيل الشبكة، وغياب الاستثمار في حلول طاقة مستدامة، يُعتبران نتيجة مباشرة لهذا الإخفاق الإداري والمالي.
تتزامن أزمة الكهرباء مع انهيار اقتصادي أوسع تعاني منه المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة عدن. فقد شهد الريال اليمني في عدن تدهوراً كارثياً أمام العملات الأجنبية، مع فقدانه جزءاً كبيراً من قيمته واقتراب الدولار الواحد من مستوى 2500 ريال وفق متابعات بقش اليومية لأسعار الصرف، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين ودفع تكاليف استيراد السلع الأساسية، بما في ذلك وقود محطات الكهرباء، إلى مستويات قياسية.
فشل الحكومة في تطبيق سياسات نقدية ومالية فعالة لكبح جماح التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، فاقم من صعوبة توفير الاعتمادات اللازمة لاستيراد الوقود بانتظام، وجعل قطاع الكهرباء رهينة لتقلبات السوق السوداء للعملة والمساعدات الخارجية المتقطعة.
معيشة تحت خط الفقر المدقع
انعكست هذه الإخفاقات المتراكمة بشكل مباشر ومأساوي على حياة المواطنين. وأدى انهيار العملة والغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية إلى دفع غالبية السكان إلى ما دون خط الفقر.
يأتي انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، خاصة مع اقتراب ذروة الصيف وارتفاع درجات الحرارة، ليزيد من معاناة الناس ويشل الأنشطة الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة التي يعتمد عليها الكثيرون كمصدر دخل، ويؤثر سلباً على الخدمات الصحية والتعليمية، مهدداً بانهيار اجتماعي شامل في ظل غياب أي خطط طوارئ حكومية واضحة لمعالجة الأزمة.