تقارير
أخر الأخبار

لماذا تتحفظ دول الخليج على تمويل إعادة إعمار غزة؟

تقارير | بقش

تبدو خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة إعمار قطاع غزة المدمّر أقربَ إلى اختبارٍ لقدرة واشنطن على إقناع حلفائها الخليجيين بتمويل مشروع محفوف بالتعقيدات السياسية والاقتصادية والأمنية.

فرغم إعلان ترامب في الكنيست الإسرائيلي عن “شُكرٍ مسبق” لـ”الدول العربية والإسلامية” على ما وصفه بـ”تعهدات بمبالغ مالية هائلة” لإعادة الإعمار، إلا أن ما يبدو على الورق لا ينعكس على الأرض وفق اطلاع بقش على تقرير لوكالة بلومبيرغ، إذ تواجه خطة التمويل تحفظات خليجية واسعة تتجاوز الجانب المالي إلى أبعاد استراتيجية وسيادية عميقة.

ويراهن ترمب على دول الخليج لتمويل ما ترفض الولايات المتحدة أن تتحمل كلفته، ويبدو أن واشنطن تعتمد على علاقاتها الاستراتيجية الجديدة، خصوصاً مع قطر التي حصلت هذا الشهر على ضمانة أمنية أمريكية، لتكون الممول الرئيسي للمشروع. لكن الدوحة، بدورها، تطالب باستثناءات تجارية وتنازلات سياسية تعزز مكانتها الإقليمية.

تحفظات متعددة الأوجه

السعودية التي يبدو أن ترامب يعوّل عليها بشكل كبير كأكبر دولة إسلامية في المنطقة، تواجه اليوم واقعاً اقتصادياً مغايراً، فمع تراجع أسعار النفط بأكثر من 10% خلال العام، اضطرت الرياض إلى تقليص مشاريع كبرى ضمن رؤيتها الاقتصادية 2030، وعلى رأسها مشروع نيوم الذي وقت إعلانه حُدِّدت تكلفته بـ500 مليار دولار.

وتشير مصادر إلى أن المملكة باتت أكثر حذراً في تقديم المنح الخارجية، بعد تجارب طويلة رأت فيها أن أموال الدعم لم تحقق الاستقرار المنشود.

ويقول الكاتب السعودي علي الشهابي إن الرياض “لم تعد مستعدة لتوقيع شيكات على بياض”، في إشارة إلى رغبتها في ضبط آليات التمويل وضمان شفافية التنفيذ.

كما أن المملكة تشترط وضوحاً سياسياً حول مستقبل غزة، وترفض دفع المليارات إذا لم يتم نزع سلاح حركة “حماس” وإقامة سلطة فلسطينية موحدة قابلة للاستمرار.

أما الإمارات فتتبنى موقفاً مشابهاً لكن أكثر صرامة، فوفق تصريحات أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، لن تُقدِم أبوظبي على ضخ أموال كبيرة ما لم يتوافر “وضوح سياسي كامل” بشأن من سيحكم غزة، وما إذا كانت هناك خطة طويلة الأمد لتأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وحسب قراءة بقش تربط الإمارات أي مساهمة مالية بنزع سلاح “حماس” واستبعادها من المشهد السياسي، إلى جانب إصلاح شامل للسلطة الفلسطينية، معتبرة أن إعادة الإعمار بلا تغيير سياسي “إعادة إنتاج للأزمة نفسها”.

وبالنسبة لقطر، التي احتضنت قيادة “حماس” في الدوحة لأكثر من عقد، فتبدو في موقعٍ أكثر توازناً لكنها ليست أقل حذراً، فهي تطالب قبل أي التزام مالي بتنفيذ إسرائيل لتعهداتها ضمن خطة ترامب للسلام، كما تسعى إلى ضمان دورٍ في مستقبل غزة، سواء عبر تمثيلٍ سياسي للحركة أو من خلال مشاريع إنسانية وتنموية.

ويرى محللون أن الدوحة لا ترغب فقط في تمويل الإعمار، بل في أن تكون جزءاً من ترتيبات النفوذ المقبلة في غزة، وهذا ما اعتُبر إشكاليةً بالنسبة لإسرائيل التي ترفض أي صيغة تعيد لحماس تأثيرها في القطاع.

هواجس أمنية وسياسية متراكمة

وتتفق الدول الخليجية الثلاث على نقطة جوهرية، لن تُضَخ أي أموال في غزة قبل التأكد من أن الحرب لن تتكرر.

وتنقل بلومبيرغ عن باحثين، مثل ياسمين فاروق من مجموعة الأزمات الدولية، قولهم إن هذه الدول تريد ضمانات مزدوجة، أي ضمانات من حماس بعدم مهاجمة إسرائيل، ومن إسرائيل بعدم استئناف الحرب.

وهذه الشروط حسب اطلاع بقش تعكس عمق فقدان الثقة الناتج عن دوامة الصراع المستمرة منذ سنوات، والتي جعلت المانحين العرب ينظرون إلى غزة كمستنقعٍ سياسي يصعب الخروج منه.

ويزيد من تعقيد المشهد المقترحُ الأمريكي الذي ناقشه نائب ترامب “جيه دي فانس” ومستشاره جاريد كوشنر، لتقسيم غزة إلى منطقتين تبدأ إعادة الإعمار في الجانب الخاضع لسيطرة إسرائيل فقط، وقد أثار هذا التصور تحفظات عربية، كونه يكرّس واقعاً انفصالياً قد يفرغ مشروع الإعمار من مضمونه الوطني والسياسي.

الإعمار ليس مجرد عملية هندسية

فيما تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر إعادة الإعمار، تراهن مصر على أن تلعب شركاتها دوراً رئيسياً في تنفيذ المشروعات، خاصة في مجالي الطاقة والبنية التحتية، لكن حتى القاهرة، رغم حماسها للمشروع، تدرك حجم التحديات.

إذ تساءل الوزير الأردني الأسبق إبراهيم سيف: “هل المطلوب هو مجرد إعادة بناء ما تهدّم؟ أم هناك خطة شاملة تمنح غزة ميناءً وكهرباء ومياهاً لائقة؟”.

ويلخّص هذا التساؤل حالة الغموض التي تحيط بالخطة الأمريكية: فإعادة الإعمار ليست مجرد عملية هندسية، بل مشروع سياسي واقتصادي معقد لا يمكن فصله عن مآلات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

والتحفظ الخليجي على تمويل إعادة إعمار غزة لا يعود فقط إلى تراجع العائدات النفطية أو المخاوف من الفساد، بل إلى قراءة استراتيجية ترى أن الإعمار بلا حل سياسي شامل هو تكرار لدورة الدمار نفسها.

فالدول الخليجية تريد أن ترى سلطة فلسطينية موحدة أولاً، مع ضمانات أمنية وآليات شفافة للصرف، قبل أن تضخ مليارات مشابهة لتلك الاستثمارات الضخمة التي ستضخها إلى الولايات المتحدة، وبينما يسعى ترامب لتقديم خطته كـ”صفقة تاريخية للسلام”، يبدو أن العائق الحقيقي ليس المال وحده، بل غياب الثقة السياسية والوضوح الاستراتيجي في مستقبل غزة بعد الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش