منوعات
أخر الأخبار

لماذا ستنخفض أسعار الشوكولاتة حول العالم قريباً؟

منوعات | بقش

بعد ثلاث سنوات من الاضطراب الحاد، الذي دفع أسعار الكاكاو إلى مستويات قياسية وأثقل جيوب المستهلكين، بدأت السوق العالمية تبعث إشارات واضحة على الانفراج. تقارير حديثة أشارت إلى أن موسم 2025-2026 سيشهد فائضاً في المعروض يُقدّر بنحو 186 ألف طن، أي أكثر من ضعف فائض الموسم الحالي.

هذا التطور يعيد الأمل إلى صناعة الشوكولاتة التي واجهت صدمة كبرى نتيجة تضاعف أسعار العقود الآجلة في نيويورك أربع مرات بين 2022 و2024، ما انعكس مباشرة على المستهلكين من أوروبا إلى آسيا وأمريكا الشمالية. ومع تحسّن الإنتاج في أمريكا الجنوبية وتراجع الاستهلاك العالمي، تتجه السوق نحو مرحلة توازن نسبي بعد سنوات من الاضطراب.

لكن السؤال يبقى، هل يكفي هذا الفائض المرتقب لخفض أسعار الشوكولاتة على الرفوف، أم أن الشركات ستستغل الظرف لتعويض خسائرها السابقة وتثبيت مستويات الأسعار الحالية؟

العامل الأبرز خلف التفاؤل الجديد هو زيادة إنتاج أمريكا الجنوبية. الإكوادور، ثالث أكبر منتج عالمي، تتوقع ارتفاع إنتاجها بنسبة 5% ليصل إلى 580 ألف طن خلال الموسم المقبل وفق اطلاع بقش. البيرو وكولومبيا وفنزويلا تسجل هي الأخرى زيادات ملحوظة، ما قد يضيف حتى 100 ألف طن إضافية إلى المعروض إذا سمحت الظروف المناخية.

في هذه الدول، حرية السوق لعبت دوراً محورياً. صعود الأسعار العالمية دفع المزارعين إلى توسيع المساحات المزروعة بالكاكاو، وأشجار جديدة بدأت بالفعل في إعطاء ثمارها. بعكس غرب أفريقيا، حيث أنظمة التسعير الحكومية حدّت من استفادة المزارعين المباشرة من ارتفاع الأسعار، ما قلّل من الحافز للتوسع.

بهذا، تقترب أمريكا الجنوبية من لعب دور متزايد الأهمية في توازن السوق العالمية، وهو ما قد يقلّص من اعتماد الصناعة على ساحل العاج وغانا اللتين تهيمنان تقليدياً على الإنتاج.

غرب أفريقيا.. قلب الأزمة مستمر في المعاناة

رغم أن الأسواق تتنفس الصعداء مع توقعات الفائض، إلا أن جذور الأزمة لا تزال قائمة في غرب أفريقيا. ساحل العاج وغانا، اللتان تمثلان أكثر من 60% من الإنتاج العالمي، تواجهان تحديات بنيوية: طقس غير مستقر، تقدم أعمار الأشجار، وانتشار أمراض المحاصيل مثل “تورم البراعم”.

تقديرات المتداولين تشير إلى أن إنتاج ساحل العاج سيبلغ نحو 1.8 مليون طن، مستوى قريب من الموسم الحالي، لكنه بعيد عن مستويات الذروة السابقة. ومع أن عودة الأمطار حسّنت الرطوبة في التربة بعد موجة جفاف قاسية، فإن التأثير السلبي للطقس في يوليو وأغسطس قد يحد من آمال التعافي الكبير.

هذا يعني أن أي صدمة مناخية أو مرض جديد يمكن أن يعيد الأزمة إلى الواجهة سريعاً، ويطيح بآمال الانفراج المستقر. السوق لا تزال هشة، وتعتمد بدرجة كبيرة على قدرة غرب أفريقيا على تجاوز أزماتها المزمنة.

المستهلكون في مواجهة الأسعار المرتفعة

ارتفاع أسعار الكاكاو لم يكن مجرد رقم في البورصات، بل انعكس بوضوح على رفوف المتاجر. المستهلكون في أوروبا والولايات المتحدة واجهوا زيادات تتراوح بين 30% و60% في أسعار الشوكولاتة منذ 2022 وفق متابعة بقش. هذا الارتفاع دفع كثيرين إلى تقليص مشترياتهم أو التحول إلى بدائل أرخص.

شركات الشوكولاتة الكبرى مثل “مارس” و”نستله” و”ليندت” لجأت إلى ما يُعرف في القطاع بـ”التقليص الخفي” (Shrinkflation)، حيث تقلّص حجم القطعة أو عدد الوحدات داخل العبوة مع الإبقاء على السعر، لتخفيف رد فعل المستهلكين على الزيادات المباشرة.

رغم تراجع أسعار العقود الآجلة بنحو 40% منذ بداية 2025، لم ينعكس ذلك بالسرعة نفسها على المستهلك النهائي. السبب أن الشركات تحاول أولاً تعويض تكاليفها السابقة، فضلاً عن ارتفاع نفقات التعبئة والطاقة والنقل.

تغييرات في وصفات الشوكولاتة

الأزمة أجبرت المصانع على تعديل وصفاتها لتقليل الاعتماد على الكاكاو. بعض الشركات لجأت إلى زيادة نسب الحليب أو السكر أو الدهون النباتية، فيما أدخلت شركات أخرى مواد بديلة جزئياً مثل مسحوق الخروب. الهدف كان الحد من التكاليف وتفادي رفع الأسعار بشكل حاد.

هذا التغيير، رغم أنه حافظ على بقاء المنتجات في متناول شريحة واسعة من المستهلكين، أثار نقاشاً حول “جودة الشوكولاتة” الحقيقية، ومدى قبول المستهلك لمنتج يحتوي على كميات أقل من الكاكاو.

التحولات هذه قد تستمر حتى مع تحسّن المعروض، لأن الشركات اكتشفت أنها وسيلة فعالة لإدارة التكاليف وتقليل اعتمادها على سلعة زراعية متقلبة.

السوق الآن أمام معادلة دقيقة، إنتاج متزايد من أمريكا الجنوبية، مقابل استمرار هشاشة غرب أفريقيا، واستهلاك عالمي متراجع. النتيجة المرجحة هي فائض قصير المدى يحد من موجات الصعود الحادة، لكنه لا يضمن استقراراً دائماً.

المتعاملون والمحللون يحذرون من أن أي تغير في الطقس في غرب أفريقيا أو اضطرابات لوجستية قد تقلب التوقعات رأساً على عقب. تجربة السنوات الماضية أثبتت أن الكاكاو من أكثر السلع الزراعية عرضة للتقلبات.

لذلك، فإن صناعة الشوكولاتة والمستهلكين سيظلون رهائن لمعادلة معقدة، تجمع بين الطقس والسياسة الزراعية وسلوك السوق العالمي.

رغم كل المؤشرات الإيجابية، من المبكر الحديث عن عودة أسعار الشوكولاتة إلى مستويات ما قبل الأزمة. الشركات الكبرى تملك حافزاً للحفاظ على مستويات الأسعار الحالية لتعويض خسائرها، والمستهلك قد لا يلمس سوى تخفيضات محدودة وبطيئة.

لكن الاتجاه العام واضح: السوق تتجه نحو التوازن، والأزمة الحادة التي دفعت الأسعار إلى مستويات تاريخية بدأت بالانحسار. إذا استمرت زيادة الإنتاج في أمريكا الجنوبية، وواصل الاستهلاك العالمي التباطؤ، فقد نشهد خلال 2026 استقراراً أكبر، وربما انخفاضاً تدريجياً في الأسعار.

غير أن هشاشة غرب أفريقيا تبقى الخطر الأكبر. أي انتكاسة هناك قد تعيد السوق إلى نقطة الصفر، وتبقي الشوكولاتة سلعة ترفيهية باهظة الثمن لملايين المستهلكين حول العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش