الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

“لن نقف مكتوفي الأيدي”.. ائتلاف من 12 ولاية يتحدى ترامب قضائياً بشأن الرسوم الجمركية

تعيش الولايات المتحدة الأمريكية جواً عاصفاً على خلفية السياسات الحمائية للرئيس الأمريكي، ففي خطوة تصعيدية كبيرة أقدم تحالف مكون من اثنتي عشرة ولاية، تقود معظمها إدارات ديمقراطية، على رفع دعوى قضائية ضد ترامب، معترضين بشكل مباشر على الأساس القانوني لسلطته في فرض الرسوم الجمركية التي هزت أسس التجارة العالمية مؤخراً.

الدعوى، التي تم إيداعها رسمياً لدى محكمة التجارة الدولية الأمريكية، تتمحور حول حجة دستورية مفادها أن الكونغرس، وليس السلطة التنفيذية، هو الجهة الوحيدة المخولة بتشريع وفرض التعريفات الجمركية.

يرى المدعون العامون في هذه الولايات أن ترامب تجاوز صلاحياته عبر “فرض رسوم جمركية بشكل تعسفي”، مطالبين المحكمة بإصدار أمر قضائي يوقف تطبيق هذه الإجراءات التي يؤكدون عدم قانونيتها.

وتؤكد عريضة الدعوى أن السياسة التجارية للولايات المتحدة أصبحت رهينة “لأهواء الرئيس بدلاً من الممارسة السليمة لسلطته القانونية”، مشيرةً إلى الآثار السلبية الملموسة لهذه التعريفات على اقتصادات الولايات ومستوى معيشة سكانها.

هذه الدعوى الجماعية تأتي بعد أسبوع واحد فقط من تحرك ولاية كاليفورنيا بشكل منفرد لرفع قضية مماثلة وفق متابعات بقش، حيث اتهم حاكم الولاية “جافين نيوسوم” ومدعيها العام إدارة ترامب بتأجيج حرب تجارية تسببت في “ضرر فوري لا يمكن إصلاحه” لاقتصاد الولاية الأكبر في البلاد.

ولاية أوريغون، التي تتصدر قائمة المدعين في هذه القضية الجديدة، أعرب مسؤولوها وممثلو قطاع الأعمال فيها عن قلق بالغ إزاء تداعيات الرسوم على اقتصاد الولاية المعتمد بشكل كبير على التجارة الخارجية، وتحديداً على صناعة الملابس والمعدات الرياضية التي تشتهر بها.

وقال “دان رايفيلد”، المدعي العام لولاية أوريغون، في بيان له اطلع عليه بقش: “عندما يتبنى الرئيس سياسة غير قانونية تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وفواتير الخدمات، لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي”. وأضاف أن هذه الرسوم “مسّت كل جانب من جوانب حياتنا”، مؤكداً على “مسؤولية التراجع عنها”.

في المقابل، قلل البيت الأبيض من أهمية الدعوى القضائية، واصفاً إياها على لسان المتحدث باسمه “كوش ديساي” بأنها “حملة اضطهاد” يقودها الديمقراطيون ضد الرئيس. وأكد ديساي أن “إدارة ترامب تظل ملتزمة باستخدام كامل سلطتها القانونية لمواجهة حالات الطوارئ الوطنية المتميزة التي تواجه بلادنا حالياً”، مشيراً إلى قضايا الهجرة غير الشرعية، وتدفق الفنتانيل عبر الحدود، والعجز التجاري السنوي.

وتشمل قائمة الولايات المشاركة في الدعوى، بالإضافة إلى أوريغون، كلاً من نيويورك، إلينوي، أريزونا، كولورادو، كونيتيكت، ديلاوير، ماين، مينيسوتا، نيفادا، نيو مكسيكو، و فيرمونت. ويشترك المدعون العامون في جميع هذه الولايات بانتمائهم للحزب الديمقراطي، على الرغم من أن ولايتي نيفادا وفيرمونت يحكمهما حاكمان جمهوريان.

وتجدر الإشارة إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب، والتي تصل إلى 145% على السلع الصينية، و25% على الواردات من كندا، و10% على معظم الواردات من الدول الأخرى، قد أحدثت اضطراباً واسعاً في الأسواق العالمية وأثارت سلسلة من التحديات القانونية الأخرى.

صراع السلطات والتداعيات الاقتصادية المتشعبة

تمثل هذه الدعاوى القضائية اختباراً حقيقياً لمبدأ فصل السلطات في النظام السياسي الأمريكي. جوهر الخلاف يدور حول من يملك الكلمة الفصل في رسم السياسة التجارية للبلاد: هل هو الرئيس الذي يتمتع بسلطات تنفيذية واسعة، أم الكونغرس الذي منحه الدستور صراحةً سلطة تنظيم التجارة وفرض الضرائب والرسوم؟ ستكون قرارات المحكمة في هذه القضايا حاسمة في تحديد حدود سلطة كل فرع في هذا المجال الحيوي.

بعيداً عن الجدل القانوني، تثير الرسوم الجمركية أسئلة اقتصادية عميقة، فبينما تهدف الإدارة إلى حماية الصناعات المحلية وتقليل العجز التجاري، يحذر معارضوها من آثارها السلبية المتمثلة في ارتفاع تكاليف الإنتاج على الشركات الأمريكية، وزيادة الأسعار على المستهلكين، وإمكانية اندلاع حروب تجارية انتقامية تضر بالصادرات الأمريكية، لا سيما في قطاعات مثل الزراعة والتكنولوجيا وفق مراجعات بقش. كما أن حالة عدم اليقين الناتجة عن هذه السياسات قد تثبط الاستثمار وتعيق النمو الاقتصادي على المدى الطويل.

لا يمكن فصل هذه المواجهة القانونية عن السياق السياسي الأوسع. فالتحرك الذي تقوده ولايات ديمقراطية يعكس حالة الاستقطاب الحاد في البلاد، ويُستخدم كورقة ضغط سياسية ضد إدارة ترامب.

كما أن سياسة الرسوم الجمركية نفسها تحمل أبعاداً استراتيجية في علاقات الولايات المتحدة مع القوى العالمية الكبرى، وخاصة الصين، وقد تؤثر على التحالفات القائمة وتعيد تشكيل موازين القوى الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية.

ومن المرجح أن تكون المعركة القضائية طويلة ومعقدة، وستبحث محكمة التجارة الدولية، وربما المحاكم الأعلى درجة وصولاً إلى المحكمة العليا، في دستورية الإجراءات الرئاسية ومدى توافقها مع القوانين التجارية القائمة وفق اطلاع بقش.

وقد تستند الإدارة الأمريكية في دفاعها إلى قوانين تمنح الرئيس سلطات طارئة في قضايا الأمن القومي أو التجارة غير العادلة. ومهما كانت النتيجة، فإن هذه القضايا ستشكل سابقة هامة في تفسير صلاحيات الرئاسة في مجال السياسة التجارية الخارجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى