
في خطاب أمام الكونغرس، جدَّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اهتمامه بالسيطرة على قناة بنما “لأغراض أمنية”، إلى جانب ضم جزيرة غرينلاند إلى الولايات المتحدة، ويبدو أن ترامب يسعى إلى إنفاذ خططه التي أعلن عنها منذ قدومه إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، حتى لو كان ذلك بعيداً عن الدبلوماسية، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة الاستحواذ على قناة بنما، التي لوَّح ترامب باستعادتها عسكرياً.
ومنذ بدء رئاسته الثانية، انتقد ترامب ما يصفها “سيطرة الصين” على القناة المائية الاستراتيجية التي كانت تُدار في الماضي من قبل الولايات المتحدة. وقال يوم أمس أمام الكونغرس إن إعادة السيطرة على قناة بنما يعزز الأمن القومي الأمريكي، وأكد: “ستسترد إدارتي قناة بنما، وبدأنا القيام بذلك فعلاً”.
ورفض ترامب استبعاد التدخل عسكرياً في بنما لاستعادة القناة، وهو ما أثار احتجاجات غاضبة ودفع الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى لرفع شكوى إلى الأمم المتحدة.
تأتي التحركات الأمريكية رغم نفي بكين مراراً أي تدخل لها في أنشطة القناة التي يمر عبرها 5% من الشحنات التجارية العالمية و40% من الحاويات الأمريكية، ويبلغ طولها 80 كيلومتراً.
وتبلورت فكرة الاستحواذ على قناة بنما، بعد أن رفضت رئاسة الدولة البنمية مطالب ترامب بأن تعبر السفن الأمريكية بحرية (دون فرض أي رسوم عليها). رغم أن بنما قدّمت تنازلات لواشنطن مثل الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق الصينية.
صفقة تمهّد للسيطرة الأمريكية
شركة “سي كاي هاتشيسون” القابضة في هونغ كونغ، أعلنت أنها وافقت على بيع موانئها المربحة في قناة بنما إلى تحالف شركات أمريكية، استجابة لضغوط ترامب. وقالت الشركة حسب اطلاع بقش إنها ستنقل حصتها البالغة 90% في “شركة موانئ بنما” (PPC) وستبيع عدداً من الموانئ الأخرى غير الصينية إلى مجموعة تقودها شركة “بلاك روك” الأمريكية العملاقة لإدارة الأصول. بموجب الصفقة، ستحصل الشركة البائعة حسب اطلاع بقش، على مبلغ 19 مليار دولار نقداً.
وتدير “شركة موانئ بنما”، وهي أحد فروع “هاتشيسون” منذ عقود موانئ في بالبوا وكريستوبال على طرفي الممر المائي الرابط بين المحيطين الهادئ والأطلسي.
ترامب أشاد بالصفقة التي تقودها شركة “بلاك روك” الأمريكية لشراء معظم أعمال الموانئ، لكون الصفقة ستمنح واشنطن السيطرة على موانئ رئيسية في قناة بنما.
وجاءت إشادة ترامب هذه رغم أن شركة “هاتشيسون” في هونغ كونغ قالت إن الدوافع وراء الاتفاق “تجارية وليست سياسية”. وأضافت الشركة: “نرغب بالتأكيد على أن الصفقة تجارية بحتة في طبيعتها ولا علاقة لها إطلاقاً بالتقارير الإخبارية السياسية المرتبطة بموانئ بنما”.
إلا أن تصريحات هذه الشركة المشغّلة لموانئ رئيسية في قناة بنما، يجري التشكيك في مصداقيتها، نظراً لأن الصفقة لم تتم بالأساس إلا في الوقت الذي تسعى فيه إدارة ترامب للسيطرة على القناة، ولم يتم التخطيط لها في أي وقت آخر قبل الآن، وفق متابعات بقش.
الرد البنمي: ترامب يكذب
رئيس بنما ردّ على ترامب بأن الرئيس الأمريكي “يكذب”. وقال خوسيه راؤول مولينو إن الولايات المتحدة “لا تسعى لاستعادة قناة بنما”، بخلاف تصريحات ترامب.
وفق لاطلاع بقش، كتب الرئيس البنمي على إكس: “مرة أخرى، الرئيس ترامب يكذب. قناة بنما ليست في طور الاستعادة”. واستنكر أيضاً تصريحات ترامب وقال: “إنها إهانة أخرى للحقيقة وكرامتنا كدولة”، على خلفية قول ترامب أمام الكونغرس إن إدارته بدأت عملية “استعادة” القناة لأغراض أمنية.
وبعيداً عن ردة الفعل البنمية الرسمية التي “كذَّبت” ترامب، تسببت تصريحات الرئيس الأمريكي في انتقادات محلية ودولية، حيث يخشى مراقبون أن يؤدي تلميحه بالاستعادة أو التدخل إلى توتر جيوسياسي أكبر.
فقناة بنما تُعتبر عنصراً محورياً في النظام التجاري العالمي، حيث تمر عبرها السفن المتجهة نحو الأسواق الأمريكية والأوروبية والآسيوية، ومنذ تسلُّم بنما إدارتها (في عام 1999) حققت الهيئة المستقلة للقناة إيرادات هائلة تدعم الاقتصاد البنمي.
وتُعد القناة محل جدل متكرر وسط تصاعد المنافسة بين القوى العالمية في المنطقة. وبينما تؤكد بنما استقلالية القناة التي بناها الأمريكيون، يرى محللون أن تصريحات ترامب قد تثير جدلاً جديداً حول الموقع الاستراتيجي للعقارات على الموانئ، وتزيد الضغوط الأمنية والسياسية في أمريكا الوسطى.