تقارير
أخر الأخبار

مأساة غزة.. بين كارثية الوضع الإنساني وخطة التقسيم الأمريكية

تقارير | بقش

في اليوم الـ36 من بدء وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تتجدد معاناة أهالي القطاع المحاصر وخصوصاً النازحين من سكان الخيام للعام الثالث على التوالي، وذلك مع بدء هطول الأمطار، حيث أطلقت الأسر النازحة نداءات استغاثة بعد أن تضررت خيامها وغمرتها مياه الأمطار، ليُضيف ذلك فصلاً جديداً من مأساة غزة.

فأمس الجمعة كان بداية كارثة إنسانية جديدة، حيث أضافت الأمطار الغزيرة الأخيرة عبئاً جديداً على مأساة يعاني منها مئات آلاف النازحين منذ أكثر من عامين، وقلبت مياه المنخفض الجوي حياة السكان رأساً على عقب، وغرقت خيامهم الهشة التي بالكاد كانت تقيهم صقيع الشتاء، لتتحول إلى بِرَك من الطين والماء، وتخرج صرخات الاستغاثة من بين الركام إلى العلن مرة أخرى.

ووفق اطلاع مرصد “بقش”، قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إنه مع دخول فصل الشتاء بقوة وفي ظل الحالة الجوية الصعبة والمنخفض الذي يضرب القطاع، تتزايد معاناة المواطنين وتتفاقم المأساة الإنسانية التي يواجهها قرابة 1.5 مليون إنسان يعيشون حياة النزوح في الخيام.

كارثة الأمطار والمأوى المنهار

مع غياب البنية التحتية والخدمات الأساسية، تحولت الخيام إلى بيئة خطيرة على الحياة، وسط درجات حرارة منخفضة وأمراض متفشية، فيما ارتجف الأطفال من البرد وأغرقت المياه كل ممتلكاتهم.

ورصد “بقش” مشاهد مأساوية لعائلات تقف على أرضيات خيامها الغارقة، يرفعون قطعاً من الفراش المبلل، ويستغيثون بالعالم العربي والإسلامي: “انظروا لنا بعين الرحمة يا عرب يا مسلمين يا موحدين”.

الأمطار لم تقتصر على الخيام، بل غمرت المستشفيات الحيوية، مثل مستشفى “أصدقاء المريض” في مدينة غزة، وهو المستشفى الوحيد الذي يستقبل أطفال المدينة والشمال، حيث علق الأطفال المحاصرون في الطابق الأرضي بينما يحاول الطاقم الطبي نقلهم إلى طوابق أخرى آمنة.

وتنتقل العائلات من خيمة إلى أخرى، باحثةً عن مأوى يقيها برد الشتاء وغرق الأمطار، إلا أن الواقع الميداني يؤكد أن غزة تقف وحدها أمام عاصفة الحرب وعاصفة الشتاء، مع غياب أي دعم فعلي من الجهات الإقليمية أو الدولية.

رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، وصف ما يعيشه النازحون في قطاع غزة بـ”كارثة إنسانية مركبة”، بعد أن أغرقت العواصف القاسية خيامهم، ودفعت الأسر وخاصة الأطفال والنساء وكبار السن إلى مواجهة البرد والأمطار دون أي مأوى يحميهم.

وقال فتوح في بيان، اطلع عليه بقش، اليوم السبت، إن تعنت الاحتلال في منع دخول الخيام ومواد الإغاثة الأساسية، ومن ضمنها مواد البناء الضرورية لتدعيم أماكن الإيواء، يمثل انتهاكاً صارخاً لاتفاق شرم الشيخ، الذي ألزم إسرائيل بتسهيل تدفّق المساعدات الإنسانية.

انهيار الخيام وغرقها تحت الأمطار الغزيرة كشفا عن حجم المأساة التي يعيشها النازحون في مناطق منكوبة محرومة من أبسط مقومات الحياة، في ظل حصار خانق يمنع حتى وصول المواد الأولية اللازمة لمواجهة الظروف المناخية، ما يستدعي تحركاً إنسانياً دولياً عاجلاً لفتح ممرات آمنة تسمح بإدخال الخيام ومواد البناء والإغاثة دون قيود، إذ لم يعد الوضع الراهن يحتمل الانتظار، بينما تبقى حياة أكثر من مليوني إنسان مهددة بسبب استمرار الحصار وغياب الحد الأدنى من الحماية في مواجهة قسوة الطقس.

القيود على المساعدات مستمرة

لا يزال الوضع الإنساني في قطاع غزة كارثياً بسبب استمرار الاحتلال في فرض قيود مشددة على دخول المساعدات الإنسانية. ويحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” من أن اتفاق وقف إطلاق النار سَمَح “نظرياً” بزيادة الوصول الإنساني، إلا أن ما تحقق على الأرض لا يزال بعيداً عن تلبية الاحتياجات الهائلة، مؤكداً أن القيود الإسرائيلية تعيق وصول المساعدات بشكل كافٍ إلى الفلسطينيين، وما تحتاجه غزة هو تدفق مستمر وآمن للمساعدات دون قيود.

ويقول مكتب أوتشا إن الأمم المتحدة تمكنت من إيصال الغذاء إلى أكثر من مليون شخص ونقل مواد الإيواء والمياه والأدوية والمستلزمات الإنسانية الأخرى، لكن هذه الجهود غير كافية أمام حجم الأزمة، في ظل العراقيل الكثيرة والعدد المحدود من الشاحنات التي تدخل القطاع. مشيراً إلى أن إدخال المساعدات يقتصر حالياً على مَعبرَين فقط، والمنظمات غير الحكومية تواجه صعوبات في الحصول على تصاريح لإدخال الغذاء والدواء والمساعدات الأخرى.

وبينما تركت الأزمة القاسية آثاراً عميقةً على الفلسطينيين، دعت الأمم المتحدة دول العالم إلى عدم التخلي عن غزة، في الوقت الذي لا تزال فيه دول عربية وإسلامية متواطئة ومكتفية ببيانات الإدانة والتنديد، دون تحرك سياسي فعلي ينهي معاناة دخول المساعدات وإغلاق المعابر.

وتؤكد العديد من المنظمات الدولية، أن الحل لا يكمن فقط في إدخال شاحنات مساعدات محدودة، بل في تدفق مستمر وآمن للمساعدات الإنسانية دون قيود، إلى جانب إعادة إعمار البنية التحتية الأساسية لتخفيف معاناة الفلسطينيين.

على غرار تجارب فاشلة في العراق وأفغانستان.. خطة التقسيم الأمريكية المقترحة

في الوقت الذي تتفاقم فيه الكارثة الإنسانية، كشفت وثائق أمريكية حديثة عن خطة إدارة ترامب طويلة الأمد لقطاع غزة مدعومة من دول عربية، بهدف إعادة رسم الخرائط السياسية والديموغرافية للقطاع، وتقسيمه إلى منطقتين أساسيتين، منطقة خضراء ومنطقة حمراء.

المنطقة الخضراء حسب اطلاع بقش تقع في شرق غزة، وتكون تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية والدولية، مع بدء إعادة الإعمار من خلال شركات الدولة، وإقامة مناطق يُفترض أنها آمنة للمواطنين الفلسطينيين، على أن تُسهل القوة الدولية عمليات الأمن وإعادة البناء.

أما المنطقة الحمراء فتقع في غرب القطاع وتشمل غزة القديمة، وتبقى مدمرة دون خطط لإعادة الإعمار، موطناً لملايين الفلسطينيين بعد تهجيرهم، وبعيداً عن أي حماية دولية فعالة.

ووفق الوثائق العسكرية، ستنتشر قوات أجنبية أولية إلى جانب الجنود الإسرائيليين شرق القطاع، بينما يحدد “الخط الأصفر” الحدود بين المنطقتين، ما يثير مخاوف من خلق شرخ مجتمعي طويل الأمد وتكرار نمط التمييز الجغرافي والاقتصادي.

وتتضمن الخطة الأمريكية إنشاء قوة دولية مؤلفة من 1500 جندي بريطاني و1000 جندي فرنسي، إلى جانب دعم لوجستي وأمني من ألمانيا وهولندا ودول غربية أخرى، لتغطية مناطق محددة.

ومع ذلك، ترى تقارير -مثل تقرير صحيفة الغارديان- أن هذه القوة “وهمية” عملياً، وأن الدول الأوروبية لن تضع حياة جنودها على المحك في مواجهة تهديدات حقيقية على الأرض، كما أن الأردن أعلن عدم مشاركته وفق متابعة بقش. وتشير الوثائق إلى أن هذه القوة الدولية لن تعمل غرب الخط الأصفر، ولن تحمي السكان من أي هجمات.

وفي الجانب الفلسطيني، تقترح خطة ترامب إنشاء قوة شرطة فلسطينية “بعيدة المدى” لإدارة الأمن الداخلي، لكن الدور المخصص لها محدود للغاية: 200 عنصر في البداية، ترتفع إلى 4 آلاف خلال عام، أي نحو 20% فقط من القوة الأمنية الكلية التي ستعمل في غزة.

وفي ما يخص إعادة الإعمار، تربط واشنطن العملية بإنشاء المنطقة الخضراء، ويتصور المخططون أن توفر هذه المنطقة خدمات وبنى تحتية تفتقر إليها المنطقة الحمراء، بما يشجع السكان على الانتقال إليها من تلقاء أنفسهم.

هذا التصور، وفقاً لغارديان، يذكّر بتجارب أمريكية فاشلة في العراق وأفغانستان، حيث تحوّلت “المناطق الخضراء” إلى جيوب محصنة تعيش فيها القوات الغربية بمعزل عن السكان، ولم تنجح في خلق بيئة آمنة أو في كسب “قلوب وعقول” الناس.

وسبق وطرحت إدارة ترامب فكرة إقامة “المجتمعات الآمنة البديلة” لمجموعات فلسطينية صغيرة، لكنها أُلغيت بعد أيام من الترويج، فيما لا تزال المنظمات الإنسانية غير مطلعة على أي تحديثات حول البدائل العملية.

وفي حال تنفيذ الخطة الأمريكية المقترحة، فمن شأنها أن تعمق الانقسام الداخلي في غزة، وتخلق واقعاً إنسانياً متناقضاً، بين مناطق جديدة تُبنى ويُعاد إعمارها، ومناطق غارقة في أنقاضها، يعيش فيها الفلسطينيون تحت ظروف إنسانية مأساوية.

هذا، إلى جانب استمرار الأمطار والسيول الشتوية، الذي يعزز من معاناة السكان، ويزيد خطر وفاة الأطفال والمرضى، ويؤكد فشل أي دور عربي أو إسلامي فاعل في حماية المدنيين، ما يضع غزة مرة أخرى في دائرة المأساة المستمرة بلا حل.

زر الذهاب إلى الأعلى