الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

ماذا يعني فتح بنك عدن المركزي مزادين للسندات والأذون وسط أزمة اقتصادية معقدة؟

الاقتصاد اليمني | بقش

أعلن البنك المركزي في عدن عن فتح مزادين جديدين لأدوات الدين العام المحلي، أحدهما طويل الأجل يتمثل في سندات خزينة لثلاث سنوات بعائد سنوي يصل إلى 20%، والآخر قصير الأجل عبر أذون خزانة لمدة عام بعائد 18%.

هذه الخطوة تأتي في وقت تعيش فيه الأسواق اليمنية أجواء مضطربة، وسط خلافات بين الحكومة والبنك المركزي حول ملف المرتبات، وتزايد الضغوط على السيولة الأجنبية.

وفق إعلان البنك المركزي الذي اطلع عليه مرصد بقش، فإن القيمة المبدئية لمزاد السندات طويلة الأجل تبلغ 10 مليارات ريال يمني قابلة للزيادة، على أن يستحق العائد كل ستة أشهر، ويسمح البنك للمستثمرين بتقديم أكثر من عطاء بنسبة ثابتة، على ألا يقل حجم المشاركة عن 50 مليون ريال وبمضاعفات هذا الرقم.

يتم تقديم العطاءات عبر منصة ريفينيتيف الأمريكية الإلكترونية، فيما يتيح البنك خيار التقديم عبر البريد الإلكتروني المخصص لإدارة الدين العام للمشاركين غير القادرين على استخدام المنصة. وأكد البنك أن التسويات ستُجرى خلال يومي عمل من تاريخ المزاد، مع التشديد على التزام فروعه والبنوك المحلية بكل تفاصيل الشروط، وتحميلها المسؤولية القانونية في حال المخالفة.

أما مزاد أذون الخزانة قصيرة الأجل، فقد حدد البنك قيمته المبدئية عند 500 مليون ريال، مع إمكانية زيادتها إذا دعت الحاجة. ويستحق العائد البالغ 18% على أساس نصف سنوي، ووفق ذات الشروط المتعلقة بحجم المشاركة والحد الأدنى البالغ 50 مليون ريال حسب قراءة بقش. ويهدف هذا المزاد إلى تمويل الاحتياجات العاجلة للحكومة على مدى عام واحد، بما يوفر سيولة سريعة مقارنة بالسندات طويلة الأجل.

توقيت حساس

هذه المزادات تأتي في وقت حساس، إذ ما يزال الجدل قائماً حول عجز الحكومة عن صرف المرتبات المتأخرة للجيش والموظفين منذ أشهر. ويرفض البنك المركزي في عدن اعتماد أي خيارات يرى أنها تضخمية أو تهدد استقرار سعر العملة، مثل السحب المكشوف أو استخدام الحاويات المحتجزة من العملة المطبوعة.

في المقابل، تتهم الحكومة البنك بعرقلة الأولويات المالية، بينما يعاني المواطنون من تداعيات مباشرة تتمثل في ارتفاع الأسعار وتآكل القوة الشرائية.

وتتزامن هذه الإجراءات مع أزمة الثقة المتنامية في المنظومة المصرفية، خصوصاً بعد الجدل حول أكثر من 147 جهة حكومية لا تزال تحتفظ بإيراداتها في حسابات خارج البنك المركزي، إضافة إلى ملف “الإعاشة” الذي أثار جدلاً واسعاً بسبب تحويل ملايين الدولارات لمسؤولي حكومة عدن في الخارج.

بحسب تقييمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فإن استخدام أدوات الدين العام يعد وسيلة تمويل مشروعة، لكنها في الحالة اليمنية محفوفة بالمخاطر. فغياب موارد ثابتة وشفافة، إلى جانب العجز عن فرض توريد الإيرادات إلى البنك المركزي، يجعل من التوسع في الاقتراض المحلي خطوة قصيرة الأمد قد تؤدي إلى تزاحم مع القطاع الخاص.

ويحذر الصندوق من أن الاعتماد المفرط على أذون وسندات الخزانة سيجعل البنوك تفضل تمويل الحكومة بعوائد مرتفعة بدلاً من تمويل الأنشطة الإنتاجية، وهو ما يفاقم الركود الاقتصادي، كما يشدد على أن استدامة الدين العام تتطلب إصلاحات هيكلية وتوسيع القاعدة الضريبية والجمركية، وليس الاكتفاء بالاقتراض الداخلي.

رد فعل السوق المحلي

في السوق المحلي، تنظر البنوك التجارية إلى هذه المزادات كفرصة لتوظيف السيولة المتاحة بالعملة المحلية بعوائد مرتفعة، خصوصاً في ظل محدودية الخيارات الأخرى وتجميد كثير من أصولها في الخارج وفق متابعة بقش. غير أن بعض الصرافين والمستثمرين يرون أن هذه الخطوة قد تمتص السيولة من السوق وتزيد الضغط على حركة الأموال المخصصة للاستيراد، ما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر في الأسواق.

وتبقى الثقة في التزام البنك المركزي بآجال التسوية وصرف الفوائد هي العامل الحاسم في مستوى الإقبال على هذه الأدوات.

وإذا تمكن البنك من إدارة هذه المزادات بقدر عالٍ من الشفافية والانتظام، فقد تشكل نقطة دعم مؤقتة لاستقرار العملة، لكن غياب حلول جذرية للإيرادات والمرتبات يضع كل هذه الجهود تحت طائلة الشك.

وتجمع هذه المزادات بين بعدين متناقضين: من جهة، تمثل حاجة ملحة لتوفير سيولة آنية تسد جزءاً من فجوة التمويل الحكومي. ومن جهة أخرى، ترفع من كلفة خدمة الدين الداخلي، وتكرس اعتماداً متزايداً على عوائد مرتفعة قد تتحول إلى عبء ثقيل إذا لم يقترن ذلك بإصلاحات مالية واقتصادية أوسع.

وفي ظل استمرار الخلافات بين الحكومة والبنك المركزي، وغياب أي دعم خارجي جديد، يظل السؤال الأساسي: هل يمكن أن تكون أدوات الدين العام حلاً مرحلياً فقط؟ أم هي بداية حلقة مفرغة من الاقتراض والعجز، تضع الاقتصاد في عدن على مسار أكثر هشاشة؟

الرهان اليوم ليس على أدوات الدين وحدها، بل على إرادة سياسية جادة تضمن توريد الإيرادات العامة إلى البنك المركزي وإصلاح منظومة الإنفاق الحكومي. فبدون ذلك، ستظل هذه المزادات، سواء سندات طويلة الأجل أو أذون قصيرة الأجل، مجرد مسكنات مؤقتة في اقتصاد منهك يترنح تحت وطأة العجز والفساد وانعدام الثقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش