الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

ماراثون المعادن الثمينة.. كيف قفزت الفضة على الذهب؟

الاقتصاد العالمي | بقش

بعد أن خطف الذهب الأضواء هذا العام مدفوعاً بتداعيات السياسات الاقتصادية غير التقليدية لإدارة ترامب، برزت الفضة بصورة لافتة كأحد أكثر الأصول ارتفاعاً، بل تفوقت في صعودها على المعدن الأصفر، في مفارقة قلبت كثيراً من المسلّمات المتعلقة بحركة المعادن الثمينة.

أسعار الذهب شهدت ارتفاعاً قوياً خلال 2025 وفق تتبُّع مرصد “بقش”، مع توجه المستثمرين والبنوك المركزية للملاذات الآمنة، لكن الفضة كانت الأكثر جذباً للأنظار، إذ بلغ ارتفاعها 100% مع مطلع ديسمبر، مقارنة بـ60% للذهب.

ورغم أن المعدنين يتحركان غالباً في الاتجاه ذاته، إلا أن الفضة تتسم بمرونة أكبر وحركات سعرية أعنف، ما يجعلها أكثر حساسية للصدمات الاقتصادية والتغيرات الصناعية.

ندرة متزايدة.. ومعروض يتناقص

أحد أهم دوافع الارتفاع يعود إلى انخفاض المعروض العالمي من الفضة، مع تراجع المخزونات في مراكز التداول الكبرى إلى مستويات هي الأدنى تاريخياً، مقابل تزايد الطلب من المستثمرين الذين يبحثون عن حماية من التضخم والأزمات الجيوسياسية.

والفضة، بعكس الذهب الذي يُكتنز أساساً كمخزون للقيمة، تُستهلك بكثافة في الصناعة، ما يجعل المعروض المتاح أقل، والقدرة على تلبية الطلب أكثر هشاشة.

وتُستخدم الفضة كعنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في عدة قطاعات حيوية، أبرزها الإلكترونيات (لوحات الدارات الكهربائية، المفاتيح الكهربائية، البطاريات، السيارات الكهربائية)، والطاقة الشمسية، إذ يُعتبر معجون الفضة مكوّناً رئيسياً في الألواح الشمسية الحديثة. ومع ارتفاع الإنتاج العالمي للألواح، تحوّلت الطاقة الشمسية إلى أحد أكبر المستهلكين للفضة عالمياً.

كما تستخدم الفضة في الأجهزة الطبية (الطلاءات المضادة للبكتيريا، الأدوات الطبية الحساسة)، والمجوهرات والعملات. وفي هذه الأثناء، لا تزال الصين والهند أكبر مستهلكين للفضة على مستوى العالم، لأسباب ثقافية واقتصادية، حيث تُعد الفضة مخزناً للقيمة وللزينة معاً.

وتستهلك الحكومات كميات ضخمة من الفضة لإنتاج العملات المعدنية والميداليات، خصوصاً مع تزايد الطلب الاستثماري على العملات الفضية.

سوق الفضة.. أقل سيولة وأكثر عرضة للاضطراب

على عكس الذهب، فإن سوق الفضة أصغر حجماً وأقل سيولة وأكثر عرضة لتقلبات حادة وسريعة، ولا تمتلك احتياطيات ضخمة للإقراض عند الأزمات.

تبلغ قيمة الفضة المخزنة في لندن نحو 50 مليار دولار فقط، مقابل 1.2 تريليون دولار للذهب وفق اطلاع بقش على أحدث البيانات، وبينما تعتمد أسواق الذهب على أكثر من 700 مليار دولار من السبائك التي تحتفظ بها البنوك المركزية ويمكن استخدامها كقروض عند الانكماش، فإن الفضة لا تمتلك شبكة أمان مشابهة.

ومع ارتفاع الذهب في بداية 2025، بدا أن الفضة أقل سعراً من حيث النسبة التاريخية بين المعدنين، والتي وصلت إلى 1 إلى 100، واعتبر المستثمرون أن الفضة مقيمة بأقل من قيمتها، فتدفقوا نحوها بقوة.

وتعاني اقتصادات كبرى مثل الولايات المتحدة واليابان وفرنسا من مستويات دين غير مسبوقة، وفشل واضح في إيجاد حلول سياسية، وهو ما دفع المستثمرين للابتعاد عن السندات الحكومية والعملات، واللجوء إلى ما يُعرف بـ”تجارة تخفيض القيمة”، أي الاستثمار في الأصول الحقيقية التي تُفلت من تآكل العملة، وفي مقدمتها الفضة.

وتُعد المكسيك وبيرو والصين أكبر ثلاث دول في العالم منتجة للفضة، وواجهت في 2025 انخفاض جودة الخام وعقبات تنظيمية وقيوداً بيئية ومحدودية في المشاريع الجديدة، ما أدى إلى تراجع إنتاج الفضة عالمياً، مقابل ارتفاع الطلب بصورة قياسية.

ومع تحسن أوضاع الاقتراض تراجعت تكلفة اقتراض الفضة، ما سهّل دخول المزيد من المستثمرين للسوق.

وتكمن خصوصية الفضة في أنها تقع عند تقاطع عالمي بين الصناعة والاستثمار والطاقة والسياسة النقدية، لذلك فإنها حسب قراءة بقش تتأثر بدورات التصنيع، وأسعار الفائدة، وسياسات الطاقة المتجددة، وتوقعات الركود، واتجاهات المستثمرين

وبتسارُع الاقتصاد العالمي، ترتفع الفضة بفعل الطلب الصناعي، وبضعف الاقتصاد تدخل الفضة كملاذ استثماري بديل.

بالنتيجة، تتفوق الفضة في أدائها على الذهب للمرة الأولى منذ سنوات، بفعل مرونتها الكبيرة، مدفوعةً بندرة المعروض وتوسع استخدامها الصناعي ونهم المستثمرين الباحثين عن ملاذات آمنة في عالم مضطرب اقتصادياً وسياسياً، ومع استمرار التوسع في الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، واستمرار هشاشة الإنتاج، يبدو أن الفضة قد تكون العنوان الأبرز لسباق المعادن الثمينة خلال السنوات المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى