إسرائيل تحاول إسكات المجتمع الدولي بـ”فتح محدود للمساعدات” و أوروبا تنتفض ضد الاحتلال بعد شراكة ودعم كبيرين

تقارير | بقش
خلفت الوحشية الإسرائيلية أوضاعاً إنسانية كارثية غير مسبوقة تكاد تكون الأسوأ في قطاع غزة، نتيجة القتل والتشريد والنزوح وتفشي المجاعة في القطاع الضيق المحاصر، في حين يدعي الاحتلال سماحه بإدخال مساعدات “محدودة” لا ترقى حتى لأن تكون “ذرّاً للرماد في العيون”.
ويواصل الاحتلال منع دخول شاحنات المساعدات، في إطار سياسة الحصار والتجويع ضد أكثر من 2 مليون إنسان يعيشون الأوضاع الكارثية وغير الآدمية، وتؤكد الأمم المتحدة أن إدخال مساعدات مؤقتة إلى غزة لا يكفي على الإطلاق لتلبية الاحتياجات الملحة الهائلة.
ولم يؤثر فتح الاحتلال المعابر جزئياً لإدخال المساعدات في الأسواق الغزية الفارغة من المواد الغذائية، بفعل نفاد المخزون الأساسي نتيجة الإغلاق المستمر منذ 02 مارس. هنا لا يجد الفلسطينيون في الأسواق ما يساعدهم على تجاوز الأزمة الخانقة، بسبب نفاد المواد وعلى رأسها الدقيق والسكر والزيت، وارتفاع أسعار الكميات الشحيحة إلى نسب خيالية وصلت إلى ما يزيد عن ثلاثين ضعفاً.
وتشير معلومات اطلع عليها بقش إلى ارتفاع الدقيق – وهو السلعة الأندر والأكثر طلباً – إلى أكثر من خمسين ضعفاً، رغم جودته الرديئة وخلط نسبة كبيرة منه بالرمل لزيادة وزنه، أو تلوثه بالسوس والحشرات، وذلك جانب صغير من جوانب الأزمة الإنسانية الهائلة التي لا توصف.
ورغم الحديث هنا وهناك عن نية إسرائيل إدخال الكميات “المحدودة” من المواد الأساسية، إلا أن هذه التصريحات لا تغير أي شيء على الواقع، حيث لم يدخل يوم الإثنين (19 مايو) إلا خمس شاحنات، بينما يحتاج سكان القطاع نحو 600 شاحنة يومياً كحد أدنى.
إعلان أوروبي: مراجعة الاتفاق مع إسرائيل
في هذه الأثناء، تصعّد بريطانيا لهجتها وهي من أهم الشركاء التجاريين والسياسيين لإسرائيل، وتنتقد فرنسا والدول الأوروبية الأخرى الاحتلال بلهجة جديدة، ويتبدل الموقف الأوروبي الداعم طويلاً لإسرائيل إلى موقف مؤيد لإدخال المساعدات وفرض عقوبات اقتصادية على الإسرائيليين وجعلهم منبوذين بعد أن كانوا شركاء للأوروبيين ضمن اتفاقية الشراكة.
الاتحاد الأوروبي أعلن أنه سيراجع اتفاقاً يحكم علاقاته السياسية والاقتصادية مع إسرائيل، بسبب الوضع “الكارثي” في قطاع غزة، وهناك 17 من أصل 27 دولة في الاتحاد أيدت المراجعة التي اقترحها وزير خارجية هولندا، وستُركّز على ما إذا كانت إسرائيل ملتزمة ببند حقوق الإنسان المنصوص عليه في الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ عام 2000.
وقد سمحت إسرائيل بإدخال مساعدات “محدودة” إلى غزة، لكن هذه المساعدات “قطرة في محيط” وفقاً للاتحاد الأوروبي الذي طالب بأن تتدفق المساعدات على الفور، وعلى نطاق واسع. ومن جهتها ردت إسرائيل بعنف على انتقادات الاتحاد الأوروبي واعتبرت أن الأوروبيين يعانون من “سوء فهم تام للواقع المعقد الذي تواجهه”، على حد زعمها، وادعت الخارجية الإسرائيلية وفق اطلاع بقش أن “انتقاد إسرائيل يؤدي فقط لتقوية موقف حماس وتشجيعها على التمسك به”.
تعليق التجارة
بريطانيا أعلنت عن تعليق محادثات التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرض عقوبات جديدة على مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، كما أعلنت السويد أنها ستضغط داخل الاتحاد الأوروبي من أجل فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، والنرويج كذلك قالت إنها ستواصل اتصالاتها للاتفاق على تدابير تتضمن عقوبات اقتصادية لمواجهة انتهاكات إسرائيل.
ومن جانبها أعلنت إيرلندا، أيضاً، أنها ستعمل على تعليق اتفاق الشراكة بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي. كما أقرّ برلمان إسبانيا النظر في مقترح “حظر تجارة الأسلحة” مع إسرائيل، بما في ذلك المعدات مثل الخوذ والدروع وحتى الوقود الذي قد يُستخدم لأغراض عسكرية، وهو ما يثير مخاوف حقيقية لدى تل أبيب من الإقدام الأوروبي على الإجراءات العقابية التي تؤدي إلى تدهور العلاقات الذي ليس من صالح إسرائيل القابعة وسط منطقة ساخنة، فضلاً عن تضرر إسرائيل من تعليق الشراكات التجارية والسوق الحرة المفتوحة بينها وبين هذه الدول.
فقد سبق وأشارت تحليلات مرصد “بقش” إلى أن الإجراءات الأوروبية العقابية، في حال حدوثها فعلياً، ستوجه ضربة قاسية للاقتصاد الإسرائيلي، حيث إن 32% من الصادرات الإسرائيلية تذهب إلى الاتحاد الأوروبي وحده.
خطوة أوروبية “متأخرة بشكل كارثي”
منظمة العفو الدولية “أمنستي” رحبت بمراجعة الاتحاد الأوروبي علاقاته مع إسرائيل، لكنها وصفت هذه الخطوة بأنها “جاءت متأخرة بشكل كارثي”، وسط معاناة إنسانية فلسطينية لا توصف. كما أكدت منظمة العفو أن سياسة “الاسترضاء” غير الرسمية التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل تتناقض كلياً مع التزامات الدول الأعضاء، “وسيحكم عليها إلى الأبد في صفحات التاريخ”.
في معرض تأكيدها على كارثية تأخر الخطوة الأوروبية، أكدت المنظمة أن إسرائيل تواصل ارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة وسط “إفلات مروع من العقاب”.
وقالت إنه بسبب “تقاعس الاتحاد الأوروبي”، بل “بدعم من بعض دوله الأعضاء، يتجرّأ قادة إسرائيليون على المجاهرة بأهدافهم المتعلقة بالإبادة الجماعية”، في إشارةٍ من المنظمة إلى تصريحات نتنياهو الذي قال إن إسرائيل ستسيطر على كامل قطاع غزة، ووزير ماليته اليميني المتطرف سموتريتش الذي زعم أن “الجيش الإسرائيلي سيدمر كل ما تبقى من غزة ولن يبقي حجراً على حجر فيها”.
وطالبت “أمنستي” الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بـ”حظر التجارة والاستثمارات” التي من شأنها الإسهام في ارتكاب الإبادة الجماعية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. وشددت على ضرورة أن يعلق الاتحاد الأوروبي كافة أشكال التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية.
وتقوم دول أوروبية بنقل الأسلحة إلى إسرائيل، وباتت هذه الدول مطالَبة بتعليق هذه العمليات التي تساهم في إبادة الفلسطينيين.
إسرائيل المنبوذة: أسوأ وضع مررنا به
ربما أصبحت إسرائيل “منبوذة” من قِبل المجتمع الدولي على حد تعبير صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، حيث انحطت مكانة إسرائيل الدولية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق.
الصحيفة نقلت عن مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية قولة إنّ إسرائيل تواجه “تسونامي حقيقياً سيتفاقم”، وأكد: “نحن في أسوأ وضع مررنا به على الإطلاق”، فالإجراءات العقابية المتخذة ضد إسرائيل على الساحة الدولية، بسبب استمرارها في حرب الإبادة على غزة، سيكون لها “آثار اقتصادية خطيرة”.
وأكدت الصحيفة في تقريرها الذي اطلع عليه بقش أن بريطانيا، مثلاً، تُعد من أهم شركاء إسرائيل التجاريين، إذ يصل حجم التبادل التجاري مع بريطانيا إلى نحو 9 مليارات جنيه إسترليني، أي أكثر من 12 مليار دولار، ما يجعل لندن رابع أكبر شريك تجاري لتل أبيب. كما أن الاتفاق الذي علّقت بريطانيا التفاوض بشأنه مع إسرائيل يُعتبر “حيوياً للغاية” بالنسبة لصناعة التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل وفقاً ليديعوت أحرونوت.
هذا ويمثل التهديد الأوروبي بإلغاء اتفاق الشراكة خطوة “غير مسبوقة”، وتُقدَّر الأضرار المُحتملة بعشرات المليارات، ما يجعل الأمر تهديداً اقتصادياً بالغ الخطورة لإسرائيل، خصوصاً أن قوى مثل بريطانيا باتت تتحدث عن الاعتراف بشكل مشترك بدولة فلسطينية.