الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

محافظ بنك إسرائيل يحذر: الاقتصاد الإسرائيلي في عين العاصفة، وتكاليف الحرب باهظة

تقارير | بقش

دقت أعلى المستويات الاقتصادية في إسرائيل ناقوس الخطر، محذرة من أن الكيان يسير على حبل مشدود بين مرونة اقتصادية مفاجئة ومخاطر “فوضى” حقيقية، مدفوعة باستمرار الحرب وتداعياتها العميقة، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين السياسي الداخلي.

وفي خضم نقاشات مؤتمر “إيلي هورفيتس للاقتصاد والمجتمع” المرموق، الذي ينظمه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، خرج محافظ بنك إسرائيل، “أمير يارون”، بتصريحات قوية تعكس قلق المؤسسة النقدية من المستقبل.

“كلما سمحوا بإلحاق الضرر بمؤسسات الدولة، كلما سيؤثر ذلك على الاقتصاد بأكمله”، هكذا حذر يارون، في إشارة واضحة إلى التجاذبات السياسية والمخاوف من إضعاف المؤسسات، مؤكداً أن الوضع الاقتصادي الحالي “ليس من الصواب إضافة عوامل خطر وتحديات إضافية إليه”.

تصريحات يارون لم تأت من فراغ، بل تستند إلى قراءة دقيقة للمشهد الاقتصادي الذي، رغم إظهاره بعض مظاهر التماسك، يعاني من ندوب الحرب المستمرة ضد غزة، والغموض الذي يلف المستقبل، فالاقتصاد الذي شهد انكماشاً حاداً بنسبة 21% في الربع الأول من عام 2024، عاد ليحقق نمواً بنسبة 16% في الربع الأول من عام 2025، لكن يارون يسارع إلى التوضيح بأن هذا النمو “لم يكن كافياً للتعافي الكامل”، واصفاً الانتعاش بأنه “معتدل وبطيء” بسبب طبيعة الصدمة وطول أمدها.

فاتورة الحرب الباهظة: أرقام تتحدث عن نفسها

حرب الإبادة الإسرائيلية الدائرة ضد غزة، والتي دخلت عامها الثاني، تركت بصماتها الثقيلة على كافة مفاصل الاقتصاد الإسرائيلي، الأرقام الصادرة عن بنك إسرائيل المركزي ووزارة المالية، ترسم صورة مقلقة، حيث تشير تقديرات وزارة المالية إلى أن إسرائيل أنفقت حوالي 112 مليار شيكل (نحو 30.6 مليار دولار) على العمليات العسكرية في غزة ولبنان خلال عام 2024 وحده.

وذهبت تقديرات أخرى إلى أن التكلفة الإجمالية قد وصلت إلى 67 مليار دولار بنهاية 2024، مع تحذيرات من ارتفاعها إلى 93 مليار دولار إذا امتدت الحرب حتى نهاية 2025 الجاري. ولتمويل هذه التكاليف، لجأت إسرائيل إلى الاقتراض المكثف، مما أدى إلى مضاعفة حجم الديون المسجلة في 2023 لتصل إلى 160 مليار شيكل (43 مليار دولار)، ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 60.5% في 2022 إلى 62.1% في 2023، ومن المتوقع أن تقفز إلى 67% أو حتى 69% بنهاية 2024.

وبعد انكماش حاد، نما الاقتصاد بنسبة متواضعة بلغت حوالي 1% فقط في عام 2024. ورغم أن بنك إسرائيل توقع نمواً بنسبة 3.5% لعام 2025، إلا أن المحافظ نفسه حذر من أن استمرار القتال قد يخفض هذه النسبة بمقدار نصف نقطة مئوية. كما ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 3.6% في أبريل 2025، متجاوزاً النطاق المستهدف لبنك إسرائيل (1%-3%)، مما دفع البنك إلى الإبقاء على أسعار الفائدة عند 4.5% لكبح جماح الأسعار، الأمر الذي قد يؤثر بدوره على النمو.

بدورها، أبقت وكالات التصنيف الائتماني العالمية مثل “فيتش” و”ستاندرد آند بورز” على تصنيف إسرائيل عند (A) لكنها خفضت النظرة المستقبلية إلى “سلبية”، عاكسة المخاطر الجيوسياسية والمالية المتزايدة.

تحديات هيكلية ومعضلة سوق العمل

يشير يارون إلى أن الفجوة في الناتج المحلي الإجمالي، التي تقدر بنحو 4% مقارنة بمستويات ما قبل الحرب، تعود بشكل أساسي إلى “قيود العرض”، ويأتي في مقدمة هذه القيود النقص الحاد في القوى العاملة، نتيجة استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط، والغياب شبه التام للعمال الفلسطينيين، والانخفاض الكبير في عدد العمال الأجانب، هذا النقص أثر بشكل خاص على قطاعات حيوية مثل البناء والزراعة والتكنولوجيا الفائقة.

وبينما شهد الطلب انتعاشاً بعد الصدمة الأولى، واجه الاقتصاد صعوبة في تلبية هذا الطلب، مما أدى إلى زيادة الواردات، بالتزامن مع ارتفاع حاد في الإنفاق الحكومي، وخاصة الإنفاق الدفاعي.

لم تقتصر التحذيرات في المؤتمر على الجانب الاقتصادي. فقد أثار الدكتور إيال هولتا، مستشار الأمن القومي السابق، قضايا استراتيجية عميقة، مشيراً إلى أن إسرائيل “ليس لديها مفهوم أمني مكتوب بشكل صحيح”، وأنها “لم تستعد أبداً لحروب طويلة”.

وأكد هولتا أن الضرر الذي ألحقته إسرائيل بحماس “غير مسبوق”، لكنه حذر من أن “هزيمة حماس لن تحل قدرة العناصر المتطرفة في غزة على حمل السلاح”، داعياً إلى “حل أكثر شمولية”، كما أعرب عن قلقه من أن الانشغال بالحرب الحالية يصرف الانتباه عن التحدي الاستراتيجي الأكبر المتمثل في إيران.

يقف الاقتصاد الإسرائيلي اليوم عند مفترق طرق حاسم، فبينما يمتلك عناصر قوة ومرونة ساعدته على تجاوز أزمات سابقة، فإن طول أمد الحرب، وتكاليفها الباهظة، والغموض السياسي، والنقص في العمالة، والضغوط التضخمية، كلها عوامل تضع ضغوطاً هائلة على المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش