محافظ بنك عدن يكشف المستور: 147 جهة حكومية خارج الرقابة و75% من الإيرادات تُهدر خارج البنك المركزي

الاقتصاد اليمني | بقش
في ظل الانهيار المتسارع لسعر صرف العملة في مناطق سيطرة الحكومة، بلغ الدولار الأمريكي في عدن نحو 2900 ريال يمني، فيما وصل الريال السعودي إلى 760 ريالاً، وسط موجة تضخم خانقة تضرب الأسواق وتهدد الأمن المعيشي لملايين المواطنين.
هذا الانهيار لا يأتي فقط نتيجة العوامل السياسية والعسكرية، بل يعكس أزمة مالية وإدارية متجذرة، تتصل مباشرة بأداء البنك المركزي اليمني في عدن، وفشل الدولة في السيطرة على مواردها.
وتشير بيانات رصدها بقش إلى أن التدهور الحاصل في العملة يعكس حالة شلل مالي كامل، يغذيه غياب الموازنات العامة منذ سنوات، والفساد الواسع في تحصيل الإيرادات، والتسيّب الكامل في إدارة المؤسسات المالية، خصوصاً في ظل اعتراف رسمي نادر من محافظ البنك المركزي نفسه بحجم الكارثة.
147 جهة إيرادية خارج السيطرة… و75% من الإيرادات لا تصل إلى البنك
في لقاء كشف خلاله رئيس تحرير صحيفة “عدن الغد” فتحي بن لزرق جانباً من حواره مع محافظ البنك المركزي في عدن، “أحمد غالب المعبقي”، نُقلت اعترافات مباشرة بخطورة الوضع المالي.
ووفقاً لما رصده بقش، أكد المحافظ أن أكثر من 147 جهة حكومية إيرادية لا تخضع لأي رقابة حقيقية، وأن ما يتم توريده فعلياً للبنك لا يتجاوز 25% فقط من الالتزامات العامة للدولة.
وأضاف المحافظ أن هذا العجز المزمن يُفقد البنك القدرة على ممارسة دوره المالي والنقدي، موضحاً أن الأموال يتم التصرف بها في المحافظات المختلفة خارج الأطر القانونية، دون أي تخطيط أو رقابة، فيما تُدار ميزانيات موازية على مستوى محلي لا تمر عبر البنك المركزي، ولا تخضع لأي تدقيق مالي.
حكومة بلا ميزانية منذ 2019
بحسب ما اطّلع عليه بقش، فإن واحدة من أخطر القضايا التي أشار إليها محافظ البنك المركزي تتمثل في أن حكومة عدن تعمل منذ عام 2019 دون ميزانية سنوية رسمية، وهو ما أفقدها القدرة على التخطيط المالي وأربك جميع مؤسساتها، واعتبر أن إقرار ميزانية فعلية هو شرط أساسي لأي مسار اقتصادي سليم، لأنه يسمح للحكومة بتحديد التزاماتها ومواردها ومخططاتها المالية بشكل منضبط.
وأشار إلى أن غياب الموازنة هو السبب في عدم وجود أولويات واضحة لدى السلطات التنفيذية، وفي غياب التنسيق بين الحكومة والبنك ومؤسسات الرقابة، ما أدى إلى فوضى مالية غير مسبوقة.
وديعة سعودية تتبخر وموارد نفطية متوقفة
وأكد المحافظ أن المتبقي من الوديعة السعودية لا يتجاوز 225 مليون دولار فقط، ولا يمكن للبنك التصرف بها دون إذن المودع السعودي، وأشار إلى أن معظم ما تم استخدامه من الوديعة ذهب لتغطية الرواتب والنفقات الحكومية، وهو ما يدل على أن الاعتماد على مصادر مؤقتة لم يعد مجدياً في ظل توقف صادرات النفط منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المحافظ بأنه “ضربة موجعة للدولة”.
واعتبر “المعبقي” أن إعادة تصدير النفط وتوجيه كافة الموارد نحو البنك المركزي بات ضرورة ملحة لإنقاذ الاقتصاد ومنع مزيد من الانهيار في سعر الصرف، الذي تجاوز جميع الخطوط الحمراء.
المعبقي: البنك المركزي عاجز في مواجهة فوضى الصرافة
في سياق متصل، اتهم المحافظ حكومة صنعاء بممارسة المضاربة بالعملة داخل عدن باستخدام ما لديها من نقد محلي في محاولة لإرباك السوق. ورغم جهود البنك للتصدي لتلك التدخلات، أكد أن الإمكانيات محدودة للغاية، ما يجعل المواجهة غير متكافئة.
أما على صعيد الصرافة، فقد أشار المحافظ إلى أن البنك المركزي يتخذ إجراءات بحق محلات الصرافة المخالفة ضمن نطاق عدن، لكنه لا يستطيع فرض الرقابة على ما يجري خارجها، حيث تعمل محلات صرافة بعيدة عن أي ضوابط، وتساهم في تعميق الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء.
وبحسب ما رصده بقش، فقد شدد محافظ البنك المركزي في عدن على أن إنقاذ الاقتصاد يتطلب معالجة أربعة محاور رئيسية.
أول هذه المحاور يتمثل في استئناف تصدير النفط اليمني المتوقف، والذي يمثل الرافد الأساسي لخزينة الدولة، وقد شكّل غيابه عبئاً كبيراً على الحكومة في الوفاء بالتزاماتها المالية. أما المحور الثاني، فهو توجيه كافة موارد الدولة، من إيرادات المحافظات والمؤسسات العامة، إلى البنك المركزي، مع وقف عمليات الإنفاق المباشر خارج الإطار الرسمي، والتي أفقدت الدولة سيطرتها المالية وفاقمت العجز.
ويتمثل المحور الثالث في إقرار ميزانية حكومية حقيقية لأول مرة منذ عام 2019، تكون مرجعاً للإنفاق وتحديد الأولويات وضبط الأداء المالي للمؤسسات العامة. أما المحور الرابع والأخير، فيتعلق بتحرير سعر صرف الدولار الجمركي، إذ يرى المحافظ أن الواقع التجاري تجاوز منذ زمن الأسعار المدعومة، وأن تحرير السعر سيخلق شفافية أكبر في السوق، ويمنح الدولة أدوات أكثر واقعية في إدارة الاستيراد والتوريد.
وفي تعليق على ما نشره “بن لزرق”، رأى الخبير الاقتصادي “أحمد الحمادي”، أن ما ورد في تصريحات محافظ البنك المركزي يعكس بشكل صريح أزمة مركّبة تتجاوز صلاحيات البنك ذاته، مضيفاً بأن الوضع “يتطلب تحركاً من الدولة بكافة مؤسساتها، وعلى رأسها الحكومة والرئاسة، ضمن منظومة متكاملة لإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد الوطني”.
وبينما تستمر أسعار الصرف في الانهيار، وتغيب الرقابة عن مؤسسات الدولة، تظل كلفة الفشل السياسي والإداري تُدفع من جيوب المواطنين، الذين باتوا عاجزين عن مجاراة الأسعار، أو مواجهة متطلبات الحياة في بيئة اقتصادية فقدت جميع مقومات الثقة والاستقرار.