
وجه صندوق النقد الدولي نظرة أقل تفاؤلاً لمستقبل اقتصادات الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العام الجاري، بما في ذلك قوى اقتصادية رئيسية كالسعودية والعراق، مشيراً إلى تضافر عاملين رئيسيين يلقيان بظلالهما على آفاق النمو: الانخفاض الملحوظ في أسعار الطاقة وتصاعد حدة التوترات التجارية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة.
في تقريره الإقليمي المحدث حول الآفاق الاقتصادية، الذي اطلع عليه بقش اليوم الخميس، خفض الصندوق من واشنطن توقعاته لنمو مجموع اقتصادات الدول المصدرة للنفط في المنطقة لعام 2025 بشكل كبير، لتستقر عند 2.3% فقط.
يمثل هذا الرقم تراجعاً حاداً بمقدار 1.7 نقطة مئوية مقارنة بتقديراته السابقة الصادرة في أكتوبر الماضي، والتي كانت تشير إلى نمو بنسبة 4.0% حسب مراجعات بقش، ويعكس هذا التعديل الكبير قلق المؤسسة المالية الدولية من تداعيات البيئة الاقتصادية العالمية الأقل مواتاة على الاقتصادات التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز.
أحد المحركات الرئيسية لهذا التخفيض في التوقعات هو المراجعة النزولية لأسعار النفط. ويتوقع صندوق النقد الآن أن يبلغ متوسط سعر برميل النفط حوالي 66.9 دولاراً خلال العام الجاري، وهو ما يقل بنحو 6 دولارات عن تقديراته السابقة.
وأرجع الصندوق هذا الانخفاض المتوقع إلى عاملين رئيسيين: الزيادة الكبيرة والمستمرة في إمدادات النفط الخام من الدول غير الأعضاء في تحالف “أوبك+”، والتي تضغط على الأسعار، بالإضافة إلى تراجع متوقع في الطلب العالمي على الطاقة نتيجة التباطؤ الملحوظ في وتيرة نمو الاقتصاد العالمي.
وتدعم تحركات السوق الأخيرة هذه التوقعات الحذرة، حيث تراجعت أسعار خام برنت القياسي بنحو 15% منذ بداية العام لتتداول حالياً حول مستوى 63 دولار للبرميل. ويعود هذا التراجع بشكل كبير إلى حالة عدم اليقين التي خلقتها النزاعات التجارية التي تقودها الولايات المتحدة، خاصة الرسوم الجمركية المفروضة على الصين، بالإضافة إلى إعلان تحالف “أوبك+” عن زيادة في الإنتاج بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً في السابق، في محاولة منه للتكيف مع ديناميكيات السوق المتغيرة.
العراق والسعودية يتأثران بشكل كبير
طالت التخفيضات في توقعات النمو معظم الدول المصدرة للنفط، لكن بعضها تأثر بشكل أكبر من غيره. فقد شهد العراق واحداً من أكبر التخفيضات، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي الآن أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي العراقي بنسبة 1.5% خلال عام 2025، وهو تحول جذري عن التوقعات السابقة في أكتوبر التي كانت تشير إلى تحقيق نمو قوي قدره 4.1%. هذا التراجع يعكس اعتماد العراق الشديد على عائدات النفط وتأثره بتقلبات الأسعار، بالإضافة إلى التحديات الداخلية التي يواجهها.
أما السعودية، أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم، فقد تم خفض تقديرات نموها لعام 2025 إلى 3.0%، مقارنة بتوقع سابق أكثر تفاؤلاً عند 4.6%.
ورغم أن نسبة 3.0% لا تزال تمثل نمواً إيجابياً، إلا أن هذا التخفيض الكبير يعكس تأثير انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد السعودي، حتى في ظل الجهود الكبيرة المبذولة لتنويع مصادر الدخل.
القطاع غير النفطي.. نقطة مضيئة ولكن؟
أقر صندوق النقد الدولي بأن نمو القطاعات غير النفطية في دول الخليج لا يزال مدعوماً بشكل جيد نسبياً حسب قراءة بقش، وذلك بفضل الاستثمارات الكبيرة في مشاريع البنية التحتية الضخمة والجهود الحثيثة التي تبذلها هذه الدول لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد المفرط على النفط، كما يتضح في رؤية السعودية 2030 وغيرها من الخطط الوطنية.
ومع ذلك، حذر الصندوق من أن هذا الزخم في القطاع غير النفطي قد لا يكون كافياً لتعويض التراجع في القطاع النفطي بشكل كامل، بل قد يتأثر هو الآخر بشكل غير مباشر. وأشار التقرير إلى احتمال قيام بعض الحكومات الخليجية بخفض أو إعادة جدولة بعض خطط الإنفاق الحكومي، وخاصة الإنفاق الاستثماري الكبير، بما يتماشى مع تراجع الإيرادات النفطية.
وقال الصندوق إن هناك “إعادة معايرة لخطط الإنفاق الاستثماري نتيجة ضعف أسعار النفط، زاد من أثرها التراجع الأخير بفعل تصاعد التوترات التجارية”، مما قد يبطئ من وتيرة تنفيذ بعض المشاريع الكبرى ويؤثر على النمو غير النفطي أيضاً.
فيما يتعلق بالتأثير المباشر للرسوم الجمركية الأمريكية التي أثارت قلقاً عالمياً، قلل صندوق النقد من أهميتها المباشرة على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تحديداً.
وأوضح التقرير أن التأثير “محدود بشكل عام”، وذلك لسببين رئيسيين: أولاً، أن صادرات الطاقة (النفط والغاز)، التي تشكل الجزء الأكبر من صادرات الخليج، مُعفاة إلى حد كبير من هذه الرسوم. ثانياً، أن حجم الصادرات غير النفطية من دول الخليج إلى الولايات المتحدة لا يزال صغيراً نسبياً، وبالتالي فإن تأثير أي رسوم عليها سيكون محدوداً على الاقتصاد الكلي.
من اطلاع بقش تؤكد هذه التوقعات المعدلة -رغم الاعتراف بنمو القطاع غير النفطي- أن اقتصادات دول الخليج لا تزال تعتمد بشكل هيكلي على عائدات النفط والغاز. فالإنفاق الحكومي، الذي يمول جزء كبير منه من هذه العائدات، لا يزال المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي، بما في ذلك في القطاعات غير النفطية.
وبالتالي، فإن أي انخفاض مستدام في أسعار النفط يؤدي حتماً إلى ضغوط على الميزانيات العامة، مما قد يجبر الحكومات على خفض الإنفاق، وهو ما يؤثر سلباً على النمو الكلي، بما في ذلك القطاعات التي يُفترض أنها بعيدة عن النفط. جهود التنويع مهمة وحققت بعض التقدم، لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة فك الارتباط الكامل عن دورة أسعار النفط.