محاولة جديدة للضغط على إيرادات روسيا.. واشنطن تضغط على حلفائها لوقف مشتريات النفط الروسي ومعاقبة الصين والهند

الاقتصاد العالمي | بقش
في تصعيد جديد للضغوط الغربية على موسكو، كثّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته الدعوات الموجهة إلى الحلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومجموعة السبع والاتحاد الأوروبي لوقف مشتريات النفط الروسية وفرض رسوم جمركية على الدول المتهمة بتمويل “آلة الحرب الروسية”، وعلى رأسها الصين والهند.
ترامب قال إنه مستعد لفرض عقوبات كبيرة على روسيا عندما توافق جميع دول الناتو على القيام بالأمر نفسه، وعندما تتوقف عن شراء النفط من روسيا، كما اقترح أن يفرض الناتو ككتلة واحدة رسوماً جمركية تتراوح بين 50% و100% على الصين للحد من نفوذها الاقتصادي الذي يُعتقد أنه يدعم موسكو.
هذه التصريحات تأتي بعد تهديدات سابقة من ترامب بفرض عقوبات ثانوية على الدول المستمرة في شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة، وخاصة الصين والهند. ووفق متابعات بقش، نفذ ترامب بالفعل قراراً بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الهندية بنسبة 25% إضافية، لترتفع الرسوم العقابية إلى 50%، لكنه لم يتخذ إجراء مماثلاً ضد الصين، في ظل محاولات إدارته الحفاظ على هدنة تجارية حساسة مع بكين.
مجموعة السبع: استهداف الدول المتعاونة مع موسكو
بموازاة ذلك، ناقش وزراء مالية مجموعة السبع، في اجتماع عبر الهاتف، يوم أمس الجمعة 12 سبتمبر، مزيداً من العقوبات على روسيا، بما في ذلك استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل الدفاع الأوكراني. ووفقاً لبيان صدر عن كندا التي ترأس رئاسة المجموعة، اتفق الوزراء على تسريع النقاشات بشأن إجراءات اقتصادية جديدة، شملت إمكانية فرض تعريفات جمركية على الدول التي تمكّن روسيا عبر استمرار شراء نفطها.
وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت ذكر في هذا الاجتماع أن من الضروري أن ينضم الحلفاء إلى واشنطن في فرض رسوم جمركية على الصين والهند، مؤكداً مع الممثل التجاري الأمريكي جيمسون جرير أن “قطع الإيرادات التي تموّل آلة حرب بوتين من المصدر يتطلب جهداً موحداً”. كما رحّبا بالالتزامات التي أبدتها دول المجموعة لزيادة ضغط العقوبات واستكشاف سبل استخدام الأصول الروسية المجمدة لصالح أوكرانيا.
في الوقت نفسه، دعت وزارة الخزانة الأمريكية الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع إلى فرض “تعريفات جمركية ذات مغزى” على الواردات من الصين والهند، بهدف الضغط عليهما لوقف تدفق العائدات إلى موسكو. ومن المقرر أن يناقش بيسنت مع إسبانيا إجراء جولة مباحثات مع نائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفينغ، تتناول ملفات التجارة، ومطالب واشنطن لشركة “تيك توك” الصينية بالانسحاب من السوق الأمريكية، وقضايا متعلقة بمكافحة غسل الأموال.
ورغم تشديد الخطاب، أبدى ترامب في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” بعض التردد بشأن توقيت العقوبات الجديدة، وأشار إلى أن “صبره على بوتين ينفد”، لكنه أكد أن الرد يجب أن يكون “بقوة شديدة”، معتبراً أن مشاركة الدول الأوروبية أمر حاسم في أي خطوة قادمة.
تأثيرات على الاقتصاد الروسي
تصعيد الضغوط الاقتصادية (عقوبات مباشرة على الطاقة، قيود على الشحن والتأمين، وفرض رسوم جمركية على دول تشتري النفط الروسي) يستهدف تجفيف إيرادات موسكو التي تموّل المجهود الحربي.
لكن مدى نجاح هذه الأدوات متوقف على عدة عوامل: قدرة الغرب على توحيد الموقف، مرونة المشترين الرئيسيين، الصين والهند، وقدرة موسكو على التكيّف.
وقد تؤثر العقوبات بشكل مباشر على إيرادات النفط والميزانية الاتحادية الروسية،
وذلك بعشرات المليارات من الدولارات في الإيرادات الضريبية من مبيعات الخام، مما يضيق المساحة المالية للدولة وميزانية الدفاع، وذلك ينعكس على القدرة على تمويل العمليات العسكرية طويلاً إذا استمر الانخفاض.
وفرض الرسوم على دول كبيرة تشتري النفط الروسي سيزيد من تكلفة إعادة البيع أو سيضغط لتقليل الطلب، وفق تحليلات مرصد بقش، مما يخفض صافي العوائد التي تصل لموسكو، بشرط تنفيذها على نطاق دولي واسع وعدم تعويض المشترين على حساب آخرين.
ورغم حِزم العقوبات المختلفة التي فُرضت على موسكو، بقيت الصين أكبر مستورد نفط لروسيا خلال 2024-2025، وارتفعت أيضاً مشتريات الهند في فترات معينة، مما يدل على قدرة روسيا على توجيه صادراتها شرقاً مقابل خصومات سعرية. كما أن استمرار المشترين الكبار في استقبال الخام الروسي يقلّص الفعالية الكاملة للعقوبات إن لم تُطبَّق على نطاق عالمي.
وأدى تشديد القيود على السفن والتأمين إلى زيادة التكاليف، حيث إن استهداف ناقلات موسومة أو شركات تأمين روسية رفع كلفة الشحن وجعل العمليات أكثر تعقيداً (سفن محتجزة، انتظار، تأمين بديل مكلف)، وارتفاع تكاليف الشحن يقلّل العائد الصافي لصادرات النفط الروسية.
إلى ذلك، لدى روسيا أصول كبيرة مجمّدة في الخارج، تبلغ قرابة 300 مليار دولار، ويحد تجميدها من قدرة موسكو على استخدام مواردها، لكن استبدال السيولة داخلياً أو عبر شركاء ودائع (مثل تحويلات بعملات أجنبية إلى دول صديقة) قد يخفف من التأثير فورياً. ومحاولة سحب موارد روسية مجمّدة واستخدامها لتمويل أوكرانيا، كما تقترح مجموعة السبع، قد تؤدي إلى مواجهة قانونية وسياسية دولية وتنديد روسي، مع مخاطر تصاعد أوسع.
وهناك سيناريو روسي يفرض نفسه بقوة، وهو سيناريو التكيف الروسي، إذ تواصل موسكو التصدير عبر أسواق بديلة مع خصومات، تتكيّف داخلياً عبر سياسة مالية احترازية، ويستمر النزاع مع تسوية محدودة.
التصعيد الأمريكي يأتي في إطار مسعى مزدوج، من جهة محاولة الضغط على روسيا عبر العقوبات والحرمان من عائدات الطاقة، ومن جهة أخرى مواجهة الدول الكبرى المستمرة في شراء النفط الروسي، بما يحول العقوبات من أدوات غربية أحادية إلى شبكة ضغوط متعددة الأطراف. ومع ذلك، فإن توازن العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين، وتوتر المفاوضات مع نيودلهي، يضع الإدارة الأمريكية أمام معادلة معقدة بين تصعيد الضغط على روسيا والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية مع شركائها الاقتصاديين الكبار.