تقارير
أخر الأخبار

مساعدات ممنوعة وبطالة قاتلة واستغلال إسرائيلي للمعابر.. غزة في حرب أخرى بلا دخان

تقارير | بقش

توقف دخان الحرب في قطاع غزة، إلا أن الحرب الصامتة الأخرى بدأت للتو، وهي حرب التجويع المستمرة، والبطالة الواسعة التي تقهر أرباب الأسر أمام أسرهم، وسط استغلال إسرائيلي للحالة الإنسانية الصعبة في غزة واستخدامها كورقة ضغط على الفصائل الفلسطينية.

منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لم يدخل القطاع سوى 986 شاحنة فقط، من أصل 6600 شاحنة كان من المفترض دخولها حتى مساء أمس الإثنين، وفقاً لما نص عليه الاتفاق.

وهذه القوافل القليلة شملت 14 شاحنة حملت غاز الطهي و28 شاحنة سولار مخصّصة لتشغيل المخابز والمولدات والمستشفيات والمنشآت الحيوية وفق اطلاع “بقش” على تصريح اليوم الثلاثاء لمكتب الإعلام الحكومي بغزة، وسط النقص الحاد في هذه المواد الأساسية التي يعتمد عليها السكان في حياتهم اليومية بعد أشهر طويلة من الحصار والتدمير.

وأمام الوضع الكارثي الذي يعيشه سكان غزة، ذكر برنامج الأغذية العالمي اليوم أن الإمدادات إلى غزة تتزايد بعد وقف إطلاق النار لكنها لا تزال أقل بكثير من هدفها اليومي البالغ 2000 طن لأن معبرين فقط مفتوحان، ووفق تتبُّع بقش فإن المعبرين المقصودين هما معبر كرم أبو سالم ومعبر كيسوفيم، من أصل سبعة معابر في القطاع المحاصر.

ووفقاً للبرنامج الأممي، يدخل نحو 750 طناً مترياً من الغذاء إلى قطاع غزة يومياً، لكن هذا لا يزال أقل بكثير من حجم الاحتياجات بعد عامين من الحرب التي حولت أكثر من 80% من غزة إلى أنقاض.

و”لكي نتمكن من الوصول إلى هذا التوسع، علينا استخدام كل نقطة عبور حدودية في الوقت الحالي”، حسب تصريح المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي “عبير عطفة” في مؤتمر صحفي في جنيف.

ومن صور المأساة، أن العديد من سكان غزة كانوا يخزنون الطعام الذي يتلقونه لأنهم يخشون أن تجف الإمدادات مرة أخرى، وحالياً يأكلون جزءاً منه ويحصلون على بعض الإمدادات لحالات الطوارئ ويحتفظون بها لأنهم ليسوا واثقين تماماً من المدة التي سيستمر فيها وقف إطلاق النار وما سيحدث بعد ذلك.

وبينما يشير برنامج الأغذية العالمي إلى أن قرابة ثلث الأسر في القطاع محرومة من وجبات الطعام لأيام متتالية، تؤكد منظمة اليونيسف أن 39% من سكان القطاع لا يتناولون الطعام لأيام، كما أن 320 ألف طفل تحت سن الـ5 معرضون لسوء التغذية الحاد، فضلاً عن حاجة 290 ألف طفل دون الـ5، و150 ألف حامل ومرضع إلى التغذية والمكملات.

اللعب الإسرائيلي بورقة المساعدات

تواصل إسرائيل الضغط بورقة المساعدات على الفصائل الفلسطينية، الأمر الذي انعكس سلباً على الأسواق والمعيشة، رغم أن أسواق القطاع شهدت في الأيام الأخيرة تراجعاً تدريجياً في أسعار السلع، مع دخول الشاحنات على قلّتها.

إذ يشير مواطنون وتجار في غزة إلى أن حركة السوق بدأت تستعيد حيويتها بشكل بطيء، بعد فترة من الشلل التام الذي أصاب النشاط الاقتصادي خلال الحرب، في وقت تواصل فيه الجهات الحكومية ولجان الطوارئ مراقبة الأسعار ومنع عمليات الاستغلال التي كانت سائدة في فترة الحرب، في محاولة لإعادة التوازن إلى السوق المحلي وضمان توفر السلع للمواطنين بأسعار معقولة.

لكن تقارير صحفية طالعها بقش تقول إن اضطرابات الأسواق ستستمر لعدم الوصول إلى حالة الاستقرار الكامل في الأسعار، بسبب مراوغات الاحتلال وعدم الالتزام ببنود الاتفاق المتعلقة بإدخال المساعدات وفتح المعابر.

أكثر مكان مدمر على وجه الأرض

جاكو سيليرز، الممثل الخاص للمدير العام لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأراضي الفلسطينية، قال إن قطاع غزة “أكثر مكان مدمر على وجه الأرض”، مشيراً إلى أن مشاهد الركام المنتشر في كل مكان تُجسّد حجم الكارثة التي حلت بالمدنيين.

ووفق سيليرز، يبحث الأهالي وسط الأنقاض عن بقايا من ممتلكاتهم، في حين يقف الأطفال في طوابير طويلة للحصول على الغذاء والماء، مؤكداً أن السكان يواجهون تحديات إنسانية هائلة تتعلق بتأمين المأوى والغذاء والمياه، في وقت تقدّر فيه الأمم المتحدة حجم الركام المتراكم في القطاع بنحو 25 مليون طن من الأولويات إزالتها قبل أي عملية إعادة إعمار.

ورغم هذا الواقع المرير، فإن الأهالي ما زالوا يحاولون العودة إلى حياتهم الطبيعية، رغم أن عشرات الآلاف من الأسر تعيش في أماكن مكتظة لا تتوفر فيها الشروط الصحية الملائمة، مما يفاقم مشكلات المياه والصرف الصحي ويزيد من معاناة السكان في ظل ضعف الإمدادات الغذائية والدوائية.

كارثة البطالة في غزة

رغم أن الحرب توقفت، إلا أن الحرب الحالية لا تقل فتكاً بالفلسطينيين، إذ يحاصَرون بالجوع والعجز وسط بطالة مشهودة ناجمة عن تدمير الدورة الاقتصادية برمّتها، فيما يُعد العمال الأكثر تضرراً بسبب اعتمادهم على الأجر اليومي.

إذ أصبحت الشركات أنقاضاً، وأُحرقت الورش، وتبخرت مصادر الرزق، ولم يبق للعامل الفلسطيني ما يبيعه أو ينتجه، وبات أرباب الأسر الذين كانوا يعيلون أسرهم واقفين على أبواب الجمعيات ينتظرون طرداً غذائياً يسد رمق الأطفال.

وحسب اطلاع بقش على البيانات المتوفرة، تجاوزت نسبة البطالة في قطاع غزة 95%، ولم يعد العامل يبحث عن عمل لأنه لا يوجد عمل أصلاً، حيث تم تدمير كافة الورش وخرجت الأراضي الزراعية عن الخدمة، وتوقفت أشكال الصيد وانتهت قطاعات العمل كافة.

وانهار القطاع الصناعي بالكامل في قطاع غزة، بعد أن كان أحد أعمدة الاقتصاد المحلي وأكبر مشغل للأيدي العاملة قبل الحرب.

وكان القطاع يضم أكثر من 4500 منشأة صناعية كبيرة ومتوسطة، إضافة إلى آلاف الورش الصغيرة، لكن 90% منها دُمرت خلال الحرب، بعضها بالكامل وبعضها جزئياً، ما أدى إلى تسريح عشرات الآلاف من العمال.

وقبل الحرب كان هناك 53 ألف عامل في هذا القطاع، أما اليوم فهناك أكثر من 35 ألفاً منهم بلا عمل بعد أن دُمرت المصانع التي كانوا يعملون بها.

وحالياً تعمل المصانع القليلة التي ما زالت قائمة، بطاقة محدودة جداً، وتواجه صعوبات هائلة بسبب نقص المواد الخام وارتفاع تكاليفها وانقطاع الوقود والكهرباء، فضلاً عن التهديدات الأمنية المتكررة التي تمنع استمرار الإنتاج.

ويشير الاقتصاديون في غزة إلى أن الحرب استهدفت الاقتصاد كما استهدفت البشر، إذ جرى تدمير البنية التحتية الصناعية عمداً لضرب أسباب الحياة.

بالنتيجة يمثل الوضع في قطاع غزة كارثة إنسانية واقتصادية متكاملة، حيث حوّل الحصار الممتد وعمليات التدمير واسعة النطاق القطاع إلى بيئة غير صالحة للعيش، بينما يهدد منع المساعدات الإنسانية المدنيين بالمجاعة، مما يتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً وغير مشروط لضمان تدفق المساعدات بشكل كافٍ ومستدام، وبدء جهود إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي التي قد تستغرق عقوداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش