تقارير
أخر الأخبار

تفاصيل صادمة لسقوط أكبر شبكة شركات سياحة وهمية في مصر جمعت ملياري جنيه

تقارير | بقش

شهدت مصر واحدة من أخطر القضايا المرتبطة بالنشاط السياحي خلال السنوات الأخيرة، بعد إعلان وزارة الداخلية القبض على 112 متهماً بتشغيل شبكة واسعة من شركات السياحة الوهمية التي استولت على مبالغ تقارب ملياري جنيه من آلاف المواطنين. وتأتي هذه العملية في وقت يشهد فيه سوق السياحة الدينية والداخلية طلباً مرتفعاً، ما جعل المستهلكين هدفاً سهلاً لعروض تبدو مغرية ومقنعة.

وحسب تقارير صحفية طالعها بقش، فإن الجهات الأمنية بدأت تتبع القضية بعد تزايد البلاغات من مواطنين من مختلف المحافظات، أكدوا تعرضهم لعمليات احتيال متقنة عبر كيانات كانت تقدم نفسها بوصفها شركات سياحية معتمدة وتروج لرحلات حج وعمرة وبرامج سياحية محلية وخارجية بأسعار تقل كثيراً عن أسعار السوق. ومع اختفاء هذه الشركات أو تنصلها من تنفيذ الرحلات، تكشفت ملامح شبكة تعمل وفق أسلوب منظم ومتكرر.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن عدد الضحايا قد يتجاوز 30 ألف شخص، وهو ما يعكس حجم الاختراق الذي تمكنت منه الشبكة في سوق السياحة، مستغلة الثغرات القانونية ومحدودية وعي المستهلكين بطرق التحقق من ترخيص الشركات. كما أسهمت الإعلانات الرقمية غير الخاضعة للرقابة في تعزيز انتشار هذه الشركات على نطاق واسع.

وتعمل الجهات الحكومية حالياً على جمع الشكاوى وحصر الأموال، تمهيداً لاستكمال التحقيقات وإحالة المتهمين إلى النيابة العامة، وسط مطالبات بفرض رقابة صارمة على الإعلانات السياحية الإلكترونية وتشديد إجراءات منح التراخيص.

بداية الكشف… بلاغات فردية تحولت إلى قضية وطنية

بدأت خيوط القضية تتشكل عندما تلقت الجهات الأمنية في مصر سيلاً من البلاغات من محافظات مختلفة، اشتكى فيها مواطنون من دفع مبالغ ضخمة لشركات ادعت تقديم برامج سفر، لكن تلك الشركات كانت تختفي بمجرد تلقي الأموال. ومع تزايد عدد البلاغات بشكل لافت، بدأ الشك يتعزز بوجود شبكة أكبر تعمل خلف هذه الكيانات الوهمية.

وبحسب تقارير صحفية، كانت الشركات تستغل حاجة المواطنين -خصوصاً الراغبين بأداء العمرة- للحصول على رحلات بأسعار مناسبة، فكانت تقدم عروضاً “مضمونة” عبر مكاتب مؤقتة أو منصات رقمية. وبعد جمع الأموال، كان يتم إغلاق المقرات أو تعطيل الهواتف ومنصات التواصل.

وتبين لاحقاً أن معظم هذه الكيانات لم تكن مسجلة لدى وزارة السياحة ولم تحصل على أي تراخيص، وأنها اعتمدت على المظاهر الشكلية فقط لإقناع الضحايا. كما أن استخدام أسماء تجارية مشابهة لشركات حقيقية زاد من قدرتها على تضليل الجمهور.

ومع توسع التحقيقات، تبين أن البلاغات ترتبط ببعضها، وأن الشبكة تعمل بطريقة مركزية رغم تعدد مكاتبها ومسوقيها، ما دفع الجهات الأمنية إلى التعامل مع الملف باعتباره قضية وطنية واسعة النطاق.

أساليب تضليل معقدة لإخفاء الهوية وحماية الشبكة

اعتمد المتهمون، وفق تقارير صحفية، على أساليب تمويه متعددة لتضليل الضحايا وصعوبة ملاحقتهم. فقد كانت مقار الشركات تتغير بصورة مستمرة، ويتم إنشاء شركات بأسماء جديدة عند ظهور أي شكوك حول الكيانات القديمة. كما كانت الصفحات الإلكترونية تُغلق وتُعاد افتتاحها فوراً بأسماء وصور مختلفة لبيع الوهم من جديد.

وكشفت التحريات التي تابعها بقش أن المتهمين نصبوا مقار إدارية تحمل لافتات مزيفة لشركات معروفة، واستخدموا مندوبين ومسوقين محترفين للتواصل مع الضحايا، ما منح هذه الشركات مظهراً رسمياً يخدع حتى الأكثر حذراً. وقد لعبت منصات التواصل الاجتماعي دوراً محورياً عبر إعلانات تستهدف كبار السن والراغبين بأداء العمرة.

وضبطت الأجهزة الأمنية أختاماً مقلدة ودفاتر إيصالات وعقوداً مزورة وصوراً لجوازات سفر لفئات كبيرة من الضحايا، ما يؤكد أن الشبكة كانت تدير عملياتها بمنهج احترافي يضمن استمرارها لأطول فترة ممكنة. كما تم العثور على قوالب توقيع وأدوات تستخدم لتسهيل عمليات التزوير.

وتظهر المضبوطات حجم البنية اللوجستية التي اعتمدت عليها الشبكة، بدءاً من تجهيز مكاتب مؤقتة، ووصولاً إلى بناء منظومة ترويج واسعة النطاق، ما يشير إلى مستوى عالٍ من التنظيم والتخطيط.

إجراءات حكومية موسعة لإغلاق الثغرات وضبط القطاع

أكدت وزارة الداخلية المصرية أنها اتخذت جميع الإجراءات القانونية بحق المتهمين، وأحالت ملفاتهم إلى جهات التحقيق المختصة لاستكمال الإجراءات القضائية. وتندرج هذه الخطوة ضمن خطة حكومية أوسع تهدف إلى ضبط سوق السياحة ومنع تكرار مثل هذه العمليات.

وتعمل وزارة السياحة حالياً على إنشاء قاعدة بيانات محكمة للشركات المرخصة حسب اطلاع بقش، وإعداد منصات إلكترونية تسمح للمواطنين بالتحقق من الترخيص قبل التعاقد. كما يجري التنسيق مع الجهات الرقابية لمراجعة منظومة الترويج السياحي عبر الإنترنت ومراقبة الصفحات المشبوهة.

وترى الجهات المختصة أن ضعف الرقابة على الإعلانات الرقمية كان أحد أبرز العوامل التي مكّنت هذه الشركات من التوسع. لذلك تتجه الدولة إلى إلزام منصات التواصل الاجتماعي بمعايير تحقق صارمة للإعلانات المتعلقة بالخدمات السياحية.

كما يجري العمل على تطوير حملات توعية واسعة تستهدف المواطنين، لتحذيرهم من مخاطر التعامل مع شركات غير مرخصة، خصوصاً في موسم العمرة الذي يشهد نشاطاً كبيراً للشركات الوهمية.

خسائر اجتماعية ومالية ضخمة… وآثار ممتدة على القطاع السياحي

يواجه الضحايا اليوم خسائر مالية فادحة، إذ دفع الكثير منهم مدخراتهم أو أموالاً اقترضوها خصيصاً لأداء العمرة. وتجاوز عدد المتضررين، بحسب تقديرات أولية، 30 ألف مواطن، في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال الجماعي المسجلة في القطاع السياحي.

ولم تقف الآثار عند الجانب المالي فقط، بل خلفت هذه العمليات توتراً اجتماعياً واسعاً، بعد أن اكتشف العديد من الضحايا أن توصيات الأقارب أو الأصدقاء كانت سبباً في وقوعهم بالفخ، نظراً لاعتماد الشركات على الحجم الشبكي لانتشار العروض. كما أدى ذلك إلى حالة إحباط عامة بين الراغبين بأداء العمرة، وتراجع الثقة في السوق السياحية.

وتشير توقعات خبراء السياحة إلى أن هذه القضية قد تؤدي إلى انخفاض مؤقت في الطلب على رحلات الحج والعمرة، إلى حين استعادة ثقة المواطنين في الشركات المرخصة وفق قراءة بقش. وحتى ذلك الحين، قد يواجه القطاع صعوبات في جذب العملاء، وهو ما سيؤثر على الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص.

ويحذر مختصون من أن استمرار هذه الأنماط الاحتيالية سيؤثر سلباً على سمعة القطاع المصري محلياً وخارجياً، مما يستدعي استجابة تنظيمية عاجلة لضمان عودة الاستقرار.

تسلط هذه القضية الضوء على حاجة ملحة لإصلاحات تنظيمية في قطاع السياحة المصري، وخاصة في ما يتعلق بالإعلانات الرقمية التي باتت منفذاً رئيسياً للشركات غير القانونية. كما أنها تكشف ضعف الأدوات المتاحة للمواطنين للتحقق من هوية الشركات، ما يجعلهم عرضة للوقوع في فخ العروض الوهمية.

وتظهر الأحداث أن حجم الخسائر لا يتعلق فقط بالمبالغ المالية، بل يمتد إلى الثقة العامة في السوق والقطاع السياحي بأكمله. وبالتالي، فإن أي استجابة حكومية يجب أن تتضمن حلولاً طويلة الأمد لضمان عدم تكرار مثل هذه الحالات.

وفي نهاية المطاف، تمثل القضية فرصة لإعادة بناء منظومة رقابية أكثر صرامة وشفافية، تسمح بتنظيم سوق السياحة الدينية والداخلية وتعيد الثقة للمستهلكين وتغلق الطريق أمام الشركات الوهمية التي تستغل حاجة الناس ورغباتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى