مشروع تطوير ميناء المخا وتضارب الأرقام الرسمي.. ما هي شركة “بريما” المجهولة ولماذا تم التوقيع معها؟

الاقتصاد اليمني | بقش
في اليمن الذي أنهكته الحرب، تبدو المشاريع الاقتصادية أرقاماً متضاربة واستثمارات مقلقة تفرض أسئلة سيادية، وهو تماماً ما يثيره الإعلان عن توقيع حكومة عدن مع شركة لا تتوفر معلومات كافية عنها، تدعى شركة بريما الاستثمارية المحدودة، وذلك لتأهيل وتطوير ميناء “المخا”.
في أحدث التصريحات التي اطلع عليها “بقش”، قالت إدارة ميناء المخا إن هذا المشروع سيشمل رفع عمق الميناء إلى 12 متراً، لتمكينه من استقبال سفن كبيرة تصل حمولتها إلى 50 ألف طن بما في ذلك سفن الحاويات.
لكن المشروع بحد ذاته حمل تناقضات منذ بداية الإعلان عنه. إذ أعلنت وزارة النقل بعدن في 09 ديسمبر 2025، عن توقيع مذكرة التفاهم بين مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية وشركة بريما الاستثمارية المحدودة، لإعادة تأهيل وتطوير وتشغيل الميناء التاريخي بقيمة (130 مليون دولار).
لكن وكالة سبأ التابعة لحكومة عدن، حسب متابعة بقش، ذكرت أن المشروع تبلغ قيمته قرابة 139 مليون دولار (138 مليوناً و907 آلاف دولار)، بفارق يبلغ قرابة 9 ملايين دولار، في تضاربٍ رسمي يطرح علامة استفهام كبيرة حول الأمر.
ويُفترض -وفقاً لمذكرة التفاهم- أن يتم بناء رصيف جديد من البلوكات الخرسانية بطول 280 متراً وبغاطس 12 متراً، ورصيف بطول 50 متراً، وإنشاء مساحات خلف الرصيف تكفي لتأسيس ساحة للحاويات مع 3 مستودعات، وصوامع غلال وإسمنت بالإضافة إلى المباني الإدارية والخدمية.
وظاهرياً، يبدو الخبر إيجابياً: إحياء ميناء تاريخي، ضخ استثمار كبير، ووعود بزيادة الطاقة الاستيعابية وخلق منفذ بحري فعّال، لكن الأسئلة تتكاثر بالغوص في التفاصيل، ليبدو المشروع كحلقة ضمن صراع أوسع على الموانئ، وعلى القرار الاقتصادي، وعلى الجغرافيا السياسية لليمن.
ميناء المخا بين الاقتصاد والسياسة
يقع ميناء المخا ضمن النفوذ العسكري والسياسي لعضو المجلس الرئاسي العميد طارق صالح في الساحل الغربي، وهو ما يضفي على أي استثمار فيه بُعداً سياسياً لا يمكن تجاهله.
فتوقيع مذكرة التفاهم جاء في توقيت بالغ الحساسية، بعد أسابيع فقط من القرار الرئاسي رقم (11) لعام 2025 الصادر في 28 أكتوبر، الذي يقضي بإغلاق أربعة موانئ وتوحيد التوريد إلى بنك عدن المركزي، في محاولة معلنة لضبط الإيرادات السيادية.
غير أن ميناء المخا بدا وكأنه خارج هذا الإطار، أو في الحد الأدنى غير متأثر به فعلياً، ما فتح باب التساؤل حول: هل يُعامل المخا كميناء سيادي يخضع للقرار المالي المركزي أم كميناء خاص ضمن ترتيبات نفوذ موازية؟ وهل يجري تكريس واقع أن لكل قوة أمر واقع ميناؤها واقتصادها؟
ولا يبدو التركيز المتزايد على المخا مجرد خيار اقتصادي، بل إعادة رسم للخريطة المينائية بطريقة تعمّق الانقسام بين موانئ الشرعية الاسمية وموانئ النفوذ الفعلي.
ما هي شركة بريما؟
توقيع مذكرة التفاهم مع “شركة بريما الاستثمارية المحدودة” يفتح باب التساؤلات حول هوية الشركة وأنشطتها داخل اليمن وخارجها، ولماذا اختيارها بالتحديد؟
من الناحية القانونية البحتة، تبدو شركة Prima Investment Limited شركة غير وهمية، فهي مسجلة في بريطانيا منذ عام 2013 وتحمل رقم شركة 08557793، وفق المعلومات التي تتبَّعها مرصد “بقش”، لكن من خلال تتبع الشركة، يتضح أنه لا وجود لموقع إلكتروني يعرّف بهذه الشركة وبأنشطتها، ولا وجود لبيانات موثوقة عن مشاريع سابقة لها في اليمن أو الخارج، ما يوحي بأنها عديمة الخبرة والتجربة في سياق مشروع ضخم كتأهيل ميناء المخا.
والمشكلة لا تكمن في الوجود القانوني، بل في الملاءمة، فالشركة مصنفة كشركة صغيرة جداً، ويؤكد بحث مرصد “بقش” أن نشاطها الأساسي هو “شراء وبيع العقارات الخاصة بها”، ولا تمتلك سجلاً معروفاً في تشغيل الموانئ وتطوير البنى التحتية الثقيلة وإدارة المشاريع اللوجستية البحرية.
وفي المقابل، يتم الحديث عن مشروع تتجاوز كلفته 138 مليون دولار، أي ما يفوق بأضعاف القيمة الصافية للشركة نفسها، باعتبارها شركة صغيرة لا تتجاوز قيمتها بضعة ملايين من الجنيهات فقط.
ويطرح ذلك تساؤلات حول كيف لشركة عقارية صغيرة في لندن أن تدير مشروع موانئ بهذا الحجم، ومن الممول الفعلي للمشروع، ومن الذي سيقدم الخبرة الفنية والتشغيلية، ولماذا لا تُعلن الشراكات بوضوح؟
والسيناريو الأقرب، وفق المعطيات التي اطلع عليها بقش، أن “بريما” قد تكون واجهة قانونية أو مركبة استثمارية لجهات أخرى إقليمية أو دولية اختارت البقاء خلف الستار، في سياق حساس لا يرغب فيه اللاعبون الحقيقيون بالظهور المباشر.
ميناء عدن.. السؤال المنسي
في قلب هذا الجدل يبرز سؤال جوهري: لماذا لا يتم تطوير ميناء عدن كأقرب مثال على استراتيجية النقل اليمني؟
فميناء عدن يُعد ميناء طبيعياً عميقاً، ذا موقع استراتيجي على خطوط التجارة الدولية، وهو مُهيأ تاريخياً ليكون مركز ترانزيت إقليمي، ويمتلك بنية أساسية أفضل.
ومع ذلك، يظل ميناء عدن يعاني من الإهمال، ويشهد العديد من الاحتجاجات والإضرابات العمالية، متروكاً بلا استثمارات استراتيجية مماثلة، وخارج دائرة الاهتمام الحقيقي، رغم كونه ميناء سيادياً تعتمد عليه الدولة في إدرار الإيرادات.
ويوحي هذا التناقض بأن المشكلة ليست في الجغرافيا، بل في السياسة، إذ يقع ميناء عدن في بيئة سياسية معقدة متعددة الأطراف، بينما تبدو المخا أكثر قابلية للإدارة ضمن نفوذ واحد.
لا يُفصل مشروع المخا عن الصراع الأوسع على الموانئ اليمنية، إذ أصبحت الموانئ مرتبطة بقوى سياسية أو بترتيبات إقليمية، مع غياب رؤية وطنية شاملة لإدارة الموانئ كمنظومة واحدة.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى تطوير ميناء المخا بأنه قد يحقق مكاسب محلية محدودة، وفي المقابل قد يعمّق تفتيت القرار الاقتصادي، ويرسخ اقتصاد الموانئ المنفصلة، ويؤجل أي حديث جدي عن دولة موحدة الموارد، ما يضرب خطة الإصلاحات الحكومية الشاملة في العمق.


