الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

مصر تسعى لإنعاش اقتصادها المنهك عبر استثمارات قطرية جديدة في الساحل الشمالي

الاقتصاد العربي | بقش

في خضم عاصفة من التحديات الاقتصادية المتصاعدة، دخلت مصر مرحلة متقدمة من المفاوضات مع دولة قطر بشأن صفقة استثمارية ضخمة تصل إلى 3.5 مليار دولار لتطوير مشروع سياحي جديد على الساحل الشمالي للبحر المتوسط. وتأتي هذه المفاوضات في وقت بالغ الحساسية داخلياً وخارجياً، إذ تكافح القاهرة للنجاة من أزمتها المالية التي فاقمتها الحرب الإقليمية المشتعلة بين إيران وإسرائيل، وتداعياتها الخطيرة على اقتصادات الشرق الأوسط، وعلى رأسها الاقتصاد المصري شديد الاعتماد على الواردات.

بحسب مصادر مطلعة رفضت الكشف عن هويتها نظراً لسرية المفاوضات، فإن المحادثات بين القاهرة والدوحة قد تفضي إلى توقيع رسمي قبل نهاية عام 2025 وفق متابعة بقش، دون الإفصاح عن الموقع الدقيق للمشروع أو حجمه، ويتوقع أن تضخ قطر مبلغاً أولياً بقيمة مليار دولار فور توقيع الاتفاق، على أن تُستكمل بقية الدفعات خلال فترة تمتد إلى 12 شهراً.

الخطوة القطرية تأتي استكمالاً لمسار بدأت به الإمارات في أوائل 2024، عندما أبرمت اتفاقاً استثمارياً تاريخياً بقيمة 35 مليار دولار مع مصر لتطوير منطقة رأس الحكمة، أحد أكبر المشاريع العقارية في تاريخ البلاد، والذي شمل بناء مدينة متكاملة ومطار دولي، وأسهمت تلك الصفقة بشكل حيوي في استقرار سوق الصرف وتخفيف الضغوط على احتياطيات النقد الأجنبي المتدهورة في مصر آنذاك.

تأتي هذه التحركات الاستثمارية الخليجية في وقت حرج تواجه فيه مصر اختلالاً عميقاً في توازناتها المالية والنقدية، فقد تعرض الجنيه المصري لانخفاض جديد مقابل الدولار خلال الربع الثاني من العام الجاري، مع تراجع ملحوظ في أداء البورصة المصرية التي سجلت أسوأ هبوط لها منذ عام 2019، وفقاً لبيانات مؤشر EGX30 الذي فقد أكثر من 14% من قيمته خلال أبريل ومايو فقط.

في السياق ذاته، خفضت وكالتا ستاندرد آند بورز وموديز تصنيف مصر الائتماني خلال الأشهر الماضية، وسط مخاوف من تفاقم عجز الحساب الجاري وارتفاع تكلفة خدمة الدين الخارجي الذي تجاوز 165 مليار دولار مع نهاية الربع الأول من 2025، بحسب تقارير اطلع عليها بقش لصندوق النقد الدولي.

كما زادت التوترات الإقليمية من حدة الأزمة؛ فقد أدت الضربات الإسرائيلية على مواقع في إيران إلى ارتفاع أسعار الطاقة وتهديد طرق الإمداد في المنطقة، ما انعكس بشكل مباشر على مصر، وتراجعت إمدادات الغاز من إسرائيل – التي تمثل نحو 45% من احتياجات مصر من الغاز المستورد – ما أجبر القاهرة على اللجوء مجدداً إلى الديزل لتشغيل محطات الكهرباء، في سيناريو يهدد بتكرار أزمة انقطاعات التيار التي عانت منها البلاد في صيف 2022 و2023.

الحاجة إلى استثمارات حقيقية… لا مجرد ودائع

في ظل هذه الظروف، تمثل الصفقة القطرية المقترحة رافعة حيوية للاقتصاد المصري، خاصة أنها تتضمن سيولة نقدية جديدة، بعكس بعض الاتفاقات الخليجية السابقة التي اعتمدت على تحويل ودائع لدى البنك المركزي إلى استثمارات مباشرة كما حدث في صفقة الإمارات العام الماضي.

وكانت قطر ومصر قد أعلنتا في أبريل الماضي عزمهما التعاون في حزمة استثمارية بقيمة 7.5 مليار دولار، دون تحديد جدول زمني، وإذا ما تم توقيع الاتفاق الحالي، فإن ذلك سيؤكد رغبة الدوحة في لعب دور أكبر في إنقاذ الاقتصاد المصري، على غرار ما قامت به أبوظبي.

بالمقابل، يبدو أن السعودية، التي كانت قد تعهدت باستثمارات بقيمة 5 مليارات دولار في مصر عبر صندوق الاستثمارات العامة، لم تبرم أي اتفاق فعلي حتى الآن، وأكدت مصادر مطلعة لبلومبيرغ أن “لا تحركات سعودية وشيكة” في هذا الإطار، ما يعكس فتوراً في العلاقات الاقتصادية، أو على الأقل تحولاً في أولويات المملكة في ظل سياق إقليمي ودولي مضطرب.

صكوك بضمان أراضٍ: القاهرة ترهن البحر الأحمر

في خطوة أخرى تعكس حاجة الحكومة المصرية إلى السيولة، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي مرسوماً بتخصيص 174.4 كيلومتر مربع من أراضي الدولة على ساحل البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، وتهدف الحكومة من خلال هذا التخصيص إلى استخدام الأراضي كضمان لإصدار صكوك سيادية إسلامية، في إطار تنويع مصادر التمويل والاقتراض، وتمويل مشاريع عقارية وسياحية جديدة.

هذه الخطوة تشير إلى اعتماد الحكومة المتزايد على أدوات الدين الإسلامية، بعد أن سجلت مصر إصدارات صكوك بقيمة تجاوزت 1.5 مليار دولار في العام 2024 وحده، معظمها موجه نحو سد الفجوات التمويلية واحتواء عجز الميزانية العامة الذي تجاوز 12% من الناتج المحلي الإجمالي.

رغم أهمية الاستثمارات الخليجية لمصر في الوقت الراهن، إلا أن خبراء الاقتصاد يرون أن هذه التدفقات وحدها لا تكفي إذا لم تُقابل بإصلاحات هيكلية شاملة، فوفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في مايو 2025، فإن “نموذج الاقتصاد المصري لا يزال هشًا بسبب اعتماده المفرط على الاستيراد، وضعف الإنتاج الصناعي والزراعي، وغياب الشفافية في بيئة الأعمال”.

ويحذر التقرير بحسب مراجعة بقش من أن الحرب بين إيران وإسرائيل قد تؤدي إلى “تغيّر جذري في اتجاهات الاستثمار في المنطقة”، وقد تجذب رؤوس الأموال إلى أسواق أكثر استقراراً مثل تركيا والسعودية والإمارات، ما لم تتخذ القاهرة خطوات حاسمة لتحسين مناخ الاستثمار وتوفير بيئة سياسية واقتصادية مستقرة.

في المحصلة، تبدو الصفقة القطرية بمثابة شريان حياة إضافي للاقتصاد المصري، لكنها ليست الحل السحري، فبين رهانات الاستثمارات الخليجية، وضغوط صندوق النقد الدولي، وتهديدات الجغرافيا السياسية المتصاعدة، يبقى مصير الاقتصاد المصري معلقاً على قدرة الدولة في الانتقال من اقتصاد قائم على المسكنات المالية إلى اقتصاد إنتاجي مستدام.

ومع بقاء عدة شهور حتى نهاية 2025، ستكشف الأيام القادمة ما إذا كانت مصر ستنجح في تأمين هذه الصفقة المرتقبة مع قطر، أو إن كانت ستواصل الركض خلف الوعود، بينما تكافح شعوبها مع ارتفاع الأسعار، وشح العملة الصعبة، وخطر العجز عن استيراد الضروريات.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش