
الاقتصاد اليمني | بقش
تعيش مدينة عدن منذ أيام على وقع أزمة عملة غير مسبوقة، أعادت الجدل حول إدارة البنك المركزي ودور شركات الصرافة في المضاربة، وسط تبادل للاتهامات وتصاعد الاحتجاجات على غياب الشفافية وارتباك القرارات النقدية. الأزمة لم تتوقف عند حدود السوق المصرفي، بل امتدت آثارها إلى حياة المواطنين الذين باتوا يدفعون الثمن عبر أسعار مرتفعة لا تعكس أي تحسن يُذكر في سعر الصرف.
رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، كشف أن ما يحدث في سوق عدن ليس مجرد صدفة بل نتاج سيناريوهات منظمة. السيناريو الأول يتمثل في ضلوع شبكات مضاربين تستهدف زعزعة استقرار السوق النقدي.
أما السيناريو الثاني حسب قوله فيرتبط بكبار الصرافين الذين سعوا إلى تعويض خسائرهم السابقة من خلال شراء كميات ضخمة من العملات الأجنبية بعد إحداث موجة هبوط مصطنعة.
نصر شدد على ضرورة إغلاق شركات الصرافة المخالفة، معتبراً أن إخفاء الأموال أو الاحتفاظ بها خارج النظام المصرفي “يُعد ممارسة مباشرة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، الأمر الذي يستوجب الغرامة والمحاسبة والإغلاق.
كما أضاف أن أي تحسن للعملة يجب أن يكون تدريجياً ومدروساً، حتى ينعكس على استقرار القطاع المصرفي والأسعار، محذراً من أن “الخطوات غير المدروسة ستعيد السوق إلى دائرة المضاربة والفوضى”.
بيان لبنك عدن المركزي ورد من نقابة الصرافين
في مواجهة الاضطراب، أصدر البنك المركزي بعدن بياناً عقب اجتماع مجلس إدارته، أقر فيه تثبيت سعر الريال السعودي عند 425 للشراء و428 للبيع حسب اطلاع بقش، واعتبر كل العملات الأجنبية التي تم شراؤها من البنوك وشركات الصرافة خلال اليومين الماضيين ملكاً للبنك المركزي.
كما وجه بإجراءات صارمة ضد الصرافين المتورطين في المضاربة، مؤكداً أنه سيظل في حالة انعقاد دائم لمراقبة التطورات. كما أبدى البنك ارتياحه للتحسن النسبي الأخير، لكنه شدد على أن نجاح الإجراءات يتطلب التنسيق مع الحكومة والدعم الخارجي والثقة المتزايدة في خطوات الإصلاح.
على الجانب الآخر، أصدرت نقابة الصرافين الجنوبيين بياناً اتهمت فيه بنك عدن المركزي بخلق “ثغرة” في السوق، عندما حدد سقف سعر الريال السعودي عند 428 ريالاً، لكنه سمح بالبيع والشراء بأقل من ذلك.
النقابة قالت إن هذا القرار ترك ثغرة استغلها الصرافون وأربك السوق، ووصفت إدارة البنك بأنها “بطيئة ومتناقضة”، مطالبةً بإنشاء غرفة عمليات دائمة 24/7 وإصدار نشرات يومية تحدد الأسعار المرجعية ونطاقات الهوامش بوضوح.
الصحفي فتحي بن لزرق، رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، وصف ما حدث بأنه “جريمة مكتملة الأركان”، مؤكداً أن بعض الصرافين استولوا على أموال المواطنين خلال 24 ساعة فقط عبر مضاربات غير مشروعة. وطالب بإعادة الأموال وفق فواتير الشراء أو عبر الرجوع إلى كاميرات المراقبة، مضيفاً: “إذا غاب البنك المركزي عن حماية الناس، فعلى المواطنين الاعتصام أمام محلات الصرافة لاسترداد حقوقهم”.
ورغم التحسن النسبي في سعر الصرف، لم ينعكس ذلك على أسعار السلع الغذائية والأساسية التي بقيت مرتفعة. وفق متابعات بقش، الخبير الاقتصادي وحيد الفودعي وصف ما يحدث بأنه “مضاربة عكسية” يستفيد منها كبار الصرافين والتجار على حساب المواطن، فيما أكد الصحفي بن لزرق أن هناك “هوة كبيرة بين سعر الصرف المعلن وأسعار السوق”.
المغتربون وأصحاب الدخول بالعملة الأجنبية كانوا الأكثر تضرراً، حيث تراجعت القوة الشرائية لتحويلاتهم، بينما ظلّت أسعار المواد الأساسية على حالها، ما فاقم الضغوط على الأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود.
الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي اعتبر أن الأزمة الحالية “تكشف عن خلل عميق في الرقابة المؤسسية”، موضحاً أن 60% من اضطراب سعر العملة يعود إلى مضاربات غير قانونية، بينما 40% فقط تعود لعوامل اقتصادية حقيقية.
وذكر الحمادي في تعليق لـ”بقش” إن البنك المركزي بحاجة إلى “إستراتيجية أكثر صرامة” تقوم على ضبط الهوامش بين البيع والشراء، ومنع أي عمليات تتم خارج التسعيرة الرسمية، مع تعزيز أدوات الرقابة الميدانية والإلكترونية. وأضاف أن “أي بيان لا يعكس نفسه على رفوف المتاجر والأسواق سيظل حبراً على ورق”، داعياً إلى تدخل مشترك من الحكومة والقطاع المصرفي لإعادة الانضباط والثقة.
بين بيانات البنك، وضغوط النقابة، وتحذيرات الخبراء، يبقى المواطن الحلقة الأضعف، يدفع ثمن لعبة المضاربات وانقسام السلطات النقدية. ومع استمرار الفوضى السعرية، ترتفع الأصوات المطالبة بإغلاق شركات الصرافة المخالفة، وفرض شفافية كاملة على قرارات البنك المركزي، حتى لا تتحول أزمة العملة إلى أزمة ثقة شاملة في الاقتصاد الوطني.