“معركة الكرامة” تتواصل: أساتذة جامعات 4 محافظات يؤكدون استمرار الإضراب وسط شلل تعليمي متفاقم

في تصعيد جديد يؤكد عمق الأزمة التي يعاني منها القطاع الأكاديمي في المحافظات الجنوبية والشرقية، أصدرت نقابة الهيئة التدريسية لجامعات عدن ولحج وأبين وشبوة بياناً شديد اللهجة، اليوم الخميس، أكدت فيه استمرار الإضراب الشامل الذي تنفذه كوادرها، متحديةً بشكل مباشر قراراً لمجلس جامعة عدن وموجهةً انتقادات لاذعة لما وصفته بـ”التجاهل المؤسسي” لمعاناة الأساتذة.
وشدد البيان الذي حصل بقش على نسخة منه على أن قرار الإضراب كان “أخلاقياً قبل أن يكون نقابياً”، مشيداً بالالتزام الواعي لـ”الغالبية الساحقة” من أعضاء هيئة التدريس به. واعتبرت النقابة أن هذا الالتزام ينبع من “ضمير يرفض أن يُصادر المستقبل بلجانٍ شكلية تُدار لامتصاص الغضب لا لحلّ المأساة”، في إشارة واضحة إلى عدم ثقتها بأي لجان أو مبادرات لا تقدم حلولاً جذرية وحقيقية لمطالبهم التي تتعلق بتحسين أوضاعهم المعيشية ومعالجة تدهور مرتباتهم في ظل الانهيار الاقتصادي.
وأكدت النقابة بصراحة أن “الحقوق لا تُوهب بل تُنتزع”، وأن ذلك يتطلب ثباتاً يليق بحملة الرسالة الأكاديمية. ووجهت رسالة حاسمة بأن قرار تعليق الإضراب هو صلاحية أصيلة وحصرية لمجلس النقابة، وأن “كل محاولة للالتفاف عليه خارج هذا الإطار ليست سوى عبثٍ مكشوف لا يُلزم إلا قائله”، في رد مباشر على محاولات كسر الإضراب.
ولم ينسَ بيان النقابة مجلس جامعة عدن من انتقاداته الحادة، واصفاً قراراً أخيراً للمجلس الذي يرفض استمرار الإضراب، بأنه “تكرار مألوف لحالة إنكار مريرة تحاول أن تقفز على جوهر الأزمة بلغة تتجاهل من يئنّون تحت عبء المعاناة”، واعتبره مكملاً “لسلسلة مواقف تُبطن الاستخفاف وتُعيد إنتاج التهميش”. وأعربت النقابة عن ألمها العميق إزاء ما وصفته بـ”صمت القيادة الأكاديمية تجاه معاناة الكادر التدريسي”، معتبرة هذا الصمت “خذلاناً مؤلماً يُغلفه التجاهل”.
النقابة أشادت بوعي أعضاء هيئة التدريس الذي أحبط محاولات كسر الإضراب عبر “الضغط الإداري والتشويش المعنوي” حسب قراءة بقش، مؤكدة أن ثباتهم كان “كاشفاً ومربكاً” للسلطات الجامعية التي “اعتادت على هيئة صامتة”.
وجددت التأكيد على أن الإضراب مستمر بإرادة الأساتذة الحرة، وأن “وحدة الصف هي الضمانة المتبقية في معركة الكرامة”. وفي ختام بيانها، دعت النقابة أعضاءها للمشاركة في وقفة احتجاجية ستنظمها يوم الإثنين الموافق 05 مايو 2025، كخطوة تصعيدية قادمة.
شلل تعليمي يمتد للمدارس.. أزمة تتفاقم
إضراب أساتذة الجامعات في عدن ولحج وأبين وشبوة لا يأتي كحدث معزول عن الأوضاع المتفاقمة، بل يمثل حلقة في سلسلة ممتدة من الاحتجاجات والإضرابات التي تشل قطاع التعليم العام والعالي في المحافظات المحررة، وتعكس أزمة عميقة تتفاقم يوماً بعد يوم.
فوفقاً لتقارير ومتابعات المرصد الاقتصادي بقش خلال الأشهر الماضية، شهدت مدارس التعليم العام في عدن وتعز إضرابات متكررة وشبه شاملة، مما أدى إلى ضياع جزء كبير من العام الدراسي على آلاف الطلاب.
ففي عدن، وكما رصد بقش سابقاً، نظم المعلمون، بمن فيهم المتعاقدون الذين يشكلون نسبة كبيرة من الكادر التعليمي، إضرابات واسعة للمطالبة بصرف المرتبات المتأخرة، وزيادة الأجور لتواكب الانهيار المريع في قيمة العملة وارتفاع تكاليف المعيشة، وتسوية أوضاع المتعاقدين الذين يتقاضون “حوافز” زهيدة لا تتجاوز أحياناً 25 ألف ريال شهرياً، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية أبسط الاحتياجات الأساسية، مما أثار سخطاً واسعاً ودفع نقاباتهم الفرعية لدعم الإضراب ورفض تكليفهم بأعباء إضافية دون مستحقات.
وعلى المنوال ذاته، تابعت تقارير بقش الإضرابات المستمرة في مدارس محافظة تعز، حيث يطالب المعلمون هناك بصرف رواتبهم المتوقفة منذ سنوات (خاصة للفترة 2016-2017)، وتنفيذ التسويات والعلاوات السنوية المجمدة، والأهم من ذلك، إعادة النظر في قانون الأجور رقم (43) لعام 2005 الذي أصبح غير واقعي على الإطلاق في ظل تآكل القيمة الشرائية للريال.
هذه المطالب الملحة كانت قد دفعت قيادة المحافظة مؤخراً لتشكيل لجنة للسفر إلى عدن لمتابعة هذه المستحقات لدى الحكومة المركزية، وهو ما يعكس حجم الأزمة.
تزامن وتوازي الإضرابات في الجامعات والمدارس يؤشر بوضوح إلى أزمة فساد هيكلية ومالية خانقة يعاني منها قطاع التعليم برمته في مناطق حكومة عدن. فالانهيار الاقتصادي وتدهور قيمة العملة جعلا من رواتب المعلمين والأساتذة الجامعيين، حتى لو صُرفت بانتظام، غير كافية لتأمين حياة كريمة، مما يدفع الكفاءات لهجرة القطاع أو البحث عن مصادر دخل إضافية على حساب واجبهم التعليمي.
وفي الضفة المقابلة، يعاني بدورهم المعلمون والتربويون في مناطق حكومة صنعاء من إهمال حقوقهم وسط الظروف المعيشية الصعبة، واستلام مستحقات منخفضة تتمثل في نصف راتب غير منتظم، يبلغ وفق معلومات بقش 30 ألف ريال فقط، وهو ما لا يغطي احتياجات النقل للمعلمين، فضلاً عن تغطية احتياجات أسرهم، في مشهد يعبر عن عجز تام عن مواكبة الظروف الصعبة.